الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تخلع (أنتركتيكا) ثوبها الأبيض؟

عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)

2015 / 1 / 5
الطب , والعلوم


يمكن ببساطة الإشارة إلى القطب الشمالي بمجرد لو نظرنا باتجاه النجم القطبي أي لمجموعة النجوم المسماة (الدب الأصغر).
والدب الأصغر هي الكلمة التي أطلقها الإغريق على الشمال (أرك واز) وبعكسها للجنوب (أنتي أرك واز) دون علمهم بأنهم إنما يشيرون لقارة مترامية الأطراف تكسوها الثلوج تقع في جنوب الكرة الأرضية.
في القرن التاسع عشر كانت (أنتي أرك واز) هي آخر قارة تم اكتشافها ليقوم العالم بتجميع الكلمة واختصارها لتصبح... (الأنتركتيكا).


(الأنتركتيكا) هي سابع قارات العالم، وهي الجزء الوحيد من اليابسة الذي لم تُحدَد معالمه بدقة، ويعتبر أكبر محمية طبيعية، يسكنها ما بين ألف وخمسة آلاف فرد من خمسة أقطار، جلّهم من العلماء والباحثين عن أسرار وعن خيرات هذه الأرض المقفرة شديدة المراس، وهي لا ترفع علم أي بلد برغم مطالبة الأرجنتين بأن تتبعها كونها الأقرب لها مثل (كرين لاند) التي تتبع الدانمارك سياسياً، لكن لأن هذه الأخيرة مسكونة من قبل الأسكيمون كان عليهم أن يتبعوا مرجعاً لهم، بينما (الأنتركتيكا) خالية من السكان. الأرجنتين أبقت على تواجد نشط يضم عدد من العاملين والعسكريين مع عوائلهم بمجمع (أسبيرانزا) الذي أسسته في العام 1952.

تحتوي هذه البقعة مجهولة العوالم على ثلاثة أرباع المياه الصالحة للشرب والسقي بالكرة الأرضية وبالتالي فهي (خزان المياه العذبة) الأكبر على الأرض والذي لو أصابه (ضرر) لغمرت المياه عواصم كلندن وأمستردام ودكا، وربما بلداناً بأكملها كهولندا وبلجيكا وبنغلادش، أما لو ذاب كل جليدها ـ لا سمح الله ـ فسيرتفع منسوب البحر 60 متراً ويغمر ثلث اليابسة وتظهر خريطة جديدة لحدود قارات العالم.
(للعلم فإن بغداد ترتفع 30 متراً فقط عن سطح البحر) !
ويكفي المقارنة لنفهم أهميتها بالنسبة لنا بأن ثلوج شمال الكرة الأرضية (كرين لاند وألاسكا وشمال كندا وسيبيريا) كلها مجتمعة لا تشكل سوى خـُمس أي (20%) فقط من ثلوجها.


تبلغ مساحة اليابسة فيها أكبر من مساحة قارة استراليا، والمطر على سواحلها شحيح للغاية، وإما في عمق القارة فنجد أنها البقعة الوحيدة على الكرة الأرضية التي ينعدم فيها المطر كلياً، فيكون الطقس جافاً متجمداً طوال العام.
ولا ترتفع درجة الحرارة فوق الصفر إلا لبضعة أيام في الصيف (كانون وشباط) عند الساحل فقط، أما على جبالها التي تعلو أكثر جهة الشرق فتنخفض الحرارة بقممها إلى سالب ثمانين لتكون المنطقة الأبرد قاطبةً على وجه الأرض (لاحظ أن القطب الشمالي أعلى حرارته قليلاً بتأثير مياه البحر الأدفأ نسبياً).



وإذا كان لدينا ما نقوله عن جغرافية هذه القارة المقفرة، فليس عندنا عن تاريخها ما يملأ صفحة واحدة، فلم تشهد يوماً غزوة ولا معركة ولا حتى نزاع ما عدا ذلك الذي يحدث بين فحول البطاريق أو الفقمات من أجل أن تحضي بالإناث في مواسم التزاوج.
× × ×

كان (أرسطو) أول مَن أشار لاتجاهها جنوباً دون علمه بأنها مساحة شاسعة من الأرض يغلفها الجليد، وعندما استكشف (ماجلان) المضيق الذي يقع أقصى جنوب الأمريكتين، كان يرى جزراً يُنير بعض الهنود الحمر بمشاعلهم قمم جبالها أسماها (جزر النار)، وقال بأنها قد تكون حافات لقارة عملاقة تمتد حتى جنوب الكرة الأرضية دون أن يتوغل.
بعد ذلك وجد (جيمس كوك) أن قارة أمريكا تنتهي عند رأس (هورن) وأن بحراً يمتد إلى الجنوب منها فقام بالإبحار فيه لكنه تخوف وتراجع، وبذلك فهو كان الأقرب لها.
أما أول من وطأت أقدامه أرض القارة، كان كابتن سفينة صيد فقمات أمريكي في العام 1821 لكنه لم يجازف بدخولها، وما أن جاء مطلع القرن العشرين حتى ازداد سعير حمّى البعثات والتنافس لاستكشافها والوصول إلى قطب الأرض الجنوبي.


الرحلة الأولى، كانت بريطانية في العام 1901 برعاية حكومة الملكة، لم تلج كثيراً في عمق القارة ولم تقترب من القطب فوصلت لمسافة 857 كلم، وكان كابتن (روبرت فالكون سكوت) أحد أعضائها، بينما نجحت البعثة الاستكشافية الاسكندينافية في عام 1903 بالوصول لمسافة 180 كلم عن المركز.


سخّن هذا التنافس الأجواء الباردة، ودفع بالجمعية الجغرافية الملكية البريطانية التخطيط لرحلة الوصول للقطب قبل الآخرين ورفع العلم البريطاني هناك، ووقـَع على الكابتن (سكوت) وأربعة من رفاقه الاختيار لإعداد وتنفيذ هذه المهمة الشاقة، فقامت السفينة (تيرا نوفا) أي الأرض الجديدة بالإبحار من نيوزيلندا جنوباً إلى شاطئ القارة (كيب إيفانز).


هذه الرحلة ومن خلال مذكرات الكابتن (سكوت) أصبحت الأشهر بالتاريخ، لماذا؟
دعونا نبدأ من حيث انتهى (سكوت) بكتابته وبخط يده...

(لم تعُد لديّ قوة ولا يسعني أن أواصل الكتابة بعد...)

هذه الكلمات طرزت آخر صفحة بمفكرته اليومية بعد أن أوقد شمعة تُنير خيمته في تلك الوحدة والوحشة، كان ينازع الموت ويمتد بجانبه زميلان يغرقان في نومٍ أبدي وقد تجمّد جسدهما وتحجّر.
بعد فترة تم البحث عنه، فوُجِدَ ميتاً وهو جالساً باستقامة ورأسه مستنداً إلى سجل مذكراته التي يروي من خلاله تفاصيل رحلة شاقة ومثيرة، يقول فيها بأنه وزملائه الأربعة كانوا قد تأخروا عن بعثة منافسهم النرويجي (أمدرسون) بخمسة أسابيع في الوصول للقطب، فسبب ذلك لهم خيبة أمل حيث وجدوا العلم النرويجي يرفرف بمركز الأرض الجنوبي...
بطريق العودة أبطأت عاصفة شديدة مسيرتهم وأدت لفقدان اثنين من رفاقه، بينما أدى نفاذ مؤنهم من طعام ووقود بتوقفهم كلياً ولوفاة زميليه الآخرَين حيثُ قتلهما البرد والجوع، وهكذا وُجد الثلاثة متجمدين في خيمتهم على مسافة عدة أميال من أحد مراكز تموينهم الخلفية.

الشمعة الأخيرة التي أوقدها (سكوت) ألقت لنا الضوء على نهاية مأساوية لرحلة استكشاف القطب الجنوبي، ومع أن منافسه (أمدرسون) هو من وصل القطب أولاً ورفع علم بلده النرويج، إلا أن بعثة (سكوت) وبسبب نهايتها المأساوية هذه، حصلت على شهرة أكبر.

وكان لا بد للانكليز من البحث عن سبب فشل البعثة بتحقيق سبقْ الوصول أو بعودة أعضائها سالمين، فوجدوا أن سر تفوق النرويجيون عليهم في رحلة التنافس لغزو القطب الجنوبي، كان لخطأ اقترفه (سكوت) بأستخدام زلاجات كبيرة تسحبها خيول لم تتحمل البرد الشديد فنفقت هناك، بينما نجح (أمدرسون) حين أخذ بنصيحة أسدَوها له السكان الاسكيمو باستخدام زلاجات صغيرة تسحبها كلاب مدربة ذات فراء كثيف يمكنها تحمل البرد والجوع.
× × ×

لا تزال الحيود الشمالية (للأنتركتيكا) وبالتحديد في جزيرة (جورجيا الجنوبية) تتعرض ومنذ ثلاثون عام لتيارات رياح محيطية دافئة تتسبب برفع حرارة الهواء مما يجعل الكتل الجليدية تتآكل وتتحرر لتطفو حُرّة على سطح الماء.

تكمن خطورة زحزحة كتلة جليدية وطوفانها حرّة، ليس بما تضيفه من مياه للبحر فقط، وإنما بما ستفسحه من مجال للأنهار الجليدية بأن تسكب مياهها نحو المحيط بدل أن يتباطأ جريانها وتتجمد، لو تستمر هذه التيارات الدافئة بالهبوب، فإنها سترفع مناسيب البحر نصف متر بنهاية القرن الحالي.

الحياة على سطح (الأنتركتيكا) ليست معدومة بشكل تام حتى في الشتاء، فمشد الزرقة المائلة للاخضرار في ثلوجها يعود لنوع من العوالق البحرية المستوطنة فيها، أما في الصيف فتبدو حركة الحياة عند شاطئ القارة أكثر صخباً ويزداد عام بعد عام، وهو الأمر الذي يُقلق العلماء حقاً، فمشهد نزوح أنواع من البطاريق معروفة بعدم مقاومتها البرد الشديد، وظهور طيوراً في سماء القارة تسعى لإيجاد حوافٍ صخرية لتبني أعشاشها، يعطي انطباعاً بأن الجليد بدأ ينقشع وأن أراضٍ جرداء جافة ظهرت على سطح القارة وجزرها.

هذه أدلة تعني أن (الأنتركتيكا) بدئت فعلياً بخلع ثوبها الأبيض الجميل !
عماد حياوي المبارك


× قاعدة البحوث الدائمية في القطب الجنوبي، سُميت باسمي (أمدرسون ـ سكوت) سويتاً تقديراً وتخليداً لهما.
× اليوم تقوم الآلة بدورها بدل الأحصنة والكلاب، زلاجات تدورها المحركات لتذليل أية صعوبات محتملة.

× وصل البريطاني (سكوت) في 17 يناير 1912، بينما سبَقه (أمدرسون) في 14 ديسمبر 1911 (وهي أيام صيف هناك) ليزرع علم بلاده (النرويج) أولاً.

× تستمر الشمس مشرقة طيلة 24 ساعة في فصل الصيف (كانون وشباط) وتغرب طيلة الشتاء (تموز وآب) لتغرق القارة بظلام دامس وسماء صافية.

× لو ننظر لقاعدة الكرة الأرضية، تبدو (الأنتركتيكا) بالوسط، حولها جنوب كل من أفريقيا واستراليا ونيوزيلندا، أما الأقرب فهو جنوب قارة أمريكا الجنوبية (الأرجنتين).


لنضف لمعلوماتنا...

قد يُلقي البعض سبب التغيرات المناخية والانحباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض باللوم على الإنسان وصناعته ووسائل ترفيهه، لكن هذا هو جزء من الواقع وليس كله.
صحيح الزيادة المطـّردة للسكان هو على حساب صحة الأرض ويتسبب ذلك باختلال التوازن البيئي عليها، كما وأن الإنسان مسئولاً بشكل غير مباشر عن تطرف المناخ وحدوث كوارث طبيعية في الوقت الحاضر بسبب ما تلفظه معامله من مخلفات وسموم وأبخرة وغازات.
لكن علينا العلم بأن كوكب الأرض يمر بدورات على مدى عمره البالغ أربعة مليارات عام ونصف، مثل الفصول الأربعة، هذه الدورات تكون مدياتها عشرات آلاف السنين، في أحد فصولها، ترتفع حرارته تدريجياً وينقشع الجليد صوب القطبين (دورة أحترار)، ثم ما يلبث أن يمر بفصل آخر لتنخفض درجات الحرارة ويزحف الجليد باتجاه مداري السرطان والجدي، وهذه هي (دورة الإنجماد) فيلف الجليد بقاع شاسعة من سطح الأرض.
... وهكذا تستمر فصول الأرض ويتغير شكل قاراته حين ينحت الثلج في الصخر وفي السواحل فيرسم حدود بحرية جديدة، وهو ما يحدث في شمال اسكندنافيا وشمال كندا وجنوب الأرجنتين وهي الأماكن الأقرب للقطبين والتي تعرضت لعدة مراحل من الزحف الجليدي.
ستستمر الأرض بلا كلل دون أن يشعر أحداً بها ـ لقصر عمرنا نسبةً لفتراتها ـ في فصولها هذه، ولو يُكتب لأحدنا أن يُعمّر (عشرات ألوف السنين) لعاش فصول الأرض هذه مثلما نعيش نحن فصولها الأربعة كل عام، ولكان شاهداً على أن (أنتركتيكا) لها سوابق بأنها قد (خلعت) ثوبها الأبيض عدة مرات ثم ارتدت غيره، ويبدو أن هذا هو حالها وحال الدنيا ولله في خلقه شؤون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صور الأقمار الصناعية تظهر منشآت عسكرية تحت الأرض أنشأها الحو


.. قراءة عسكرية.. صور الأقمار الصناعية تظهر تمركز أكثر من 100 آ




.. إسرائيل تؤكد اعترافها بمغربية الصحراء الغربية بعد -خطأ غير م


.. هل تتجه أزمة طلبة الطب والصيدلة في المغرب نحو الحل؟ • فرانس




.. في اليوم العالميّ للامتناع عن التبغ... التدخين مهرب للشباب ا