الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طليان

عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)

2015 / 1 / 2
كتابات ساخرة


(طليان)

كل العالم ينظر للطليان ـ سكان شبه الجزيرة الجميلة التي تتدلى في البحر المتوسط كـ (فردة بوت طويلة) ـ على أنهم شعب عريق سبق أن حكم العالم أيام الإغريق والرومان، وهم موطن المسيحية والفن والإبداع والطبيعة الساحرة وكرة القدم والأسباكتي والفراري ومكائن ... الماريو دي مايو.
لكن للعراقيين ـ عن الطليان ـ وجهة نظر أخرى، فصوفها مصدر للسجاد الثمين ذو الألوان الصارخة البديعة، ولحمها وشحمها عامل هام في (سر) خبطة الكباب ذو النكهة العراقية المميزة وجلدها متميز بصناعة قماصل الجلد ذات المتانة العالية ... حتى مخلفات (الطلي) هي خير سماد للتربة وتباع بألوف الدنانير ...
نعم هي (الطليان) بفوائدها التي لا تُحصَ ...
الخروف مثل النخلة ـ برأيي ـ من المخلوقات (الإستراتيجية) كالقمح والرز والبطاطا، والتي (ماكو) شيء إلا وفيه فائدة وقابل للاستهلاك، بحياتها وبعد مماتها !
مُخ (الخرفان) أيضاً لذيذ ومفيد ويتميز المطبخ العراقي بأعداد أكلات منوعة منه، وهو كبير نسبة لحجم الخروف بالمقارنة بحيوانات أخرى.
لكن يا ترى هل الخروف بحاجة له كله، أي هل أنه يتميز بذكاءٍ ما أم لا ؟ وكما ترانا ننعت الأغبياء بأنهم ... طليان ؟
× × ×
في مدينتنا الصغيرة بعقوبة، منتصف الستينات، كان ممكن ومتاح لنا تربية دواجن في البيت، وكانت الأقفاص تجمع بين أضلاعها الدجاج والبط، أما تربية الخروفان فيتطلب مكان أوسع وطعام أوفر وتعامل آخر.
وهذا ما قاله المرحوم أبي لنا، لكنه وجد أمام إصرارنا ـ نحن الأخوة الأطفال ـ وإلحاحنا ودموعنا كي يسمح لنا بتربية خروف، إلا أن يستجيب مكرهاً ويشتري لنا (حَمِل) صغير، فأسعدنا قراره لنتجرأ ونريد إهدائه لنا بيوم احتفالنا بعيد ميلاد أخي (صلاح) لأنه من مواليد برج (الحمل).
تعلقنا بحملنا الصغير كثيراً، وكان لا يزال يرضع الحليب، يتغدى (تمن ومرق) معنا ويحلّي رقي وتمر، نغسله بالشامبو ونمشط ونسرح صوفه (العكش) بمشط من خشب، وهكذا وخلال عام كـَـبُر وألتفّت قرونه أكثر من لفّة، وصار (كبش) محترم عليه القيمة !
كان يَعرِفنا ويميّزنا بوضوح، لكنه لا يستجيب لأختي التي تكبرنا بقليل، والتي اطأقتْ عليه أسم (خشوم)، ولا أدري هل هذا الاسم متأتي من شكل أو (جمال) أنفه أم ماذا؟
كان أخي صلاح يتمنى على (خشوم) أن يتّبعهُ حين يلهو أمام الدار، لكنه يتبع أختي أينما تذهب، بحديقة بيتنا الواسعة أو في مزرعة مواجهة لدارنا.

كبرَ وصار يجب ذبحه قال أبي، فحاول التحايل علينا كي نسمح بذلك، وذهب لإقناعنا أمام تعلقنا به بأنه سيعوضنا بآخر صغير من جديد، لكننا كنا نرفض جميع المحاولات بإصرار شديد، حتى كبرَ وصار ملفت للنظر في الحي بحجمه وعدائيته أمام الأغراب !
× × ×

جاء يوم حزين وضعنا وخروفنا بموقف صعب، فحدثت واقعة أطاحت بكل أسباب الاحتفاظ به، فبينما كان صلاح يتوسل بالسيد (خشوم) أن يتكرم ويستجيب له ويلعب معه، لكن وكعادته أصطدم بعناد وقوة شخصيته ورفضه بشدّة إتّباعه، فلبس وبسرعة (روب) كانت أختنا ترتديه كلما تلعب معه.
... وما أن سار أمام الدار، حتى استجاب (خشوم) فمرحا معاً وأسعد ذلك أخي أمام العيون التي تترقبهما وزاده ذلك فخراً، ثم هرول وخلفه (صديقه) المطيع (خشوم) !
ركضا وسط تشجيع منقطع النظير حتى طار (الروب) وظهرت الحقيقة واكتشف (خشوم) انه ضحية خديعة وأنه يتبع شخصاً آخر، فتوقف وإلتقط أنفاسه ورمى صلاح بنظرة غريبة ثم أدار قرونه ووجهها نحو هدف محدد، كاشفاً عن عدائية تجاهه لم يعهدها فيه، فركض مبتعداً عنه بكل سرعة، لكن (خشوم) كان يكيدُ كيداً ليتجه ناحية صلاح ويصوب قرونه تجاهه.
دفعت تحذيراتنا صلاح للأبتعاد أكثر والإسراع هرباً منه، لكن لم يُجدِ ذلك نفعاً ولم يبالِ (خشوم) بتخلي صلاح عن (الروب) أو اختياره طريق ملتوٍ داخل الحقل المقابل، فقد استطاع وبحركة خاطفة ولقطة فريدة أن يظفر به وأن ينطحه ليرفعه متر بالهواء بقرونه، ليتمدد أخي المسكين في ساقية مياه وطين، بالضبط كأن صراعاً لثور هائج في حلبة ... وليعود (خشوم) منتصراً !
كانت ساعة المغرب ولا يزال الظلام لم يطِح بشعاع الشمس، فتجلى المشهد المثير بدقائقه المعدودة بالصوت والصورة أمام عين أبي العائد من عمله، فأتُّخَذَ القرار القاسي بوجود الشهود، حيث اُدين (خشوم) بالجرم المشهود بسبق إصرار وترصّد !
وجاء فجر الجمعة، وكانت السكاكين تُسَن، وتم التنفيذ وسط رفضنا، فلم تفِد مبررات أختي ذي العشر سنين ولا توسلاتنا، فأضطرنا لوداعه بدموع ...
وقد آثرت أختي الاعتكاف وقررت مقاطعة اللحوم الحمراء لأشهر !
وكتبت في رثاءه (قصيدة) لا أتذكر إلا مطلعها ...
ظلموك ...
هم يعلموا أنهم يظلموك
من دون محاكمة يدينوك
سنّوا أسيافهم وربطوك
في الفجر
بلا رحمة ... ذبحوك
ومن شدة قسوتهم ... يأكلوك

تُرى ـ وأنا حقاً أتساءل ـ هل كان المرحوم (خشوم) بدماغه (الشّهي) غبياً لدرجة عدم تمييزه أخي من أختي أم ذكياً للدرجة التي أبدى بها ردّة فعل حين أكتشف أنها خديعة ؟
رحم الله زمان وأيام زمان، كان حتى الحيوان الذي حلل الله قتله، من الصعب علينا أن نرى فيه مشهد الدم، ولم نعلم كأطفال ـ حالنا حال جيل بأكمله ـ أن ذكرياتنا ستجبل وتعجن بدماء وفيرة وبريئة، والمصيبة أنها دماء بني جلدتنا نحن البشر !

عماد حياوي المبارك
بعقوبة ـ 1965








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد عز الفيلم المصري اسمه الفيلم العربي يعني لكل العرب وا


.. انطلاق فيلم عصابة الماكس رسميًا الخميس في جميع دور العرض




.. أوس أوس: هتشوفونا بشكل مختلف في فيلم عصابة الماكس وكل المشاه


.. مؤلفين عصابة الماكس: الفيلم قائم على العائلة وأهميتها.. ومشا




.. لبلبة وأوس أوس ونجوم مسرح مصر يحضرون العرض الخاص لفيلم عصابة