الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة المستجدة في مصر وسقوط الجدار العربي

حسين الموزاني

2015 / 1 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


توفي يوم الأمس عالم الاجتماع الألماني أولريش بيك الذي اشتهر بكتابيه: "مجتمع المخاطر" و "ما هي العولمة؟"ونعيد هنا نشر مقالته التي كتبها عن "الثورات العربية".

أولريش بيك
الثورة المستجدة في مصر وسقوط الجدار العربي
ترجمة حسين الموزاني

ما هي العلاقة التي تربط بين الانتفاضتين التونسية والمصرية وسقوط جدار برلين؟ فما حدث ويحدث ليس فقط لم يكن محسوباً ولم يتكهن به أحد، بل لا يمكن أن يتصوره الخيال. وعبارة "الجنون" كانت وما زالت تلخّص انهيار تلك القناعات الثابتة. وكلّ من كان يتوقع قبل ثلاثة أسابيع بأنّ نظامين من أشدّ الأنظمة تسلّطاً في العالم العربي سينهاران وستهتز أنظمة أخرى فسيعتبر مجنوناً بلا شكّ.
كانت القناعة السائدة في الغرب حتى ذلك الوقت هي أنّ التحوّل السياسي لن يتم إلا من الأعلى، أو في أسوأ الأحوال عبر الحركات الإسلامية المتشددة. والآن اتضح بأن كلا الفرضتين – قلب النظام من الأعلى والثورة الإسلامية – جعلتا الخبراء السياسيين والمعلقين لا يبصرون ما يجري خلف واجهات الأنظمة التسلطية الوطنية: أي رؤية السلطة المدنية المضادة والخالية من الإيديولوجية لجيل من الشباب مرتبط عبر شبكة اتصالات شاملة، ويعتبر "غير مسيّس" تماماً وفقاً للمعايير المألوفة المتعلقة بالانتماء الحزبي. لكنّ الشباب في القاهرة نجحوا في التوغل إلى الواقع السياسي عبر العالم البصري، وهذه هي الثورة المستحدثة والتي سيكتب عنها عدد لا يحصى من أطروحات الدكتوراه.

التناقض بين حرّية الإنترنت والرقابة الصحفية

إنها التناقضات ذاتها التي ورّط فيها نظام مبارك نفسه من خلال سياسة التحديث التي مهدت إلى هذه الثورة. فقد دعا مبارك المصريين عام 1997 إلى الاستفادة من إمكانيات الإنترنت، فكان يريد أن يجعل من المصرين أنموذجاً للمجتمع العلمي في المنطقة العربية.
وشنّت حملة دعائية واسعة للدخول المجاني إلى المواقع الإلكترونية، وأتيحت الفرصة إلى استخدام شبكة الإنترنت عبر جهاز الإشارات الرقمية، المودم، دون تسديد مقابل ماليّ. وحاول النظام أن يحلّ التناقض القائم بين حريّة الإنترنت والرقابة الصحفية عبر إجراءات تعسفية. ولكن نظام مبارك كان ينظر إلى "الطريق المصرية السريعة لتبادل المعومات" باعتبارها خطوة أساسية نافعة من شأنها أن تجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البلد. ولهذا السبب لم تخضع صفحات الإنترنت إلى الرقابة أو العرقلة – ولا يمكن مقارنة ذلك بالأوضاع في تونس وإيران والعربية السعودية.
وينطبق هذا الأمر على محطات التلفزيون العربية التي كانت تبث عن طريق الأقمار الاصطناعية والتي ساهمت في خلق الرأي العام المناصر للقضايا العربية. وبذلك قفزت الشرارة من تونس إلى مصر – وبنتائج مفتوحة.
فهل يتعلق الأمر هنا بحريق شامل لهذا السبب مثلما يدعى كلّ مرّة وبأسلوب تحذيريّ؟ وهل تشكّل الثورة العربية "خطورة عالمية شاملة"؟ وهل سيتمخض عن ذلك انهيار سياسيّ جذريّ يهدد استقرار المنطقة العربية-الإسرائيلية، بل النظام العالمي برمته؟


زلزال سياسي، وليس حادثة طبيعية

ويمكن أن تكون الانتفاضة العربية زلزالاً، لكنها ليست حادثة طبيعية، وقد استندت إلى شجاعة الناس الذي نجحوا في التغلب على خوفهم، وهم في حالة اليأس. ومن الصحيح أيضاً بأنّ النتيجة مازالت مفتوحة، وأن نظام التسلّط السياسي قد تخلخل أو تحطّم. لكن الصورة العربية لا تشكّل تهديداً عالمياً، مثل الأزمة المالية أو تحوّلات المناخ.
بلّ إنّ الأمر هنا يتعلّق بانتفاضات ضد أنظمة فردية تعسفية مثلما الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية وسقوط جدار برلين. وكانت المستشارة أنغيلا ميركل، وهي التي ترعرعت في ألمانيا الشرقية، على حقّ تماماً عندما ذكرت بأنّ المظاهرات السلمية في القاهرة ذكرتها بمظاهرات يوم الإثنين في ﻻ-;-يبزغ.

وقد أطلقت المفكرة السياسة هنّاه أرندت على الإمكانية الآنية وغير القابلة للإلغاء للبدء المتجدد دائماً عبارة "معجزة العمل السياسي"، وهي نفسها لم تكن فهمت هذه المعجزة باعتبارها مجرد استعارة مجازية، بل فرصة عمل واقعية يمكن أن تستغل باستمرار حيث تنتهك حقوق الناس وكرامتهم.
وفي الواقع هناك عدد من الأشياء المتماثلة بين عام 1989 وعام 2011 العربي: ففي كلا الحالتين كان الأمر يتعلّق بثورة سلمية أولاً، وبسلسلة من الأحداث ذات البعد غير المحليّ ثانياً، وثالثاً بتداعي النظامين في كلا الحالتين. ورابعاً أنّ الناس في ألمانيا الشرقية رأوا أن فرص الحياة (مثل حريّة السفر) معدومة مثلما كان عليه وضع الشباب العرب الذين لم يعثروا على عمل على الرغم من تعليمهم العالي. ومعظم الناس هناك وهنا أيضاً كانوا يسعون،خامساً، لتحقيق الهدف ذاته مثل الناس في الغرب الطامحين في حياة أفضل لهم ولأبنائهم وتحقق العدالة الاجتماعية وتوفير فرص العمل وضمان حرية التعبير عن الرأي، وباختصار: العيش بكرامة.
وسادساً وفي نهاية المطاف وفّر الدين في البلدان العربية والكتلة الشرقية الأوروبية، حيث قدمت الكنيسة الكاثوليكية في بولندا قبل كلّ شيء والكنيسة البروتستانتية في ألمانيا الشرقية، وتنظيم الإخوان المسلمين في مصر، ملاذاً اجتماعياً للمقاومة وتنظيمها.
لكن هناك، سابعاً، فرقاً جوهرياً يتمثّل في الأمر التالي: وهو أنّ انهيار جدار برلين حظي بترحيب واحتفاء عالميين. وفي الواقع كانت هناك تحفظات ومخاوف، إذ رأت رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت ثاتشر ورأى الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران تهديداً لاستقرار أوروبا مجسداً في قوّة ألمانيا الموحدة. فجاء العمل بعملة اليورو بمثابة محاولة للعثور على إجابة عن سؤال تغيير ميزان القوى وربط عملة المارك الألمانية القومية ربطاً أوروبياً.

غياب البديل

وكانت البدائل السياسية حاضرة بلا شكّ في العقول، ولدى الحكومات، وكان الأمر يتعلق فقط بكيفية تحقيق ذلك، وليس في إمكانية دمج الدول ما بعد الشيوعية في النظام الرأسمالي الديمقراطي، ومن ثمّ الاتحاد الأوروبي؛ وهذا البديل الواضح بالذات لم يكن متاحاً لمصر.

وبغض النظر عما ستتمخض عنه الانتفاضة في تونس ومصر وفي دول عربية أخرة ربما، فإن الصورة الذاتية للعالم العربي قد تغيّرت الآن. وهناك أسباب وجيهة للاعتقاد بانتهاء مرحلة ما بعد الاستعمار والتي اتبعت خلالها "الديمقراطية" في المنطقة العربية القانونَ الذي يقضي بديمومة إمبريالية الغرب. وبهذا المعنى يمكن فهم الانتفاضة العربية باعتبارها احتجاجاً تناقضياً أيضاً على سلطة الغرب القائمة باسم القيم الغربية.
ويمكن قراءة ذلك من خلال الدور الذي لعبه الجيش المصري والذي ساهم وبشكل حاسم بجعل مصر مفتوحة أمام السوق الدولية، لكنه حصّن في الوقت نفسه السلطة الفردية لمبارك أمام مطالب المشاركة الديمقراطية. فالكثير من المصريين خرجوا ليس فقط لانتزاع استقلالهم من السيّد مبارك، بل تظاهروا لانتزاع استقلالهم من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. ويمكن تتبع مصر ما بعد الثورية الأنموذج التركي في السياسة الداخلية والخارجية.
ويكمن أحد الفروق الجوهرية بين عام 1989 الأوروبي وعام 2011 العربي كذلك في أنّ أوروبا المشلولة والمضللة بالخوف من الإسلام لا تريد أن تفهم بأن هناك عدداً من خاسريّ الثور العربية غير المذكورين، حتى هذا الوقت على الأقل. وهؤﻻ-;-ء هم من المتطرفين الإسلاميين أولاً حتى من أنصار القاعدة، إضافة إلى جوقة النقّاد المتطرفين للتطرف الإسلاميّ (من أمثال نيكلا كيلك وتيلو زاراتسين وغيرهما في ألمانيا).
لكن الأمر هنا لا يرتبط بثورة دينية أصلاً، بل بثورة ديموغرافية. وليس الإسلام المتطرف هو الذي جعل قلب الاحتجاج ينبض، بل بطالة المتعلمين ونشطاء الفيسبوك المرتبطين بالشبكة الإلكترونية. فانظروا إلى مصر: ألا يعتبر هذا دليلاً حيّاً على توافق الإسلام مع القيم الغربية؟


أولريش بيك ولد عام 1944 ويعتبر من أبرز علماء الاجتماع في ألمانيا، وكان أستاذاً محاضراً في جامعة ميونخ حتى عام 2009.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران :ماذا بعد مقتل الرئيس ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إيران تعيد ترتيب أوراقها بعد مصرع رئيسها | #التاسعة




.. إسرائيل تستقبل سوليفان بقصف مكثف لغزة وتصر على اجتياح رفح


.. تداعيات مقتل رئيسي على الداخل الإيراني |#غرفة_الأخبار




.. مدير مكتب الجزيرة يروي تفاصيل مراسم تشييع الرئيس الإيراني وم