الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغيبوبة الاجتماعية السياسية

عماد صلاح الدين

2015 / 1 / 3
القضية الفلسطينية


الغيبوبة الاجتماعية السياسية
عماد صلاح الدين
اسمع من الناس من يقول من الذي أعطى قيادة حركة فتح أو كما تحب الحركة أن تقول أنها منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني التفويض الأخلاقي والسياسي لتقوم بالتفاوض مع إسرائيل سريا في أوسلو وما تلاها من عديد اتفاقيات سلام مع إسرائيل، ومن ثم ما آل إليه الحال من حشر القضية الوطنية الفلسطينية في السلطة الوطنية الفلسطينية ؟؟
كما أنني ذات مرة من عام 2005؛ في أواخره تقريبا، وفي لقاء مع الناس قبيل الانتخابات التشريعية التي جرت في كانون الثاني عام 2006، أقامه بعض قيادات حماس وعلى رأسهم الشيخ المرحوم حامد البيتاوي رئيس رابطة علماء فلسطين سابقا، والذي فاز بالانتخابات التشريعية عن قائمة التغيير والإصلاح في حينه، سألته في خضم الدعاية الانتخابية، وكان جزءا منها في قريتي التي اسكن فيها (قرية طلوزة قضاء نابلس)بالضفة الغربية المحتلة، عن: إلى أين حماس ذاهبة مع هذه الانتخابات مذكرا طاقم الدعاية الانتخابية الحاضرة بان السلطة الفلسطينية تحكمها سلسلة قيود ومحددات سياسية ومالية وأمنية خطيرة؟
ورد علي الشيخ رحمه الله تعالى، ولا اخفي أنني أحسست انه قد امتعض من سؤالي، وقام الشيخ بالرد علي بسؤال الناس مباشرة (ياجماعة بدكم انتخابات ولا ما بدكم)، وطبعا الحاضرون هم أبي كبير السن عاجز النظر وآخرون كثيرون مثله كبار في السن وحشد آخر من سكان القرية.
ولا اعرف من خلال القصة التي سقتها سابقا كيف يتم الدخول إلى انتخابات تشريعية ومن حركة مقاومة فلسطينية لا تعترف بإسرائيل من خلال دعاية انتخابية أمام الناس الحاضرين في قرى وبلدات ومدن الضفة الغربية وقطاع غزة لمجرد تجمع هؤلاء الناس في حشود ومهرجانات انتخابية يستقرأ منها ويستدل الموافقة على دخول الحركة في الانتخابات. اهكذا يكون الدخول والمشاركة في انتخابات سلطة واقعة تحت الاحتلال، وهو احتلال غير عادي قبل كل شيء.
والناس كما يعرف الجميع يرقصون ويفرحون لأي مهرجان أو احتفالية تقام هنا أو هناك!!.
الم يرقص الناس فرحا باتفاقيات أوسلو وعودة قيادة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى الضفة الغربية(أريحا) وغزة أولا عام 1994؟ الم يرفعوا أغصان الزيتون وأكاليله على السيارات والمصفحات الإسرائيلية استقبالا وابتهاجا بشركاء السلام الشجعان؟.
فماذا كانت النتيجة غير الذي يعرفه الجميع أيضا وسيعرفه جيل بعد جيل طالما بقينا نقيم تصوراتنا واستدلالاتنا واستنتاجاتنا على مهرجاناتنا واحتفالياتنا وحضور الناس الفارح والراقص بخصوصها، وان هذا الحضور هو التأييد عينه وهو الصواب الأكيد.
قد يقول قائل لي ويعقب على ما قلته بخصوص سؤال الشيخ للناس عن رغبتهم في المشاركة في الانتخابات من عدمها، بان الناس لديهم عقول واعية وتفكر وتستطيع أن تعرف مصلحتها وبالتالي هي من قررت المشاركة في الانتخابات، وان غير ذلك هو استخفاف ونظرة دونية واستحقار لأبناء الشعب الفلسطيني.
وردي أن هؤلاء الناس وأنا واحد منهم ضحايا لأوضاع اجتماعية وعذابات وتراجعات هذه منها:
1- أن المجتمع الفلسطيني قبل الانتداب البريطاني كان كما بقية المجتمعات العربية قبل الاستعمار البريطاني والفرنسي والايطالي لها يقع في نهاية الذروة لحالة الاستبداد والتخلف والتراجع والمرض والقهر الاجتماعي والطبقي الذي خلفته فيه سلطات الحكم العثماني حتى أوائل القرن العشرين المنصرم.
2- وقع المجتمع الفلسطيني مباشرة بعد الحقبة العثمانية لواحدة من أسوأ الاحتلالات الاستعمارية التي تقوم على التطهير العرقي والإحلال عبر الترحيل الدنيوي أو الأخروي النهائي(الترانسفير)، تولت التمهيد له وإسباغ الشرعية عليه الدول الاستعمارية الغربية وفي المقدم منها بريطانيا العظمى في ذلك الوقت من خلال وعد بلفور لسنة 1917 لإقامة المشروع الصهيوني اليهودي على أنقاض الشعب الفلسطيني، الذي لم يعط الفرصة لكي يرتب أوضاعه البنيوية والاجتماعية والثقافية الهوياتية الفلسطينية ليمارس حقه في تقرير مصيره بالطريقة التي يراها مناسبة مع بقية أقطار العالم العربي وتجمعات بلدانه الأقرب فالأقرب جغرافيا وتاريخيا واجتماعيا في المشرق العربي ومغربه.
3- بعد عهد الانتداب البريطاني الذي أنهى نفسه ضمن مخطط حلول العصابات الصهيونية التي مكنتها ودعمتها بالمال والسلاح والتدريب، جاءت دولة الاحتلال والتطهير العرقي الإسرائيلي والتي نفذت مخطط التهجير والتدمير الأكثر ندرة في التاريخ المعاصر بحق شعب اعزل من الإمكانيات المادية والمعنوية الواعية .
4- وفوق هذا كله تم حكم ما تبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه ؛ سواء من تبقى منهم على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 أو من تبقى على الأراضي المحتلة عام 1967، تم حكم هؤلاء الفلسطينيين من جهات عديدة إسرائيلية صهيونية وأردنية ومصرية، وعلى طريقة الإلحاق والإتباع وليس من باب المسؤولية الوطنية والقومية العربية الحقيقية بخصوص من حكمهم من العرب سواء في الضفة الغربية وقسم من القدس المحتلة أو في قطاع غزة المحاذي حدوديا لمصر.
والدليل على هذا الإلحاق والإتباع، هذا الدور المشكوك فيه أصلا في الدفاع عن الفلسطينيين سكان الأرض الأصليين عام 1948 من الجيوش العربية التي لم تبلغ نصف عدد جنود ومقاتلي العصابات الصهيونية وإمكاناتهم القتالية والتدريبية واللوجستية عام 1948 .
5- ثم أيضا ما تعرض له الفلسطينيون من احتلال مباشر لما تبقى من أرضهم عام 1967 فيما يسمى عربيا عام النكسة وما تلا ذلك من ضم للضفة الغربية وما تبقى من القدس في قطاعها الشرقي بالإضافة إلى قطاع غزة، وما لقيه الفلسطينيون كذلك من ضغوط وملاحقات واضطهاد ومحاولات لتذويب وإنهاء قضيتهم الوطنية في بعد الهوية الجامعة لهم.
6- ثم قيام الانتفاضة الأولى عام 1987 والانتفاضة الثانية عام 2000، وما عاني بينهما وفيهما الفلسطينيون من أحوال إنسانية واجتماعية مادية عصيبة في مواجهة المحتل الإسرائيلي وحلفائه الغربيين.
كما انه منذ قدوم السلطة الفلسطينية عام1994 وحتى أثناء انتفاضة الأقصى عام 2000 وهناك حالة صراع وملاحقة سياسية وأمنية من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية لقيادات في حركة حماس وعناصرها الناشطة سياسيا وعسكريا وحتى اجتماعيا، وكذلك تركيز حماس على جملة النشاطات السياسية والعسكرية أكثر من البعد الاجتماعي البنيوي في سياق المواجهة مع الاحتلال.
كما أن السلطة الفلسطينية كانت تنتقل من فشل وإخفاق سياسي إلى آخر بالإضافة إلى تورط كثير من رجالاتها بأعمال مشبوهة في السياسة والمال وحتى في بعض القضايا الأمنية الخطيرة على المصالح العليا للشعب الفلسطيني.
وحتى بعد رحيل القيادة التاريخية لمنظمة التحرير الفلسطينية تحديدا الشهيد الرئيس ياسر عرفات وتسلم الرئيس محمود عباس قيادة منظمة التحرير والسلطة لم يتغير شيئا على مجمل المشهد السياسي والوطني ذا اعتبار وأهمية .
بعد كل هذه الماسي والإخفاقات، وهذا الإهمال في رؤية وطنية إستراتيجية جامعة للنهوض بأوضاع الناس المادية والمعيشية وتنمية أوضاعهم الصحية والاجتماعية، بحيث يكون هناك نوع من النهوض والتحكم الذاتي من خلال ثقافة وطنية رائدة للعمل النضالي العام يرفدها ويدعمها حالة من الاقتصاد الذاتي المقاوم بحسب ما تسمح به ظروف الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال بعد بذل الجهد وتقديم التضحيات المختلفة .
بعد كل هذا يأتي من يحدثك بان الشعب الفلسطيني كان يريد الانتخابات التشريعية لعام 2006، أو انه أصلا كان يريد انتخابات رئاسية في عام 2005، أو انتخابات بعدهما، خصوصا بعد ما اجتاحت إسرائيل الضفة الغربية في عملية السور الواقي 2002، والتي ثبت للجميع في الداخل والخارج أنها سلطة تحت الاحتلال بلا سيادة وبلاشيء حقيقي من مكونات الوجود السيادي الوطني الفلسطيني.
حتى في صعيد العمل المقاوم والذي هو حق طبيعي ومنطقي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي هو الآخر للأسف يخضع للمزاجية الفصائلية، وليس ضمن الرؤية الوطنية الجامعة. كثير من الناس يتساءلون ويقولون من قرر عنا اليوم لنخوض معركة العصف المأكول أو البنيان المرصوص في هذا الوقت العصيب فلسطينيا وعلى المقاومة نفسها بالتحديد سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي والدولي، واني اربأ بالمقاومة الفلسطينية أن تقول أن هذا الكلام هو مزايدة على المقاومة الفلسطينية، لأنه إن خرج كلام من هذا القبيل فسيذكرنا بمسالة دفاع القيادة الفلسطينية المفاوضة في الماضي وحتى اليوم عن نفسها بدفع المزايدة عليها وطنيا.
لا يكفي رد المقاومة الفلسطينية على ما يساق من انتقادات على سلوكها الأساسي والفرعي التفصيلي ضمن ظروفها الخاصة وظروف الشعب الفلسطيني عامة وطبيعة المرحلة التاريخية التي تمر فيها القضية الفلسطينية، ومن خلال إعلامها أو الإعلام المساند أو المتعاطف معها بان الناس صامدون وصابرون وملتفون حول المقاومة وان المقاومة حاضنتها الشعبية حاضرة دائما وبقوة، فهذا يكون تبسيطا وتسطيحا للأمور، فبالإضافة إلى استعداد الناس للصمود والتحمل والصبر لابد من بناء المقومات الوطنية ومراعاة كل الاعتبارات الظرفية والإستراتيجية كلها بطريقة منهجية علمية مدركة، لا بطريقة عفوية وارتجالية في سياق الإدارة السياسية العليا المشرفة على مجمل الحراك المقاوم وطنيا.
وعلى هذا، وبالنتيجة فان عامة الناس الفلسطينيين يعيشون في حالة من الغيبوبة الاجتماعية وحتى السياسية والمادية الاقتصادية في مسالة إدارة شؤون حياتهم على المستوى الذاتي والموضوعي رغم ظروف الاحتلال وتعقيداته (انظر مثلا إلى الظاهرة الاستهلاكية والاسترخائية التواكلية في الضفة الغربية)، وعلى ردات الفعل الانفعالي (حتى في سياق ما نراه من تأييد للمقاومة أثناء العدوان الأخير على قطاع غزة العام 2014..
ولا شك أن السبب الحقيقي للماسي والعذابات الضاربة لبنية المجتمع الفلسطيني ووحدته الوطنية هو الاحتلال بالدرجة الأولى، ولكن جزءا معتبرا ومهما منه يقع على قيادات الشعب الفلسطيني وفصائله التي تفتقر إلى الرؤية السياسية الجامعة والشراكة الحقيقية التي هي في الأساس يجب أن تؤدي إلى حالة من النهوض الذاتي والتوازن المادي والاجتماعي والمعنوي للناس، حتى تكون منهم بالتالي قدرة فاعلة وناشطة في التفاعل الحقيقي والعطاء الجمعي وكذلك التضحيات الجمعية في سبيل الوصول إلى حالة تقرير المصير واسترداد الحقوق الوطنية في التحرر وعودة اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين .
من جديد، وللأسف فان الفصائل الفلسطينية لا زالت تعمل في جزء من توجهها ومسارها بالعقلية القبلية والعائلية التي يخص كل واحد فيها جماعته ومقربيه بالعناية والرعاية والتسهيلات الوظيفية والاقتصادية وحتى المنح التعليمية وفي مجال الصحة كذلك. هذا مع العلم أن الشريحة الأوسع من الناس وان كانت لها ميول حزبية وفصائلية إلا أنها غير مؤطرة بشكل تنظيمي في هذا الفصيل أو ذاك.
2-1-2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انشقاق في صفوف اليمين التقليدي بفرنسا.. لمن سيصوت أنصاره في


.. كأس أمم أوروبا: إنكلترا تفوز بصعوبة على صربيا بهدف وحيد سجله




.. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يحل حكومة الحرب


.. الحوثيون يعلنون استهداف سفينتين ومدمرة أمريكية في عملية جديد




.. حجاج بيت الله الحرام يستقبلون اليوم أول أيام التشريق وثاني أ