الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جرثومة اسمها النمو الذاتي

مصطفى مجدي الجمال

2015 / 1 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



تكاد تكون النزعة الانقسامية هي من "تضاريس" الخريطة التنظيمية لليسار المصري في كل مراحله السعيدة والتعيسة على السواء..

فمثلاً أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية كانت هناك موجة وطنية صاعدة ومتسعة اتخذت أبعادًا اجتماعية واضحة، ولكن حينما انطلقت بموازاتها موجة من تنظيم أحزاب الطبقة العاملة وسائر الطبقات الشعبية، فقد نشأت ثلاثة تنظيمات- نقول متنافسة لا متصارعة- وكان العنصر الأجنبي والأقلوي في قيادتها من أهم أسباب الانقسام.. وحتى الوحدات بين تلك التنظيمات كانت تنتهي نهايات مأساوية باتجاه تشرذم أكبر..

ورغم هذه الدروس القاسية فقد شهدت الخمسينيات المزيد من الظاهرة الانقسامية.. ولعل الارتباكات المرتبطة بالموقف من ثورة يوليو في مراحلها الأولى كانت من العوامل التي ساعدت القيادات على الاحتفاظ بأوضاع تنظيمية ذاتية..

وحتى حينما كان اليساريون يذوقون المرارة والمهانة في معتقل الواحات في النصف الأول من الستينيات (وهي للمفارقة "سنوات التحول الاشتراكي" المعلن رسميًا) فقد استمرت ذات الأوضاع الانقسامية، وكان الرفاق يتبادلون الاتهامات ويتراشقون بالتحليلات مثل هل سلطة عبد الناصر تمثل الرأسمالية الكبيرة أم رأسمالية الدولة أم البرجوازية الوطنية.. والغريب أن أصحاب التحليلات المختلفة انتهوا في خاتمة الاعتقال إلى نتيجة واحدة هي حل تنظيماتهم المنهكة والمتشرذمة، والسعي نحو الوحدة في "الحزب الطليعي" للسلطة... بعد أن تعذر عليهم أن يتحدوا أصلاً فيما بينهم قبل الاعتقال وأثنائه!!!

وحينما عاد اليساريون بعد هزيمة 1967 إلى محاولات التنظيم المستقل عن النظام مرة أخرى فقد عادت معهم الانقسامية في صورة ثلاث أو أربع منظمات رئيسية تختلف فيما بينها حول تحليل طبيعة ثورة يوليو، والموقف من سلطة السادات، والموقف من القضيتين الوطنية والفلسطينية، وتحديد طبيعة المرحلة (ثورة واحدة أم ثورتان؟)...الخ

وبعد ثورة 2011 سمحت الموجة الجماهيرية والديمقراطية بعودة الأحزاب اليسارية ولكن في صورة علنية أساسًا هذه المرة.. لكن الخلافات تمحورت حول الموقف من المجلس العسكري والإخوان وطبيعة السلطة وأيضًا طبيعة الحزب.. الخ

أظننا أمام معضلات كبيرة هنا.. فهناك بالفعل خلافات لا يمكن التوفيق بينها، أو الاحتكام إلى آليات التصويت وخضوع الأقلية لرأي الأغلبية.. ذلك لأن بعض القضايا الخلافية جذرية فعلاً ويستحيل التوفيق بينها إلا على أسس انتهازية صرف..

وهو ما يستدعي أن تتبلور المواقف في تنظيمين كبيرين أو ثلاثة مثلاً.. ولكن تظل من الخراقة أن تجد تنظيمات بينها خلافات تكتيكية أو ثانوية.. ومع ذلك يكتسي الحوار بينها بالمبالغة في الخلاف مع تضخيم الذات.. هذا إن وجد حوار من الأصل!!!!

وقد سبق لي أن تطرقت للأسباب الحقيقية- المطروحة علميًا- وراء الانقسامات في دراسة بعنوان "فيروس الانقسامية في اليسار المصري" (أرجو أن يعود إليها القارئ المهتم وهي على صفحتي هذه في موقع الحوار المتمدن).. ولعلي أركز في المرحلة الحالية على أسباب تتعلق بتعقيدات وملابسات الثورة المصرية، والنزعة النصية، وإنشاء التحليلات السياسية على غير الأسس العلمية، وكذلك الماضي الانقسامي كعامل ذاتي يؤثر تأثيرًا هائلاً في حد ذاته، من حيث الأجواء النفسية والتربية وتغاير الخبرات...

إلا أنني في هذه المقالة أرغب في اتهام نزعة الرضا عن النفس، و"ليس في الإمكان أبدع مما كان"، أو "اصبروا علينا ستجدوا قريبًا ثمار عملنا"، أو "حالة الجميع متشابهة وليس هناك من هو أفضل حالاً مننا"..

أزعم أن ما تسمى "نظرية النمو الذاتي" مازالت تعمل عملها.. وفحواها أن تتكون لدى الأعضاء في الحزب المعنيّ رؤية سلبية (سياسيًا وتنظيميًا) عن المنظمات الأخرى.. حتى لو تم التوسل في هذا بمعلومات خاطئة أو مبالغ فيها.. إلأى جانب أن يُغرس في الأعضاء يقين بأن "خطنا" السياسي لا تشوبه شائبة وأنه لا بد في النهاية أن يحقق نجاحًا سيترجم إلى نتائج تنظيمية مفحمة للآخرين، وستدفع "الصالحين" منهم لأن يأتوا "إلينا" في نهاية الأمر..

والنتيجة المنطقية لما سبق : لا وجه للعجلة في التوحيد مع من قد يكونون قريبين منا سياسيًا.. وأي محاولة "للتفريط في حزبنا" هي خيانة للثورة وللطبقة والشعب..

وحينما تكون المطالبات بالتوحد أقوى من الزعماء غير الراغبين فيها، يتسلحون بفكرة "نكتفي الآن بالتنسيق".. رغم أنهم يعلمون أن إمكانات كل فريق لوحده ضعيفة بحيث سيكون مجموع الجهود هو مجموع عددي فحسب.. على العكس مما لو كانت الجهود نابعة من تنظيم موحد.. وفي النهاية يستخدم البعض فكرة "الاكتفاء بالتنسيق" للمماطلة إلى أن "يقضي الله أمرًا كان مفعولا"!!!!

وبمرور التجارب المريرة ازداد البعض ذكاءً ("خبثًا"؟!) فقدم حجة جديدة تبدو قوية، مؤداها أن التوحد مع هذه المنظمة أو تلك سيؤدي إلى تشكيل "محاور" داخل اليسار المصري.. ومن ثم لا بد من توحيد اليسار "كله أو بلاش".. وهو ما يعني عمليًا ومنطقيًا أن التوحيد لن يتم مطلقًا..

يتصور أصحاب "نظرية النمو الذاتي" أن الآخرين سيأتون إليهم في نهاية الأمر.. وإلا سوف "يذوون" أو تضعف شوكتهم.. بينما قد لا يدرك أصحاب هذه النظرية أن الآخرين في المنظمات الأخرى قد يكون لديهم أيضًا ذات "الأمل أو المطمع"!!

خلاصة القول عندي أننا إزاء جرثومة هي في حقيقتها جرثومة المصلحة الذاتية والنجومية وربما "قليل من جنون العظمة"..

وحينما لا يكون هناك مبرر موضوعي للانقسام يصبح التعايش مع هذا الانقسام نوعًا من الاستسلام لواقع ذاتي رديء..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في إسرائيل تطالب نتنياهو بقبول صفقة تبادل مع حماس |


.. مكتب نتنياهو: سنرسل وفدا للوسطاء لوضع اتفاق مناسب لنا




.. تقارير: السعودية قد تلجأ لتطبيع تدريجي مع إسرائيل بسبب استمر


.. واشنطن تقول إنها تقيم رد حماس على مقترح الهدنة | #أميركا_الي




.. جابر الحرمي: الوسطاء سيكونون طرفا في إيجاد ضمانات لتنفيذ اتف