الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشبيط...الشوك الدامى - الفصل التاسع عشر

أنور مكسيموس

2015 / 1 / 6
الادب والفن


الشبيط...الشوك الدامى - الفصل التاسع عشر
قرر عبد الرحمن بك, أن يتغاضى قليلا وبصفة مؤقتة, عن المسافة بينه وبين بلال, حتى ينتهى ذلك الموضوع الخاص بابن الكلاف. لان هذا سوف يعطيه الفرصة لمعرفة كيف يفكر ويتصرف تابعه. سوف يعطيه الفرصة كى يطلق لسانه يتحدث بحرية ودون خوف, فتكون أمام عبدالرحمن بك فرصة لمعرفة مواطن الضعف والقوة...مواطن الخطأ والصواب, فيما هو مقدم على فعله...لا بأس من تقريب المسافة مؤقتا, وسوف يكون كل شئ على ما يرام وأفضل بعد الانتهاء من تلك المشكلة!؟....
كان بلال يقود الحنطور, وقد جلس عبد الرحمن بك فى الخلف, مسترخيا فى تفكير عميق...
كان يرتب أحداث يومه بدقة.
أولا سوف يكون فى شرف استقبال الباشا, فى مرساه النيلى, حتى يذهب الى قصره – أى الباشا - ليستريح قليلا.
ثم يذهب بعد ذلك الى مكتبه...لن يذهب للمرور على زراعات القصب, أو مصنع السكر...سوف يذهب مباشرة الى مكتبه ليعد التقارير اللازمة, كى يقدمها للباشا ليطلع عليها...
بعد المكتب, يعود على قصر الباشا, ثم الى فيلته...
واذا عاد الى فيلته فى وقت مبكر قبل أن يحل الظلام, سوف يأمر بلال بالتنفيذ ...لقد قرر أن يعطى أمر التنفيذ فى وقته, والا يعلم بلال قبلها, حتى لا يعطيه وقت, كى يفكر فى أى شئ!...
.....................
سارت الامور سلسة, كما ارادها عبد الرحمن بك, وانهى كل ما اراده كما هو مخطط له. وفى أثناء عودته, وهو جالس فى مقعده المريح فى الخلف, قال:
بلال!...اجعل نظرك على الطريق وانت تسمعنى!...
- نعم سعادتك...قالها وهو ينظر أمامه.
- سوف تنفذ اليوم!...
- سقطت على رأسه, كالصاعقة...اليوم؟!....لماذا لم يعطه وقتا كى يرتب أموره...له اهتمامات يجب ترتيبها!...
أفاقته لهجة عبدالرحمن بك الغاضبة, ألم تسمع ما قلته؟...
- سمعت سيادتك...سمعت!...سوف أنفذ اليوم....
كان عبدالرحمن بك, يعلم أنه فاجئ بلال, ولم يشأ أن يثقل عليه, كى ينهى ما عزم على تنفيذه...لم يكن أيضا فى تفكير عبد الرحمن بك, ان الولد قد لا يكون موجودا اليوم, فى ذلك الوقت...
منذ تلك اللحظة, ظل بلال يفكر كيف يجد سببا يؤجل به التنفيذ, هذا ان كان الولد موجودا فى ذلك الوقت, حتى يناسبه ذلك, ويفكر أكثر كيف يستثمر ذلك لصالحه لاقصى مدى...
وصلا الفيلا, وذهب عبد الرحمن بك الى غرفته ليستريح!...
أما بلال فقد ذهب يتفقد العمال وأعمال الفيلا. وجد فى طريق تفقده "الزريبة", حجاج وقد جلس أمامها يرتدى, ملابس الافندى ويدخن...
فوجئ الصبى به, لكنه هدئ واطمأن بعد أن حياه بلال بكل الود, وجلسا معا يدخنان ويتبادلا أطراف الحديث.
قال له بلال: لقد أنهيت عملك, كما أرى, لماذا لا تذهب الى البيت, وتأكل من يد أم حجاج, ذلك الطعام الرائع!...
عادت الحدة الى حجاج, وهو يرد على بلال: ومالك أنت أذهب أم أبقى, أكل أم لا, ليس لك شأن بذلك!...
ضحك بلال ضحكة باهته, لهذا الرد, والذى قد تعود عليه مؤخرا, وقال له:
لقد اردت لك أن تستريح يوما وتذهب مبكرا!...
رد عليه الصبى بنفس حدته: ليس لك شأن استريح أو أتعب!...
فكر بلال, انه لم يستطيع أن يطيل عمر الفتى ولو ليوم واحد...الصبى حدد يومه!...
قرر أن يحتفل معه الاحتفال الأخير, ثم ينتهى من هذا المشكل وللابد...انه فعلا الوقت المناسب!...
أعطاه سيجارة, ثم احتفلا بطريقتهما, وجلسا على باب الزريبة, وفاجأه بلال وهو يقول: لقد رأيت سوسن وهى تلعب وتتقافز فى ممر الفيلا...الفتاه أصبحت جميلة قوى...كلما نادت عليها أمها, ذهبت اليها, ثم تعود...حاجة غريبة!...تصرف غريب!...
كان الصبى يستمع, وقد سرح بخياله, انها تذهب آملة أن تراه...هذا الغبى بلال لا يعرف لماذا تعود كل مرة!...عليه أن يتسلل من جوار بلال, دون أن يشعر به,ويراه وهو ذاهب الى غرفة الشونة!...
كان بلال يعرف أن الصبى قلقا, يريد أن يتركه. لكنه!...لا يعرف كيف!...حتى لا يثير انتباهه, فأغمض عينيه, وأوحى اليه أنه ذهب فى النوم...
أنسل حجاج من جواره, فى هدوء شديد ذاهبا الى غرفته المنشودة. لم يأتى بلال بأى حركه وتركه وهو على حاله هذه من الراحه, حتى يكون يقظ جدا وهو ينفذ مهمته...
بعد قليل, استرد انتباهه, وقوة تركيزه, التى بانت فى عينيه, وأخذ طريقه نحو غرفة الغلال, واظهر اندهاشه الشديد من وجود حجاج!...
- لقد ظننت أنك ذهبت الى المنزل؟...
رد عليه الصبى بضيق شديد:
- رأيتك نائما, فقلت أتركك تستريح...
- عندك حق, فقد تعبت جدا, مع البك هذا اليوم. ثم فاجأه بسؤال حتى يربكه ويفقد التركيز:
- هل كانت سوسن لا تزال هنا عندما أتيت؟
- لا لم تكن موجودة!...
- ربما هى تأكل الآن وتستريح, لكنها حتما سوف تأتى, بعد ذلك...سوف أجلس معك بضع دقائق, ثم أذهب لأرى ما يطلبه البك...ياحجاج بك!...
انتشى الصبى عندما سمع تلك الكلمة من فم بلال, وظن أنه يقولها بصدق, واستراح أيضا عندما قال له, أنه سوف يبقى دقائق ويرحل...انه ضيف ثقيل جدا فى هذه اللحظات!...
نظر بلال مليا الى الصبى الشارد فى أفكاره, وسأله:
- هل ترى هذه البنادق المعلقة, لاول مرة أنا أراها؟...
- انتبه الصبى وراح نظره الى البنادق المعلقة, وقال: رأيتها...
- هل سبق لك أن حملت بندقية؟...
- لا, كنت أراها فقط مع عم هلال الديب ورجاله...
- ألم تفكر ولو مرة واحدة, فى أن تمسك احداها وتتعلم كيف تستخدم؟...ان النساء والفتيات تنبهر بالرجال, الذين يحملون البنادق, وتخشاهم ... وتعشقهم...
فكر الصبى بتلك الكلمات, واردف قائلا:
- لا, لم يخطر ببالى ذلك من قبل!...
- قال بلال: سوف أعلمك, كيفية استعمالها, حتى اذا حضر هلال الديب, يعرف أنك رجل, وقوى وشجاع...هل ترى البندقية ذات المسورتين, اذهب وأتنى بها!...
قام الصبى, وقد شرد يفكر...انه سوف يستعرض ذلك أمام سوسن الأهم ثم هلال الديب...
أراه بلال كيف يتم سحب الأجزاء, وجعلها جاهزة للاطلاق. ثم وضعها فى حضنه, وطلب منه الضغط على الزناد...
تردد الصبى أول الأمر, فأخذها بلال ووضعها فى حضنه وضغط الزناد, ثم أعطاه اياها, قائلا له: احتضنها جيدا, حتى لايسمعها أحد...
فأخذها فى حضنه, بقوة وأطلق...
سر الصبى جدا واطمأن, انه يستطيع, أن يستعرض ذلك أمام سوسن, وكبير المطاريد...الذى سوف يجعله كبيرا مثله...
سأله بلال: الآن عرفت كيف تستخدم البندقية "أم روحين"...اذهب الأن وضعها فى مكانها, واتينى باخرى...لكنه عدل عن رأيه وذهب هو بنفسه, لتعليق تلك واحضار الأخرى...
قال بلال وهو يضع البندقية برفق فى حضن الصبى:
- يجب أن تحتضنها بقوة, حتى لايصدر عنها صوت, اضغط عليها بذقنك!...
وضع الصبى ذقنه على فم البندقية, وبلال يراقبه بكل تركيز, حتى لا تذهب يده نحو الزناد, قبل أن يطلب منه ذلك...لم يفكر الصبى أن يقوم بشد أجزاء البندقية كما فعل بلال من قبل, ولو فعل ذلك لافسد كل شئ!...
تمالك بلال نفسه, وصدره يعلو ويهبط, وامتلأت عروقه بالدم, وهو يقول له:
- الآن ضع يدك على الزناد, واطلق!...
وضع الصبى يده على الزناد وأطلق, لتنلطق الرصاصة, مخترقة الذقن متجهة مباشرة الى داخل الرأس...
كان عبدالرحمن بك, مستيقظا فى انتظار تلك اللحظة, وما أن سمع الطلق النارى, أمر الخدم بغلق الفيلا, وعدم خروج أحد...
ثم قام, ليتصل, بالمركز, ويطلب ابلاغ المأمور شخصيا...
حضر فورا الضباط النوبتجية, ومعهم الكثير من الجنود, وانتشروا فى كل شبر...يبحثون ويدققون...ثم دخلوا الغرف الخارجية, حتى وصلوا الى الممر الذى يربط الفيلا بغرفها الخارجية, واسترع انتباههم الباب المفتوح على مصراعيه, فاطل أحد العساكر, ونظر, ثم قال بصوت جهورى:
- هنا يا أفندم
أتى أحد الظباط والقى نظره, ورأى البندقية, فى حضن الصبى, وكان المشهد واضحا أمامه!...
يبدو أن الصبى كان يعبث بالسلاح, وكان السلاح محشوا!...
قرر الضابط أن ينتظر السيد المأمور, ليرى ويقرر, وفى نفس الوقت قرر طلب النيابة للحضور والمعاينة....
حضر المأمور الى الفيلا على عجل...انه عبدالرحمن بك!...واستفسر وعرف من الضابط الذى كان فى استقباله, انه لا خوف على أحد. وأخذه الى مكتن الحادث, واراه الوضع, فتأمله قليلا, ورأى أنه لا يحتاج مزيدا من الفحص والتأمل, فأرسل لعبدالرحمن بك يطمئنه...
أتى عبدالرحمن بك, فتلقاه المأمور فى الممر يطمئنه, ويبلغه أنها حادثة, لكنها بسيطة, ولا داعى لرؤية المنظر, وقد طلبوا النيابة لاستكمال الاجراءات...
دخل عبد الرحمن بك, مع المأمور الى غرفة الضيوف, وهو يشرح له تصوره عن الحادثة:
الصبى كان يعبث بالبندقية, والتى كانت محشوة...وهذا هو الخطأ الوحيد...لكنه بسيط ويمكن تلافيه...
- قال عبدالرحمن بك: هذه غرفة الشون, وغير مسموح لأحد بدخولها الا للخازن فقط. لماذا يأتى الصبى الى هذه الغرفة؟!...شئ غريب!...
- قال المأمور: ربما أتى للسرقة, ولفت نظره السلاح, فعبث به...
- رد عبدالرحمن بك: بالتأكيد توجد نية سرقة!...
أكد المأمور على ذلك وعلى نظريته.
قام عبد الرحمن بك بدعوة الضباط الى داخل الفيلا, لتقدم لهم المشروبات, وأيضا اخراج المشرويات الى الجنود والخفر.
وأمر أيضا الخدم لاعداد العشاء للجميع, وأن يعملوا نصيب الجنود والخفر
.........................
حضر وكيل النيابة, واستقبل عبد الرحمن بك بالاحضان...طيب من خاطره لهذا الحادث المؤسف الذى حدث داخل فيلته. بعد قليل حضر الطبيب الشرعى, والذى سلم بحفاوة بالغة على عبد الرحمن بك.
ثم قام وكيل النيابة والطبيب الشرعى, للمعاينة...
بدأ الطبيب بالفحص الظاهرى بالنظر وفحص الجثة, ووضع البندقية, واختراق الرصاصة, وقال ما يؤيد كلام الجميع عن عبث الصبى بالبندقية, وانطلاق الرصاصة, من اسفل الذقن فى طريقها مباشرة, الى الرأس...لكنه اردف قائلا: عندما تدخل رصاصة فى جسم انسان فانها قد توجد فى مكان آخر...الرصاصة فى حالتنا هذه قد تكون استقرت بالرأس أو أى مكان آخر...
بادره وكيل النيابة, لأنهاء الموضوع: هل يهم التشريح, الوضع ظاهر وواضح, وانت بخبرتك تستطيع أن تتوقع, اين استقرت الرصاصة, وسوف تذكر أنه من خلال التشريح أن الرصاصة فى...انت تعلم...ما رأيك؟.
- رد الطبيب: أوافقك تماما...استقرت فى المخ او الصدر, واحد...ما دامت الرصاصة دخلت المخ...فهى قاتلةوخصوصا أن المسافة أقل من عشرين سنتيمترا...
انتقل الاثنان الى غرفة الجلوس حيث يجلس الجميع, وبادرهم المأمور: هل انتهى الفحص, والتشريح؟!...ثم أردف قائلا: كل شئ واضح حتى بدون تشريح!...
- أجاب وكيل النيابة: نعم, نعم...بعض الأسئلة لاستكمال الشكل القانونى للتحقيق...أنا أعلم الضغط النفسى على عبدالركمن بك...لكنها أسئلة روتينية...
- أجاب عبدالرحمن بك: تحت أمرك...الصداقة شئ وتأدية عملك على أكمل وجه, شئ يهمنى...
- سؤال: هل من المعتاد دخول الصبى غرفة الغلال؟.
- جواب: غير مسموح لاحد على الاطلاق, الا لخازن الغلال فقط, وعموما لكل فرد فى الفيلا وظيفة لا يتخطاها, ولا يتواجد فى مكان غير ما حدد له.
- سؤال: هل دائما ما تغلق غرفة الغلال؟.
- نعم!.
- كم صوتا ناريا سمعت؟...وأين كنت؟...
- صوتا واحدا فقط, وكنت نائما فى غرفتى, قمت على الفور وطلبت من جميع العاملين بغلق أبواب الفيلا لحين حضور الشرطة...وقد اتصلت لحظة سماعى الطلق النارى بالشرطة التى حضرت على الفور!...
- هل السلاحين الموجودين بالفيلا مرخصين, ولآى غرض؟...
- البندقية ذات المسورتين للدفاع عن النفس ضد اللصوص والمطاريد, والمسورة الواحدة للصيد, هذا ان وجد وقت للصيد...نحن فى موسم القصب ولا توجد لحظة فراغ!...
لم يرى وكيل النيابة, أهمية لمزيد من الأسئلة, فاكتفى بتلك الأسئلة, وطلب احضار الخازن, والذى حضرسريعا, وأكد كل ما قاله عبدالرحمن بك...
ثم قام وكيل النيابة, باستجواب معظم الخدم, والذين أجابوا جميعهم بسماعهم صوت عيار نارى واحد, وان عبدالرحمن بك خشى عليهم, من أى سوء فأمرهم باغلاق الفيلا, لحين حضور الشرطة!...
بينما وكيل النيابة يفكر فى ترتيب التحقيقات, لغلقها, دون ثغرات, أتى الطباخ وهمس فى أذن عبد الرحمن بك, والذى بدوره طلب الجميع للعشاء!...
قرر وكيل النيابة ارجاء غلق التحقيقات, لما بعد العشاء والسمر, حتى يكون التحقيق قد أخذ وقته بما يكفيه...
قام الجميع للعشاء, وأخرج أيضا العشاء للخفر والجنود...
فى ذلك الوقت, اتصل الباشا, بعبدالرحمن بك, واطمئن عليه, ثم طلب السيد وكيل النيابة, واستفسر منه عما حدث, ثم طلب منه, الأنتهاء من الموضوع, وشكره...

استمر السمر والحديث الى ما قرب الفجر, حتى قام وكيل النيابة, وسجل كل شئ...معاينة الشرطة وشهادتها...معاينة النيابة على الطبيعة...سماع الأقوال... تقرير معاينة الطب الشرعى الظاهرية والتشريحية...
لم يفوت شئ!... التسليم بعبث الصبى بالبندقية, بعد أن دخل مكانا ليس له عمل فيه, وغير مصرح له بدخوله, لانه مخزن...والقضاء والقدر ...وأخير قرار النيابة...ثم الأمر بتسليم الجثة لذويها, لدفنها!...وأغلق التحقيق فى تاريخه وساعته...
أخذت الجثة, فى عربة اسعاف قديمة, الى مشرحة المستشفى, وكلف الخازن بالذهاب مع أحد الخفر, الى بيت الصبى لابلاغ أهله بالحادث, واستلام الجثة!...
كانت البلدة منقلبة رأس على عقب, عندما أيقظت سيدة الدرب كله, ليخرج ويبحث معها على حجاج...واستشرت الشائعات, بهجوم المطاريد عى فيلا عبدالرحمن بك, وسماعهم أصوات طلقات نارية,...
عنما وصل الخازن والخفير, الى درب البلدة, كانت سيدة وحولها نساء البلدة, تقطع الدرب, ذهابا وايابا, وكان همام على طرف الدرب الآخر, يسأل ويستقصى
وآخير, وصلا اليه, فتوقع شرا لا محالة, وسألهما:
- أين حجاج؟!...هل حدث له مكروه؟!...
- سكت الخازن قبل أن يجيب: أنت رجل مؤمن, وقوى...البقية فى حياتك!...
- سأل كان له أكثر من ولد, وغير مصدق: من؟!...حجاج؟!...
- نعم حجاج!...
- كيف؟!...
- قضاءا وقدرا...قدر الله وما شاء فعل!...
- تدخل الغفير وقال: لقد رأيت ما حدث, بعينى...كان الولد يحتضن البندقية, وهو يعبث بها...
- بندقية من؟!...وأين؟...ما الذى حدث بالضبط؟!...
شرح له الغفير ما حدث, وكيف أنه دخل غرفة الغلال, وغير مصرح له بدخولها, ورأى بندقية, وكانت محشوة, وانطلقت رصاصة وهى فى حضنه و...
تاه همام فى أفكاره وظنونه...ربما ذهب الولد, ليسرق بعض الغلال, كما كان يفعل هو, ويعطيه لولده ليحمله بدلا عنه...علمه السرقة, وقتله ما علمه...انه السبب فى مقتل ابنه!...
طأطأ برأسه الى الأرض, مستسلما, وهو يقول ويرددها عدة مرات: لا حول ولا قوة الا بالله العظيم...
استرعى نظر أم حجاج, من بعيد, وجود غفير وآخر مع همام, فجرت نحوهم, وهى تصرخ: ماذا حدث؟...أين حجاج؟...ونظرت الى همام: هل حدث شئ لحجاج؟!...وكررت سؤالها لهمام والغفير ومن معه عدة مرات...
قال لها الغفير: قدر الله وما شاء فعل!...البقية فى حياتك!...
صرخت المرأة ووقعت على الارض, وحملت ترابا, ووضعته على رأسها, وأخذت تنتحب وتولول...
سألت مرارا وهى شاردة ومذهولة: كيف؟!...أين؟!...
ظل الخفير والخازن يشرحان, ويوضحان لها ما حدث, مرارا وتكرارا...وكلما استوعبت حدث, سألت مرة أخرى...
ما ثبت فى رأسها هو غرفة الغلال, ولا يعرف أحد بما كان يحدث, الا هى وحجاج فقط, ولو عرف همام, لحملها مسؤلية وفاة الولد...وربما طلقها, فلم يعد شئ, يربطها به...ربما تزوج بأخرى صغيرة, تنجب له...
دارت الافكار المحمومة رأسها, ورأت أنها خسرت كل شئ ولم يبقى أمامها سوى بيتها الذى يأويها وزوجها الذى يصرف عليها...وهى على وشك فقدانمها!...
صرخت من شدة الوجع, وعادت لتنتحب وتهيل التراب على رأسها, وهى تردد: المفتش قتل ولدى, المفتش قتل ولدك...المفتش قتل ولدك...أريد ثأر ابنى...
كانت سيدة أقرب الى التصديق, بأن ولدها عبث بالبندقية فمات, لكنها ان صرحت بذلك, سوف تكون نهايتها, ولذلك كان عليها التمسك بقتل المفتش لولدها, حتى يبقى فى بيتها, وتلهى همام, بالثأر, وهى تعرف أنه لن يستطيع فعل ذلك, فليبقى ضعيفا مهانا أمامها!...
وكان همام فى نفس الوقت, يظن أنه السبب, فى مقتل ابنه, الذى ذهب ليسرق, كما علمه هو!...
انتبه همام, والخفير يمسك بيده, لينهضه, ويذهب الجميع الى المشرحة, لاستلام جثة الصبى, تمهيدا لدفنها!...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل