الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة الحديدية

سميح مسعود

2015 / 1 / 1
الادب والفن


هذا العنوان لفيلم سينمائي ، قدمت فيه مخرجته فيليدا لويد جوانب مهمة من مسيرة مارغريت تاتشر أول امرأة رئيسة للوزراء في تاريخ بريطانية (1979-1990) ، واجه الفيلم بعد عرضه انتقادات كثيرة من قبل النقاد الإنجليز، هاجموه واعتبروه غير لائق بحق تاتشر لأنه يعمل على تشويه تاريخها على حد قولهم ، والحقيقة غير ذلك ، فقد نال الفيلم تقييماً إيجابياً من قبل نقاد الأوساط الفنية العالمية ، وبالنسبة لي كمشاهد أرى أن مخرجة الفيلم قد نجحت في تسليط الضوء على ثلاثة جوانب سلبية في تجربة تاتشر السياسية .

يتعلق الجانب الأول بتمسك تاتشر بالنهج الاستعماري الاستيطاني ، وقد عبرت عن ذلك بصريح العبارة اثناء حرب جزر الفوكلند التي نشبت بين بريطانيا والارجنتين في عام 1982، عندما قامت الارجنتين باعادة جزر الفوكلند إليها لانها تتبعها جغرافيا وأرادت بذلك استرجاعها وإنهاء احتلال بريطانيا لها ، وقد اعتبرت حكومة تاتشر ذلك غزواً لأراضيها مع ان الجزر تقع في جنوب المحيط الأطلسي على بعد الاف الأميال من انجلترا !!!

بهذا المنطق الاستعماري البغيض ظهرت تاتشر في الفيلم وهي تدافع عن احتلال ومصادرة أراضي الغير ، وتُبرر إرسال قوات بحرية حاشدة بحماسة منقطعة النظير لاحتلال جزر الفوكلند ، سرعان ما دخلت في حرب ضارية ضد الجيش الأرجنتيني دامت 42 يوماً انتهت بهزيمة الارجنتين وتكريس الاستعمار البريطاني للجزر من جديد على غرار ما كان يحدث في القرون الغابرة ، واسترجعت تاتشر بهذا بريق الاستعمار القديم الذي أرسى دعائمه جدودها من المستعمرين ناهبي ثروات الشعوب ، لكنها اصبحت في نظر الكثيرين على مستوى العالم كله امرأة بغيضة أطغاها الغرور الزائف باحتلال أراضي الغير .

ويتعلق الجانب الثاني بإظهار تاتشر كحاكم مستبد على شاكلة بعض حكام العالم الثالث ، من حيث تعاملها باستعلاء مع وزراء حكومتها في أجواء مشحونة بالتوتر ، وقد تضمن الفيلم مشهدا في هذا الشان تظهرفيه وهي متجهمة توبخ وزرائها بانفعال شديد ، وتصب جام غضبها على أحد وزرائها عندما اكتشفت خطاً إملائياً في كتابة كلمة ضمن تقرير قدمه لها ، ومن ثم تظهر في نفس المشهد وهي تنهي اجتماعها معهم بعصبية زائدة ، أشبه ما يكون بطردهم ، حيث ظهروا في الفيلم وهم يخرجون من قاعة الاجتماع مطأطئين رؤوسهم ، وهي جالسة في القاعة لوحدها بعد خروجهم تتصفح بعض الأوراق .

ويتعلق الجانب الثالث بابراز الفيلم لعمق عدائها السافر للطبقة العاملة الكادحة والشرائح الاجتماعية المهمشة ، حيث عملت طيلة فترة حكمها على شل حركة نقابات العمال واضعاف أهميتها ، وقد نجح الفيلم في إبراز موجات مظاهرات عاصفة نظمتها كل نقابات العمال في بلدها ضد سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، وضد تبنيها مبادئ الليبرالية الجديدة " المتوحشة " التي ساهمت في انهاء دور الدولة في المجالات الاقتصادية ، وفي تطبيق قوانين الخصخصة التي تم بها بيع كل مؤسسات وشركات القطاع العام في بريطانيا إلى الأفراد والمشروعات الخاصة ، وبالتالي ساهمت في زيادة ثراء الأثرياء ، وتفاقم حدة البطالة ، وتنامي معدلات الفقروالفقراء .

بسبب هذه الجوانب السلبية وغيرها من الأمور الأخرى خرجت تاتشر من الحكم غير مأسوف عليها ، أسقطها حزبها باسلوب انقلابي مفاجئ من قبل أقرب الاعضاء إليها ممن أوصلوها إلى قمة الحكم ، وقد أظهرها الفيلم في مشاهد كثيرة بعد خروجها من السلطة كعجوز مشوشة تعاني من الضعف وفقدان الذاكرة ، كلماتها قليلة ، لكنها كثيرة الشكوى من ارتفاع اسعار السلع الأساسية وبخاصة الحليب ، وهي نفس الشكوى التي لم تستجب لها عندما رددها الكثيرون من الناس العاديين عندما كانت في السلطة !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس