الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!!الأمريكيون.. بطعم الشوكولا

عادل مرزوق الجمري

2005 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


"الهيمنة المتسامحة "التي تأخذ بالحسنى".. والتي تمارس من قبل الولايات المتحدة، هي حسنة بالنسبة إلى نسبة عالية من سكان العالم"..
روبرت كاغان، مستشار جمهوري للشؤون الخارجية..

من منظور براغماتي، نعم، ما بقت هذه الأطروحة حقيقية، فليست الولايات المتحدة صندوقا دولياً لنشر الديمقراطية، أو كما يذهب باولو كويليو في رائعته "الزهير" أن لكل منظومة إجتماعية مصرف للخدمات، نودع الودائع ونأخذ عوضها، والأمريكيون لا يودعون الديمقراطية في منطقة ما، إلا ويسحبون بيد أخرى ما هو عوض عنها، وأكثر ثمناً.
الهيمنة سلوك، والمتسامحة توصيف لهذا السلوك، ولعله من السخافة أن ننكر أن ثمة هيمنة أمريكية، كما أن من الحماقة أن نصف هذه الهيمنة ونحن مقنعنون بأنها هيمنة "متسامحة". هذا ما يجعلني على ثقة بأن ثمة معادلة برغماتية متعادلة، لكم ما تريدون، ولنا ما نريد.
إلا أن هذه الحالة من القبول لهذه الهيمنة المتسامحة لا يمكن أن تستمر أكثر مما هي عليه اليوم، على الأقل في السياق العربي، أو خارجاً على صعيد اليسار السياسي الأوربي والصين. هذه الحالة من الشياع للخطاب السياسي الأخلاقوي، حالة قلقة ومتوترة، لا يستطيع الأمريكيون الرهان عليها.
الصورة الحقيقية للهيمنة المتسامحة هي أشبه بالحقيقة المرة المغطاة بطبقة من الشوكولا، فإن كانت الهيمنة والسيطرة الأمريكية تتصف بالتسامح فإنها بهذا تلعب دوراً طبقياً أو مرحلياً. أو هي بالتحديد قشرة الهيمنة المستترة خلف الكونية العالمية الجديدة في صورتها المتوحشة، والتي تتصف بأنها تجيد الإغراء والجذب.
الاستراتيجي BRUNO COLSON يرى أن الأهداف الاستراتيجية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية ثابتة تنحصر في: القضاء أو إضعاف الخصوم، والخصوم الأقوياء ـ سواء أكان هؤلاء من "الأصدقاء" أم من "الأعداء" ـ من أجل أن تحافظ أمريكا، وأطول مدة ممكنة، على وضعها المتفوق الوحيد، سواء أكان منافسوها أو خصومها "غربيين"، أم لا.
كانت إستراتيجية الخارجية الأمريكية منذ عام 1992 تتصف بأنها منزاحة نحو تحويل الولايات المتحدة إلى محرك دولي أوحد ومتفرد بالنظام العالمي الجديد. هذه الوتيرة من الأهداف الإستراتيجية تقتضي أن تلعب الولايات المتحدة بعد احداث سبتمبر أدوراً تكتيكية بالغة التعقيد، فيما أسميه بـمهمة "دمقرطة العالم"، وهو ما إستبدله الأمريكيون أحياناً بالدور المحوري في شياع ما يسميه الأمريكيون بالهيمنة المتسامحة للولايات المتحدة.
الفلسفة الجيواقتصادية الأمريكية الجديدة ضرورة جديدة وحتمية، والقوة الأمريكية هي المحرك الحقيقي لهذه الفلسفة، لذلك لا يتوقف حكام الولايات المتحدة عن التأكيد أن "التفوق الشامل" لبلادهم ضروري للإنسانية، لأنه موجه من أجل "ضمان الديموقراطية والسلام" في العالم، ومن أجل حماية "اقتصاد السوق".
الخطاب السياسي المستتر خلف الحجج الأخلاقية، يحاول إجبار بقية العالم على الخضوع للطريقة الأمريكية في الحياة، والخيارات قليلة وحادة ومؤلمة، فإما أن تكون معنا، أو علينا، هكذا ببساطة غريبة!!.
HERVE COUTEAU – BEGARIE مدير معهد الاستراتيجيا المقارنة يذهب إلى أن الاستراتيجيا الأمريكية الشاملة مرتبة حول ثلاثة محاور: أولاً/ إستراتيجية عامة اقتصادية، وثانياً/ إستراتيجية عسكرية، وثالثاً/ إستراتيجية عامة ثقافية. وهي قائمة على الانسجام في مجالات رئيسة للقوة الشاملة منها: القوة العسكرية، حيث تسيطر الولايات المتحدة على اليابسة وعلى البحار. والقوة الثقافية والإعلامية "القوة الضاربة الثقافية".
هذه الصورة المعقدة من الإستراتيجيات، أو "الفوضى البناءة" كما يصفها بعض المتخصصين بالشأن الأمريكي، تنتج فيما تنتج، حالة من الهيمنة المجنونة، أكثر منها هيمنة متسامحة أو أليفة، قد يكون من السهل أن تروج أمريكا نفسها "كسلعة ناشرة للديمقراطية والحرية"، لكنها فعلياً عاجزة ان تلعب هذا الدور بإقتدار، لذا على الأمريكيين أن ينفكوا من هذه الصورة المحددة، ليكون للمفهوم الإمبراطوري "العنيف" حضوره الطبيعي، والذي يستتر اليوم خلف "الهيمنة الناعمة".
إن اللانظام العالمي الجديد يفرض أن تستقبل الهيمنة الأمريكية بصفة التسامح على الأقل في الصورة العراقية مثلاً، إلا أن تكتيكات سياسية جديدة في المشهد السياسي الدولي قد تفرض صورة أخرى مغايرة لما هو عليه حالنا اليوم. قد نشاهد الصورة بشكل مختلف عما هي عليه، خاصة إذا ما أستمرت الولاية الثانية من عهد بوش الأبن بهذا الهدوء المَرَضي، فمن منطق براغماتي أخر، إن حالات الهدوء لا تخدم التطور الإقتصادي والسياسي الأمريكي، بل هي مدعاة للإنهيار الإقتصادي أو الركود المخيف، كما يذهب وزير الخزانة الأمريكي إبان فترة كلنتون الرئاسية في إحدى أهم مقابلاته الصحافية.
إن حالة "الترقب" الطويلة، خاصة إذا ما أعقبتها أي عمليات إرهابية جديدة –محتملة- للقاعدة في العمق الأمريكي تجعل المشهد أكثر خطورة مما هو عليه الآن، "نقص الإنتباه" الأمريكي قد يكون ثمنه هذه المرة مضاعفاً، وسرعان ما ستتحول ردة الفعل الأمريكية إلى ما لا يطابق بل ويتعارض مع مفهوم الهيمنة المتسامحة، ولا أعتقد أن ثمة "طالبان" أو "صدام حسين" جديد في الشرق الأوسط.
قد تكون طهران أو دمشق موضع إستهداف لأي ردة فعل أمريكية حيال أي عمل إرهابي داخل الولايات المتحدة، إلا أن "دمشق" و"طهران" مختلفتان، ولا يمكن تصنيف أي عمل "أحمق" معهما بأنه هيمنة متسامحة أو حتى عاقلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: أين الضغط من أجل وقف الحرب ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مؤثرة موضة تعرض الجانب الغريب لأكبر حدث للأزياء في دبي




.. علي بن تميم يوضح لشبكتنا الدور الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن


.. بوتين يعزز أسطوله النووي.. أم الغواصات وطوربيد_القيامة في ال




.. حمّى الاحتجاجات الطلابية هل أنزلت أميركا عن عرش الحريات والد