الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبدالرحمان بنعمرو..وعدالةالذاكرة

عبد الإله إصباح

2015 / 1 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


يكتسي كتاب " من اجل ذاكرة عادلة : محطات من حياة المناضل الأستاذ عبد الرحمان بن عمرو أهمية بالغة ، وهو في الأصل حوار صحفي نشر مسلسلا عبر حلقات على صفحات جريدة "أخبار اليوم" ويشكل صدوره في حداته حدثا إذ يكفي أن يكون موضوع الكتاب هو الأستاذ بن عمرو ليكون هذا الكتاب مهما لأننا إزاء شخصية سياسية وحقوقية طبعت الحقل السياسي والحقوقي بطابعها الخاص، فبمجرد سماع الاسم تتوالى على الذهن مجموعة من التداعيات المرتبطة بأحداث ومحطات وتنظيمات ومواقف، تندرج كلها في إطار مخاض عسير لبلورة وترسيخ أسس مشروع مجتمع بديل، قوامه حق الشعب المغربي في تقرير مصيره السياسي والاقتصادي والاجتماعي بناء على ديمقراطية حقيقية تجسد الإرادة الشعبية وتلبي تطلعات الجماهير إلى العيش الكريم. ولذلك فصدور الكتاب يستجيب لانتظارات المهتمين بالحقل السياسي المغربي من فاعلين سياسيين باحثين وصحافيين ومناضلي اليسار.فرؤية الماضي السياسي القريب الذي لازال ممتدا في الحاضر من منظور مناضل من حجم ووزن الأستاذ عبد الرحمان بن عمرو ستتسم لاشك بقدر كبير من الاطمئنان والارتياح لخلاصة واستنتاجات هذه الرؤية لذلك الماضي، نظرا للمصداقية المؤكدة والنزاهة الثابتة لصاحب هذه الشهادة، فضلا عن معايشته الفاعلة للمحطات والأحداث التي يدلي بشهادته حولها. فهو إذن يتحدث في هذا الحوار كشاهد وكفاعل انخرط بوعي في الصراع السياسي المؤطر لمرحلة هامة من تاريخ المغرب.
وعليه فالأستاذ عبد الرحمان بن عمرو من خلال ا الكتاب يساهم في نزع احتكار قول الحقيقة التاريخية من قبل السلطة القائمة، ذلك أن أي سلطة تتصرف إزاء التاريخ من منطلق مصلحتها الخاصة، فلا تقول من الحقيقة إلا ما يناسبها بل لا تقولها إلا وفق رؤيتها الخاصة ومصلحتها تلك..فالصراع حول التاريخ وتسييد تأويل خاص له ظل ويظل دوما هاجس كل سلطة..وفي السياق المغربي يشكل التاريخ مستند شرعية ومشروعية السلطة القائمة. ولذلك نجد لها حساسية خاصة إزاء التاريخ، خاصة أذا كان هذا التاريخ سيروى من منظور مغاير لرؤيتها وروايتها الخاصة. هي تعي أن التناقض في مجال رواية التاريخ هو امتداد للتناقض في المجال السياسي والإيديولوجي. ومن تم فإنها لا تتوانى في بذل جهود حثيثة قصد الانتصار في هذه الواجهة من الصراع , إذ من خلال هذا الانتصار تضمن هيمنتها الإيديولوجية بموازاة هيمنتها السياسية.من الطبيعي أن ترتكز شهادة الأستاذ بن عمرو على رؤيته السياسية لطبيعة هذه السلطة القائمة التي تتجسد في نظام " لا يخدم مصالح الشعب اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا.بل على العكس يخدم مصالح طبقته" إنه " نظام مخزني غير ديمقراطي("ص: 9) وهذه الرؤية السياسية ليست وليدة اليوم، إنها امتداد لرؤية لرمز من رموز اليسار المغربي الشهيد المهدي الذي كان من أبرز الشخصيات التي أثرت تأثيرا كبيرا في الأستاذ بن عمرو نظرا لعدة مزايا كان يتمتع بها الشهيد خاصة" طاقته الكبيرة على التنظيم وقدرته العظيمة على التواصل مع مختلف فئات الجماهير وذلك عبر الاجتماعات والتجمعات والمهرجانات وحتى الاتصالات الفردية."( ص 40) يضاف إلى ذلك أنه لم يكن فقط رجل الحركة المستمرة الإيجابية الهادفة في نطاق النضال الملموس وإنما كان بالإضافة لذلك رجل فكر وتحليل وتنظير، هذا التنظير الذي كان يستمده من الواقع الملموس ( ص41) وطبقا لهذه الرؤية نكتشف بأن ما اعتبره النظام مؤامرة ضده سنة 1963 هو في الحقيقة مؤامرة محبوكة ضد الحركة الاتحادية من أجل تصفيتها والانتقام منها على مواقفها من سياسته وتوجهه الاستبدادي الذي تبلور في دستور 1962 الممنوح حيث انخرطت الحركة في الدعوة القوية لمقاطعة الاستفتاء الذي اجري من أجل إقراره وفرضه. وبالارتكاز على الرؤية السياسية نفسها يقرأ الأستاذ بن عمرو مجموعة من الأحدات الهامة التي طبعت المشهد السياسي خلال أزيد من ثلاثة عقود وخاصة عقدي الستينيات والسبعينيات إذ تعرض المغرب لهزات عنيفة تمثلت في انتفاضة 23 مارس بالدار البيضاء وما عرفته من قمع وحشي، وما أعقبها من فرض لحالة الاستثناء واختطاف واغتيال الشهيد المهدي بن بركة وتتوالى الأحداث الخطيرة بعد ذلك كمحاكمة مراكش والمحاولتين الانقلابيتين في سنتي 71و 72 ولانتفاضة المسلحة في مارس 1973 . وهي كلها أحاث يسلط الأستاذ بن عمرو عليها الضوء ويقرأها من زاوية رؤيته السياسية ، فيعتبرها نتيجة طبيعية للتوجه الاستبدادي والمخزني للنظام أنذاك.. وكان من الطبيعي أن يستحضر الاستاذ بن عمرو أجواء المحاكمات السياسية التي آزرفيها مجموعة من المعتقلين السياسيين حيث يقف على مجموعة من الخروقات الجسيمة لمبدأ المحاكمة العادلة التي جعلت القضاء جزءا لا يتجزأ من آلة القمع الرهيبة التي سلطت على المناضلين وكان بسبب عدم استقلاليته أداة سياسية في يد الحكم يزج بواسطتها خصومه في غياهب السجون. لمدد طويلة..
. على أن الكتاب لم يقف فقط عند الأحداث السياسية العامة بل تطرق إلى جوانب خاصة من سيرة الأستاذ ين عمرو تتعلق بالمسار الدراسي ودور مدارس الحركة الوطنية والتأثير الخاص الذي مارسه بعض الأساتذة ذوي التوجه اليساري على مجموعة من التلاميذ. كما تم استحضار فترة الدراسة بسوريا ومصر بمناخها السياسي العام الذي كان مطبوعا بالنضال ضد الاستعمار وبروزالاحزاب القومية والحركة الناصرية.ويبقى أن أي تقييم للكتاب ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار كونه عبارة عن حوار صحفي أثرت ظروف وملابسات إجرائه على التشكل الذي انتهى إليه. والمهم فيه أنه شهادة من مناضل كبير عن فترة صعبة ومهمة من تاريخ المغرب كان له فيها أدوار ومواقف مشرفة منحازة إلى الديمقراطية ومصطفة إلى جانب الإرادة الشعبية ضد الإقصاء والقمع والاستبداد.إنه كتاب يندرج ضمن أفق تحقيق عدالة ملموسة للذاكرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا