الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم عادي

فيحاء السامرائي

2015 / 1 / 2
الادب والفن


يدفعون بي نحو سيارة من سيارتين يركبونها مع شتائمهم، وأنا في الخط الفاصل بين خيال فج وواقع أُجاج، بين كابوس كؤود ويقظة مرة، لا أكاد أتلمس فاصلاً جليّاً بين هذا وذاك..أكرّر القول لنفسي بأن ذلك أمر لا يمكن أن يحدث لي ولا ينبغي أن يحدث لأي شخص آخر..أسمعه وهو يأنّ باكياً شاكياً داعياً لي بزوال النعمة والعافية، ويتركونني هم وحدي ليتباحثوا بينهم آخذين مني مفاتيح سيارتي، أعلمهم عن هويتي وبأني كاتب ورجل قلم وفكر وكلمات:
- كتبك أمسح بيها قندرتي، يعني المثقفين مثل جنابك لازم يستهترون بحياة الناس؟
أكفّ عن شج أوتار صوتي غير مصدق لما يحدث، لا أزال في آخر أرماق إرتجافاتي وأطوار غضبي بعدما صرخت عليهم وبهم مذعوراً مستنكراً قبل برهة..أحاول الهدوء واللحاق بأسئلة تنثال على رأسي بتشوش ولا تكاد تكتمل..لماذ؟؟..ماذا يجري؟..لم يخطر في بالي وأنا أتجه بسيارتي نحو الجسر أن أدهس بشراً، أدهس!..بل هو من "دهسني"، يدعّي ذلك بالتأكيد، يستوقف سيارتي مولولاً نائحاً، لتلحقه في الحال سيارتان عسكريتان، يتعاطف من يستقلها من عسكرين مع " المجني عليه" مهددين بأسلحتهم:
- قف أخ الـ....إنزل، إنزل لا نفرغ هاي الرشاشة براسك
لم أؤذِ نملة طوال حياتي، فكيف يتسنى لي الهروب بعد أن أدوس على إنسان بدم ولحم ومشاعر وآمال وأحلام، كما وأني لا أعرف من أين خرج لي ذلك الذي يزعم أني ضربته بسيارتي وتركته ينزف، وهل هذا الجرج القديم الذي يستعرضه مستعطفاً أنا سببه؟
يتقدم نحوي الرجال العسكريون، تنضح قسمات لهم بمكر واضح رغم تظاهرهم بهيئات جادة:
- خمس ملايين لو الاعتقال، شتريد؟
ينشف جسمي من دماء تغذيّه متحولّة الى بنزين ينسكب على نار غضبي، غضب متراكم ومحتشد ومتألب ومتكدس، ينتظر منذ زمن ساعة مثل هذه ليفجّر براكينه..أصرخ مبيّناً لهم مكيدتهم ومسرحيتهم وحيلهم وطرق ابتزازهم للمواطنين من أجل سلب المال..أؤكد لهم بصوت الحق العالي برائتي وإفلاسي وخلو محفظتي من النقود وحياة كفاف وزهد أعيشها دون أرصدة ولا ذهب ولا مال فائض ولا قريب ثري ولا هم يفرحون..ينطلق صوتي راعداً، تموج أنفاسي في صدري كبحر هائج، أؤكد صارخاً بأنني على حق ويقين من بطلان التهمة..يتجمع بعض المارّة ، يجرؤ أحدهم على الإقتراب مني موشوشاً:
- قل، فوّضت أمري الى اللـه، تجفّى الشر عمّي، ذولة مسنودين
يهمس آخر:
- تجادل مكبسلين؟.. يرفع صوتهم، "خطية هذا رجّال جبير، سامحوه وليداتي"، ويرجع لي هامساً ناصحاً بأن لا أعطيهم اسمي وعنواني لأنها قد تتحول الى قضية فصل عشائري و" أزوع" بعد ذلك الملايين مجبراً.
أصرّ على برائتي مجادلاً وحانقاً وشاكياً من طرق إذلال يقوم بها حماة أمن مهمتهم حماية المواطن وحفظ أمنه..أنفض لهم جيوبي، أخلع سترتي، أرميها على الأرض، أطلق صيحات قهر غريبة عني قافزاً في الهواء بين الفينة والأخرى وكأنني مجنون..يصيب العسكرين وصاحبهم النصّاب وجوم مفاجئ..ينتهز سائقو سيارات عابرة سنوح فرصة هدوء، يخرجون رؤوسهم من نوافذ اسياراتهم داعين للتراضي:
- صلّوا على النبي ياجماعة، اتهدو بالرحمان، مايصير الّا الخير
يرمي عليّ أحدهم مفاتيح سيارتي وينسحب..ينسحب خلفه الآخرون راجعين الى سيارتيهم، وحينما ينطلقون بسرعة، يخلّفون ورائهم غباراً كثيفاً.

فيحاء السامرائي
(الى الاستاذ الكاتب جواد كاظم غلوم وماحدث له)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟