الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تناقض مقبول

سماح عادل

2015 / 1 / 3
الادب والفن



نص: سماح عادل
دوما ما تحتاج إلى وقفة مع النفس.. تزداد الحاجة إلى هذه الوقفة عند الأحداث الكبرى، كأن تترك العمل- وهذا أمر متكرر-، أو يقترب العام من الانتهاء، أو تتصاعد حدة الخلاف في وسطها العائلي.

في الماضي كانت تبذل جهدا أكبر لترضى عن نفسها، وتتقبل أمراضها، وعيوبها، أو على الأدق سلوكياتها غير المرغوبة والتي تعد الجينات الوراثية مسئولة عن جزء كبير منها، كان تحميلها للجينات الوراثية مسئولية كثير من سلبياتها أمرا مريحا لذهنها، لأنه يجعلها مجبرة بشكل ما ، وكأن التصرف بشكل لا يرضيها في الحياة، ويجلب سخطها بشكل يومي، أمر خارج عن إرادتها .

ومع تزامن حدثين من الأحداث الكبرى التي تتطلب وقفة كانت في حالة مختلفة، تركها للعمل وبداية سنة جديدة لم يكن لهما نفس الأثر في الماضي، أصبحت أكثر هدوءا، خبا الخوف المعتاد من المستقبل، والذي كان يأخذ شكلا مبالغا فيه في بعض الأوقات، كما خف التوتر الذي يعد مكونا هاما من شخصيتها، تشعر بالرضا، ليس كاملا لكنه كافي لإيقاف التوتر.

لا تعلم ما سبب الرضا، ترتاح له ولا تهتم لتقصي أسبابه بدقة، رغم شغفها لتقصي كل شيء يخصها وحتى الأشياء التي تخص الآخرين، فالتفكير والبحث وتحليل الأمور أمر تفعله بشكل لا إرادي ويوميا حتى أنها في بعض الأحيان تكره دوران ذهنها السريع، ومراوحة الأفكار التي تتداعي في كل اتجاه.

تجد نفسها مهتمة بكل التفاصيل، حتى تفاصيل أشخاص لا يمتون لها بصلة، جيران لا تتعامل معهم، أو أصدقاء أصدقاءها، تتماهي معهم في أحداث حياتهم وتتخيل نفسها تعيشها.

الهدوء غير المتوقع الذي تشعره داخلها لم يثر استغرابها بقدر ما أراحها حدوثه أخيرا، أصبحت قادرة على تقبل تناقضها دون سخط، رفضت أن تبحث عن عمل آخر في هذا الوقت، قررت أن تستمع بصحبة ذاتها لفترة، لتعرف ماذا تريد، ولما كانت على حافة التمزق في الفترة الأخيرة.

في تلك الفترة كان تخطيها ال35 مرعبا، جعلها تتخبط، وامتلكتها حالة مأساوية من الإحساس بالظلم، متوهمة أنها لم تعش سنوات شبابها كما ينبغي، آلمها شعور أن سنوات شبابها خطفت منها، لذا تقمصت حالة الشابة العشرينية لفترة، ولم يرحها ذلك أيضا بل شتت ذهنها أكثر.
الآن هي راضية، تستطيع أن تري الجانب الأفضل، حتى من أكثر الأحداث سوءا، تتقبل توترها، تلك اللعنة الحياتية، بل وتتلذذ أحيانا به، أصبحت أكثر قدرة على الشعور بالأمور الايجابية، لم تعد تقصف الشعر الأبيض الذي يتسلل لها، وتستمتع بكون شعرها يخلو من الشيب مقارنة بأصدقاء كثيرين في مثل عمرها أو أقل زحف إليهم الشيب، كما تستمتع بتعليقات البعض بأنها تبدو أقل من عمرها.

تنظر إلى جسدها الذي امتلأ ثانية بعد الجلوس في المنزل، حتى أصبحت الملابس ترفض مطاوعتها عند الارتداء، وتكرس في ذهنها تلك الصورة المتخيلة عن نفسها، والتي تكون فيها رشيقة، طويلة الشعر، يافعة.

تفرح لنظرة زوجها المفاجئة أثناء الحديث، وكأنه اكتشف شيئا مهما:" ايه ده انتي عينيكي حلوة قوي"، وتفرح أكثر لكلمات العشق الذي أصبح يمطرها بها أثناء توحدهما معا، وشغفه على جسدها، رغم مرور 7 سنوات، واللهفة في تلمس جسده، و التي تملئها لذة.

ربما كان اهتمام زوجها، واكتشافها أنه يعشقها أحد أسباب الرضا عن الذات، فهي تعرف جيدا أن الإشباع العاطفي أحد أهم الأولويات في حياتها، كذلك تحقيقها لحلم الإنجاب سبب آخر، أيقنت أنها حققت أكثر من نصف ما تمنته في الحياة، وربما ما حققته كان الأهم .

تفرح أيضا عندما يردد ابنها الأكبر كلماتها، ويعبر بوجهه بنفس تعبيرات وجهها، كأنها ترى نفسها تتكلم، يملؤها هذا بإحساس ساحر، وغريب ، خاصة عندما يردد بعض كلماتها البلهاء، أو تعبيرات وجهها المضحكة، تعلم أنه سيرث منها بعض الأشياء، وتخشى أن يصبح مثلها تماما، خاصة في تلك السلوكيات التي أرقتها في الماضي .

تقرر الابتعاد فترة عن الناس، والاستمتاع بالوحدة، وفي نفس الوقت تتواصل مع جميع الأصدقاء وتتلهف لمعرفة ردود أفعالهم على تواصلها معهم على "الفيس بوك".

أصبحت تقبل بالتناقض، أن تحب الشيء ونقضيه، أن تكون بداخلها شخصيات أخرى متباينة، أن تكون شابة عشرينية في بعض الأوقات، وتكون أما مسئولة في أخرى، زوجة ناضجة في بعض الأحيان، وشابة نزقة متهورة،أما تعلم أبنائها، وطفلة تلعب معهم، إنها هي في كل الأحوال، وتناقضها مغري وممتع، ويشي بالثراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأردن يتراجع 6 مراتب في اختبار إتقان اللغة الإنكليزية للعام


.. نابر سعودية وخليجية وعربية كرمت الأمير الشاعر بدر بن عبد الم




.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24


.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً




.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع