الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-كاترينا - تميط القناع أيضا ...

إعتراف الريماوي

2005 / 9 / 7
العولمة وتطورات العالم المعاصر


لعل حادثة إعصار "كاترينا " المدمر الذي ضرب في بعض الولايات الجنوبية من الولايات المتحدة الأمريكية ، وخاصة ما أصاب مدينة " أورلييانز " التي غرقت بمعظمها تحت الماء ، وتحولت إلى ما يشبه المكرهة الصحية والتلوث ومختلف أصناف الأمراض التي تهدد تلك المنطقة عموما ، بفعل العدد الضخم للضحايا وتحلل جثثهم ، هذا الحادث يعيد للأذهان مسألة مواجهة الكوارث الطبيعية التي ما إنفك الإنسان عن مواجهتها حتى اليوم ، من أجل تحقيق سيطرة أفضل على الطبيعة بما يعزز حياة أفضل للإنسان على الأرض . ولكن هنا أود الحديث فعلا عن الدور الإنساني ، وخاصة القادم من الإدارة الأمريكية ، في مواجهة الكوارث الطبيعية والأخرى التي من صنع البشر ، بمعنى أين يمكن تصنيفها أمام هذه المعضلة ؟ وما الدوافع وراء ذلك ؟
الإدارة الأمريكية الحالية ، وكتواصل للنهج الأمريكي الإمبريالي في تحقيق إمبراطوريته على الأرض ، وفرض الهيمنة والسياسة الأمريكية لإعادة تشكيل نظام عالمي يتوافق وبرامجها وأهدافها ، نراها تجسد السمات الكلاسيكية والحديثة للمفهوم الإمبريالي ، فما زالت تشن الحروب وتخلف الدمار ، وتسعى لإغراق العالم بالتبعية وتعميم نموذجها ، وسلوكها أمام الكوارث الطبيعية والوضع البيئي على الأرض ومسبباته كذلك ينطلق من نفس المفهوم ذاته ، سعيا وراء تركيم الأرباح للشركات عابرة القارات وللهيمنة على الموارد الطبيعية على الأرض ! فمفهومها للحرب وللمشاكل البيئية وما ينتج عنهما ينتجان من ذات المنطلق .

نبدأ من الكارثة التي خلفها الإعصار كاترينا ، حيث لاحظ العالم أجمع مدى التلكؤ والقصور الذي إعترى الإدارة الأمريكية في معالجة هذه الأزمة ، والتباطؤ الشديد في إغاثة ومساعدة المنكوبين هناك ، ونحن نتحدث عن ولايات أمريكية وليس طلبا في معونة أمريكية لأمم أخرى !! وهذه الملاحظة جاءت أولا من السكان الأمريكيين أنفسهم هناك ، ومن نواب في " الكونغرس " الأمريكي نفسه ! فعلا لقد رأت الإدارة الأمريكية الحالية ، ان الكارثة تصيب بالمقام الأول من معظمهم من الأصل الإفريقي وبالتالي فالجنس الأبيض بخير ! ، وبالمقام الثاني من المنكوبين من هم أيضا فقراء ومسحوقين ويشكلون هما لها في تصاعد أرقام البطالة المتزايدة ، وبالمقام الثالث هذا يستدعي صرفا لكم هائل من الأموال للإغاثة وبدون مردود ربحي ! فالطبيعي ، والمتوقع لهذه الإدارة الإمبريالية بتوجهها العنصري ، والطبقي الإستغلالي الذي يراكم الفقراء بإطراد تزايد رأسمالها ، أن تتلكأ في معالجة الموقف إنسانيا وكما تقتضيه الرؤيا الإنسانية الخيرة ! وإلا كيف نفسر الجاهيزية العالية التي تبديها هذه الإدارة إذا ما كان الأمر متعلقا بحرب من أجل السيطرة ؟ بماذا نفسر مرور يومين دون وصول اليسير من قوات الإغاثة لمدينة " أورلييانز "، وبحرب العراق كانت تنطلق طائرات ب 52 من مختلف القواعد الامريكية المنتشرة في العالم لتقصف وتعود بأقل من هذه المدة الزمنية ؟ لا وجه للمقارنة طبعا ، إلا من باب الإستفادة التي ستجدها تلك الإدارة ! فبالحرب تسعى للسيطرة على أكبر إحتياطات الأرض من النفط وبالإغاثة هي تصرف وتستهلك ، لذلك لا تتشجع بالحالة الثانية ، ولا تتحرك إلا من باب درء الفضائح والإنكشاف ! . وما يعزز هذا الفهم والسلوك الإمبريالي الجشع والمتوحش ، أن في طرفي فهم الحرب بكل أشكاله وبقاعه الجغرافية والقصور الإغاثي حتى لمواطنيهم ، ان الضحايا وأرقامها مهما بلغت ، لا تعير بالا لهذه الإدارة ، أمام مصلحتها هي في الربح وتركيم رأس المال والإستغلال ، إلا من خلال حملات العلاقات العامة التي تتقن إدارتها وترويجها ، محاولة منها التقليل من بشاعة صورتها ، وحمدا لله أنه يصعب على هذه الإدارة إدراج الأزمات الطبيعية تحت عنوان ومتطلبات " محاربة الإرهاب "، وإلا لكان إنكشاف زيفها أقل حدة ووضوحا للبعض ! فقد شهدنا كيف كان يموت أطفال وكهول العراق بسبب نقص الدواء والغذاء إبان حصاره لأكثر من عشرة سنوات بحجة محاربة النظام وأكذوبة أسلحة الدمار ، وما يعانيه الشعب الكوبي أيضا من نقص في الإحتياجات المعيشية بفعل الحصار نفسه بحجة مواجهة خطر الدولة الشيوعية ، وما تواجهه القارة الإفريقية من كوارث إقتصادية وصحية بفعل السياسات الإمبريالية لإفقارها تحت حجة التنمية ! والكثير من الامثلة التي لا يسع بنا إدراجها هنا ... فضحايا الإعصار كاترينا ، هم مباشرة ضحايا نكبة طبيعية نعم ، ولكن تلكؤ في المساعدات فاقم الأرقام والفاجعة ، وبالتالي لا نعلم الرقم السكاني الذي كان من الممكن إنقاذه لو تعاملت هذه الإدارة بجدية وإنسانية، وبالتالي مثل هؤلاء الضحايا يلتحقون بمن يشبههم من ضحايا السياسة الإمبريالية الأمريكية العالمية ، مع فرق الحجج والمبررات التي نسمعها في كل حال على حدا.

وفي السياق نفسه ، إذا ما نظرنا للتحولات البيئية والمناخية الحاصلة على كوكب الأرض ، وما يرافقها من أشكال مدمرة للزلازل والبراكين والأعاصير وموجات الحر ، نتساءل لماذا تحصل ؟ ! نجد الإجابات المتوقعة من الإختصاصيين ، بحيث أن ظاهرة " الإحتباس الحراري " ( والمتأتية من إنبعاث الغازات المنطلقة من الصناعات التي تستخدم النفط كمصدر للطاقة ) ، هي وراء الكثير من تفاقم هذه الظواهر والمشاكل البيئية الأخرى التي تهدد الحياة على كوكبنا الأرضي ، بحيث صار العالم مؤخرا يدرس هذا الأمر بجدية حول إمكانية مواجهته والحد من مخاطره ، وفي هذا المجال ، وفي العقد السابق ، تم توقيع معاهدة دولية للتقليل من حدة ظاهرة " الإحتباس الحراري " ، وللأسف فالولايات المتحدة الأمريكية ، بإمبرياليتها هذه تتربع على رأس القلة الدولية التي ترفض حتى اليوم التوقيع على مثل هذه المعاهدة ، وبالتالي ترى ذاتها خارج الدائرة المطلوب منها الجزء الأعظم في مواجهة المخاطر الناجمة عن هذه الظاهرة ! رغم ان الإحصاءات والدراسات العلمية تؤكد أن الولايات المتحدة هي صاحبة النسبة العظمى في تفاقم ظاهرة الإحتباس الحراري وما ينجم عنه من تأثيرات !!
ومن خلال هذه النظرة التي توضح المكان الذي تقف فيه الولايات المتحدة الأمريكية ، سواء إزاء الكوارث الطبيعية والتحول البيئي الخطير ، من حيث رفضها للحد من أسباب حدوثها وتلكؤها لمعالجتها إذا حدثت ، وكذلك إزاء الظواهر الإجتماعية والإقتصادية القادمة من النهج الإمبريالي ، من حيث تفاقم مشكلة الفقر والبطالة لديها وفي العالم أجمع ، والتمييز العنصري الذي يبدو من ممارساتها والنظريات العنصرية التي تنطلق منها ، وشن الحروب بغية الهيمنة والوصول للمصادر والموارد ، كلها تميط اللثام ، وتمزق القناع والحجاب الذي تتستر به هذه الإدارة الإمبريالية ، في إدعاءاتها ومناداتها بالحرية ونشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان ، فكيف تنساق علينا هذه الإدعاءات والحروب الأمريكية وحصاراتها لعديد من الدول تخلف ملايين القتلى والمصابين والمشوهين ؟ كيف تمر علنا هذه " البشائر " في الحرية والديمقراطية والعراق يقسم دويلات طائفية لتسهيل السيطرة عليه ؟ كيف نثق بهذه النداءات الزائفة وآلاف القتلى يموتون غرقا في "أورلييانز " والإدارة الأمريكية لا تتحرك إلا بعد يومين وبشكل لا يوازي حجم الكارثة ، بل يقرع ناقوس التمييز العنصري مجددا الذي ما غاب يوما عن سياساتها !! ولكن متى يتحول هذا الفهم في العالم إلى ممارسة تحد من هذا الطغيان وتسهم في صياغة أكثر عدالة للإنسانية جمعاء؟!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصامات الجامعات الأميركية وانعكاسها على الحملات الانتخابية


.. ترامب يكثف جهوده لتجاوز تحديات الانتخابات الرئاسية | #أميركا




.. دمار غزة بكاميرا موظفة في الا?ونروا


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي يهدد بإسقاط التا?شيرة الا?مريكية ع




.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور