الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علام يختلف الدكتوران عيد وغليون؟

يوسف العادل

2005 / 9 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


لقد أوهمنا مقالان منشوران لهما في موقع الرأي،( النخب السورية وترف الاختيار بين الديمقراطية والليبرالية- د.عبد الرزاق عيد، والتاريخانية وترف التفكير في الديمقراطية- د.برهان غليون) أن ثمة اختلافاً ما تدور رحاه بينهما فيطيب بنا المقام في ميدانٍ أكاديمي نعتز بفرسانه، ففوجئنا بأن الدكتورين في غاية الاتفاق.
فكلاهما ضحية الاستبداد ويعشقان الحرية، وكلاهما أكاديميان بارزان من منسياتهما أصول البحث العلمي ومناهجه وضرورات الانطلاق من الواقع والسويات النظرية المعرفية والنضال النظري وغير ذلك من القضايا المشتركة التي يتفقان على ألفبائها، ومن هنا كنا نظن أن إحداثيات الحوار لن تقع في هذه الجغرافيا المشتركة،(حيث الموت في التماثل)، لكننا استدرجنا من حيث لا نحتسب إلى مقاعد الدراسة لنتلقى نصوصاً عن السيرة الليبرالية والديمقراطية فيوصلنا إيقاعها الوعظي للخيارين التاليين :
1. المشروع الليبرالي الأول لصاحبه رياض سيف ،(..... رجل الأعمال الصناعي "المنشق" الأول عن (برلمان الدمى/ مجلس الشعب) والذي يدفع ضريبة مشروعه السياسي الليبرالي الريادي )، والدكتور عيد حينما يتخطى ضرورة التدقيق والتمحيص عن الفروق الدقيقة بين الديمقراطية والليبرالية ويتمسك( بضرورة النظر إلى الواقع كما هو) و يدعو إلى هذا المشروع (مشروع سيف) فإنه يعيدنا إلى المربع الأول،حيث نعثر بعد قليل على الشمولية بنسخة جديدة(ريادية) عبر ا نتاج رمزها التاريخي وأسطرته وجب ماعداه من قوى اجتماعية وسياسية واتجاهات فكرية وإيديولوجية (يسارية- قومية- اشتراكية وإسلامية) ستذوب جميعها في مياه الليبرالية المعتدلة، وكأن الساحة السورية لم تلد غير(سيف)، بالطبع كل الحرية له.
2. المشروع الليبرالي لصاحبه المجتمع كله، (انخراط المجتمع كله في عمل اجتماعي كبير كي تأتي الليبرالية السياسية )، ومن حيث ركز الدكتور غليون على النضال النظري لبناء الرؤية النظرية والعملية الضرورية لإيجاد الليبرالية السياسية وتمهيد الطريق لقدومها ، فإننا غرقنا معه في سيل من العموميات الوعظية الإطلاقية التي لن نعثر معها على أية دلالات واقعية وإحداثيات لمشروعه الليبرالي حيث تتالت هذه العموميات في هيئة بديهيات شمولية كذلك كما يلي:
• ... .. بيد أن المشكلة هي أن الليبرالية والديمقراطية ليستا تحصيل حاصل ولا يمكن الوصول إليهما من دون السعي إليهما فكلاهما ثمرة بناء اجتماعي. وطبيعتهما مرتبطة بنوعية هذا البناء واتساقه النظري والعملي
• .... فالليبرالية السياسية لا يمكن أن تأتي من دون هذا الوعي الصحيح بشروط "قدومها" ذلك أنها لن تأتي من تلقاء نفسها ولكنها تحتاج كي تتحقق إلى عمل اجتماعي كبير.
• ..... فالمجتمعات هي ثمرة عمل أبنائها في شروط بيئتهم المحلية والإقليمية والعالمية
• .... أما النظم الاجتماعية الحية فهي من صنع المجتمعات وثمرة كفاحها. ولذلك فإن صلاحها يرتبط بصواب تفكيرها وحسن سياساتها.
• ..... كفاح المجتمعات بفئاتها المختلفة من أجل بناء نظام اجتماعي يحترم الإنسان، أي بناء النظام المدني الأساسي الذي يمكن المجتمعات من إنجاز جميع "مهام" المراحل التاريخية التي أخفقت من قبل في تحقيقها، لكن في إطار إبداعي أي تركيبي يدمج بين هذه المهام المختلفة وحسب جدول أعمال خاص بها وبتاريخها الذاتي، واللحاق بالمسيرة التاريخية العامة والمتواصلة.
ويبدو أننا في أخر مقطع وضعنا يدنا على خلطة عمل سياسي( ويبدو أنها حتمية تاريخية لاتروق للدكتور غليون وبخلاف مايعتقد) ستذوب فيها (على طريقة الدكتور عيد) المراحل التاريخية والمهام المختلفة وبالضرورة الطبقات الاجتماعية والأحزاب وموازين القوى (الساكنة على مايبدو هنا).
نعم ستقتاد تصورات الدكتورين المجتمع إلى حتفه وضياعه سواء بتبوء الرمز الليبرالي عرشه الشمولي أوأيلولة هذا المجتمع إلى عماء العموميات المعرفية المنفلتة من كل عقال دلالي.
وأعتقد أن المسألة أبسط على صعيد التصورات،مما يدورمن تعقيدات حوار بين الدكتورين المتفقين أساساً، ذلك أن المجتمع حينما يندفع تاريخيا في الزمان والمكان فإن ذلك يتم على مرتكزين :
• الإنتاج المادي: حيث ينتج البشر مقومات وجودهم واستمرارهم( مأكل ،ملبس ، مشرب ، مأوى، إلخ) في إطار نظام علاقات إنتاج .
• الإنتاج التناسلي: حيث يجدد البشر أنفسهم( يتكاثرون)
و تكون العدالة والحريات موضع اتفاق لسواد البشر كقضيتين متلازمتين لحركة المجتمع، وجوهر حياته ، يدأب البشر لتحقيقهما منذ فجر التاريخ ، ولعل الإيديولوجيات التي عرفتها البشرية حتى الآن ليست إلا التقاطاً معرفياً أعمق فأعمق لقضيتي العدالة والحريات من سلفٍ إلى خلفٍ، ويبدو أن هذه الإيديولوجيات بما يمتلك أصحابها من مصالح ، قد مررت الوعي البشري من ثقوب هذه المصالح وصرفت البشر في كثير من الأحيان عن الوعي الحقيقي لقضاياهم إلا بما يتناسب مع المصالح الإيديولوجية، وهكذا درج التاريخ ساحباً كل هذه الإيديولوجيات من أذنيها إلى حيث الإفلاس الذي أطبق الخناق على الجميع مع انهيار الإتحاد السوفييتي ،تسعينات القرن العشرين، ففقد الناس الأمل بالبيانات العملية وتجارب الخطابات الإيديولوجية الأربع،( على الأقل في منطقتنا)، الماركسي والقومي والأصولي الإسلامي والليبرالي الذين توحدوا جميعاً على جغرافية الإفلاس التاريخي، كما فقدوا جميعاً الحاكمية، ومن المنطقي بعد ذلك أن تتلمس المعارضة( بتواضع وبدون عزة نفس إيديولوجية) دربها السياسية وتلتمس آليات العود على بدء والانطلاق من قواسم مشتركة لنشدان قضيتي العدالة والحريات ميدانياً وبعيداً عن تنصيب هذا الرمز وذاك أو أصولية هذا الطرف وذاك وكذلك بعيداً عن الاسترخاء السلفي في حضن الماضي القريب والبعيد حيث يقبع جان ستيوارت وعبد الله العروي وياسين الحافظ وكارل ماركس وسميث وريكاردو، واحمد لطفي السيد- طه حسين -محمد حسين هيكل- أحمد أمين) ، و محمد عبده- الكواكبي-علي عبد الرازق ...والكواكبي... الخ لقد سلخ جلودنا مشايعوا ومريدوا هؤلاء بما اقتبسوه منهم،أيام التبشير،وبالطبع لكل هؤلاء نرفع القبعات ونستحضرهم بلا شك ، لكن، حيث تحتاج اللحظة النضالية الراهنة إلى تقعيدها على أصولٍ تاريخية مناسبة في سياق التناغم الخلاق بين مسارات حركة الطبيعة والمجتمع والفكر، لذلك تحتاج ساحاتنا من النخب السياسية ومثقفي الشأن العام وفرسان الرأي لا سيماعلى الساحة السورية الرحمة بالتقليل من لعبة التثاقف والمطاردات في ميادين التراث والسلف الصالح بحيث يلتفتون إلى ساحاتنا منطلقين من احتياطي معرفي هائل عن كل القضايا، بأسسها النظرية والسياسة ويلتقطون إمكانية استعادة زمام المبادرة والالتحام بالواقع العملي والشروع من جديد بالعمل في ميدان الشأن العام ( ميدان القضايا الملحة).
وأعتقد أن الحراك السياسي على الساحة السورية، بما أنجزه خلال السنوات الخمس الأخيرة(لجان، هيئات، اعتصامات، تجمعات ، مواجهات مع الأجهزة الأمنية وأدوات السلطة، لقاءات، إصدارات،....الخ) وصولاً إلى هيئة تنسيق مركزية تنظم وتضبط إيقاع هذا الحراك، يستأهل من النخب السياسية ومثقفي الشأن العام الالتفات الجاد، والحضور الدائم في هذا المجال الحيوي السياسي لإخصابه وتأطيره تنظيمياً ونظرياً، على أنه موضوع له كل الاستقلالية عن حاكمية ومرشدية الماضي،وسيره، ذلك أن المعارضة، رغم تشتتها، وضعف بنيانها التنظيمي ومحدودية فاعليتها وإمكانياتها ، فإن لها أوراقها الراهنة التي يمكن إجمالها فيما يلي:
1. التجربة النضالية التاريخية لرموز هذه المعارضة ، مما يثري وعي ومجهود التجربة النضالية القادمة، ويؤصلها.
2. التقدم الجبار الذي تشهده التكنولوجيا على جميع الأصعدة، مما يوفر للعمل التنظيمي تسهيلات خدماتية كبيرة، لا سيما على صعيد سرعة التنسيق والاتصالات والتواصل والحشد المركزي السريع للفعاليات.
3. نهج السياسة الدولية التي وسعت قائمة المحظورات على صعيد قضايا حقوق الإنسان والحريات والنشاط السياسي، مما لا يسمح لأنظمة الاستبداد بالقمع العميم العاري المكشوف على الطريقة القديمة.
فللساحة السورية، كما العربية، من الشؤون العامة، مايجعل الوعي السياسي في حالة استنفار وانشدادٍ لحاضرٍ يصعب بعده تفسير مصادرته بأية أصولية إيديولوجية مرشدة( كالليبرالية ) أو الرحيل منه إلى التراث والعموميات أو استعادة الرموز الملهمة بغير الترف الثقافي أو الهروب من استحقاق راهن أوكلاهما معاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة كولومبيا تلغي حفل التخرج الرئيسي جراء الاحتجاجات المؤي


.. بالمسيرات وصواريخ الكاتيوشا.. حزب الله يعلن تنفيذ هجمات على




.. أسقط جيش الاحتلال الإسرائيلي عدداً كبيراً من مسيّراته خلال ح


.. أردوغان: سعداء لأن حركة حماس وافقت على وقف إطلاق النار وعلى




.. مشاهد من زاوية أخرى تظهر اقتحام دبابات للجيش الإسرائيلي معبر