الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حبيبة / قصة قصيرة -

سمير دربالي

2015 / 1 / 3
الادب والفن


مازلت أذكر أول يوم اصطحبني فيه أبي إلى المدرسة ..كانت تبعد عن بيتنا ما يرغمنا على إشعال ثلاثة مواقد من ألياف الحلفاء في الطريق اليها كل صباح ..في كل شتاء ..نقتلعها ونرمي بها في النار لتسكّن آلام لسعات البرد ..و تليّن دمًا تجمّد في عظام مازالت ساعتها طريّة لزجة ...أذكره حتى لكأنه لشدّة ما حَفَرَ في الذاكرة ينسلخ من ليل البارحة ..

..في الطريق ظللت ألاحق خطوة أبي الكبيرة بما يشبه مسابقات العدو في التلفاز ..كان كل همّي ألّا يشعُر بأني تعبت أو تأخرت عن خط السير الذي رسمه وابن عمّي الكبير .. تلك كانت عندي أول اختبار حقيقي لي في معنى الرجولة ..ولكنها كانت تخون ..رجلاي الصغيرتان العاجزتان ..فيتوقف ليُمسك يدي ويعيدني الى خط السير ...وكثيرا ما يطلقُها فأعود الى هرولة تقترب من الركض ..أوسّع خطوتي قدر المستطاع وأسرّعهما كما في ماراطون المشي ..فيلتفت اليّ يمازحني ملمّحا الى قصر قامتي ...""زعمة تقد روحك وتولي راجل ""والرجولة عنده ان أصير معلّما ..كانت تلك أعلى درجات المعرفة والوجاهة والامنيات ..وأشير اليه بطأطأة رأس ..أنْ "ايه" ...

كان معلّمي عبد القادر طويلا فارعا كشجرة سرْو مهجورة قرب نبْع ماء ..وكنت صغيرا بما يجعله يطاول عندي حدود السماء ..وكان شديدا قاسيا .....وكانت "حبيبة" قريبتي طفلة يتيمة ..وكانت تكبرني بما يزيد عن ثلاث سنوات ولكن الفقر والحاجة أخّرا دخولها الى المكتب الى أن صرتُ ندّها في القسم ..وكانت تشجّعني وتُذهب عنّي رهبة الجٍدّة وتحنو عليّ بما يشبه حنوّ الأخت على أخيها ..وكانت عندي كذلك ..ولسبب ما ..ما زلت أجهله تلقّت "حبيبة "جليستي في المقعد من سيدي المعلم لطمة على وجهها ارتجّت معها الطاولة ..وتكلّمتْ لها في أرجاء القسم تكتكة مازلتُ أذكر صداها إلى اليوم ...و ساد القسمَ صمتٌ يحاكي صنوَه في ليال أمضيتها انصتُ الى أمّي تروي لي ولأخوتي قصة الغول على ضوء "القازة "الخافت ...كان غولا حقيقيا ..وكنا صغارا ..وكانت "حبيبة "يتيمة الأم ..فتفجّر عويلها رددته جميع جدران المدرسة ..و غطي صدى أصواتِ عصّيٍ كانتْ تُنتَزع من جنبات المقاعد ..ألِفتْ حرارتَها أيدينا وأرجُلنا وخَبرَتْها الأسماع .. ..ومضى يوم ..يومان ..ثلاثة ..حتى نسيتُ العد ..وحبيبة لم ترجع ....ظل مقعدها شاغرا الى جانبي ..وظللتُ كاليتيم ..وظلّ صدى" الكفّ "مُعلّقا في الجدران ..وفي ذاكرتي ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??