الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبادرات سياسية بلا أجنحة وطنية

عفيف رحمة
باحث

2015 / 1 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


منذ بدايات الأزمة الوطنية في سوريا هبط على الشعب السوري مبادرات سياسية عدة، ‏إقليمية ودولية، لم ترسم ملامحها إلا في إطار مصالح أنظمة البلدان صاحبة المبادرة التي ‏وجدت في سورياً، أرضاً وشعباً وموارد، حلبة رحبة لتحقيق انتصاراتها.‏
خرجت الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية روسيا الإتحادية بمبادرة جنيف 1 كصيغة ‏سياسية تعكس توازناً مرحلياً في مصالحهما، ونتيجة التحول غير الثابت في توازن هذه ‏المصالح، الإقتصادية منها والعسكرية، أعيد ترتيب أولويات جنيف 1 حيث وضعت مصلحة ‏الشعب السوري وقضيته الوطنية في المقام الأخير ليذهب رعاة جنيف 1 إلى جنيف 2 ‏بجدول أعمال عرفوا فيه الفشل قبل انعقاده، كونه لم يرقى لمستوى القضية السورية من ‏حيث التمثيل والأهداف وآليات الحل.‏
خرج الجميع من جنيف 2 إلى موعد غير مسمى التاريخ مرهون زمناً بميكانيكيات الصراع ‏الدولي وما ينتج من معطيات سياسية يعاد تدويرها في سلسلة ستراتيجيات الصراع الدولي؛ ‏وفي ظل إنتظار هذا الموعد أتت مبادرة دي مستورا، بصفته الأممية، لتسارع موسكو ‏وتتدخل مشاغبة بمبادرة غير ناضجة تنتهي خجلاً بدعوة إلى لقاء تشاوري لا يرقى لمستوى ‏الضلوع السياسي للدولة صاحبة المبادرة.‏
في ظل الهيمنة المرحلية للولايات المتحدة الأميركية على ميكانيكيات الصراع، لم تأت ‏مبادرة دي مستورا إلا لتسد الفراغ الدبلوماسي الأممي ولتعالج بعض جزئيات الأزمة ‏ومفرزاتها السطحية، دون أن تمس جوهر القضية السورية، نظام الغستبداد، وكأنها تريد أن ‏تترك للزمن دوره في فرض الحل الذي يتوافق مع ستراتيجيات الصراع الدولي.‏
ولأن مبادرة دي مستورا لا تحمل الدواء الجذري الشامل والشافي، ولأن المعارضة لم تجد ‏بعد طريقاً وبرنامجاً واحداً موحداً يسمح لها موضوعياً فرض رؤيتها وإرادتها السياسية في ‏وجه الدول التي تراهن على هوية مستقبل سوريا، سارعت سلطات النظام في روسيا ‏الإتحادية لتلعب دورها في ملء الفراغ السياسي الذي أحدثه فشل جنيف 2 في منظور لا ‏يهدد مصالحها الإقتصادية والعسكرية ولا يثير خشية الولايات المتحدة الأمركية كما ولا ‏يتعارض مع إرادتها.‏
المبادرة الروسية كما مبادرة دي مستورا، مبادرتان تعبرا أولاً عن الإستهتار الأممي بالشعب ‏السوري وقضيته التي يعمدها بالألم والدم الذي يراق يومياً على مذبح الإستبداد الذي يستفيد ‏بنيوياً وعضوياً من الصراعات الدولية والإقليمة التي لا ترى ضرورة آنية لإسقاطه، وتعبرا ‏ثانياً عن توافق أممي حول فشل المعارضة السورية وإصابة قياداتها بمرض النرجسية ‏والإنتهازية الملازمة لأدائها الحركي والسياسي.‏
وبمثل ما تصر المعارضة السورية على عدم الإستفادة من تجارب الشعوب الأخرى في ‏طريقة معالجة أزماتها التاريخية، تقف سلطة النظام في سوريا ممانعة التغيير ظناً منها أنها ‏فوق حتميات التاريخ. المعارضة لا تريد أن تدرك أمراضها وأخطاءها البنيوية والنظام ‏يحاول كسب الوقت مستفيداً من أمراض هذه المعارضة ومن أخطاءها؛ وإذا استمر النظام ‏بتجاهل حتميات التاريخ فالمعارضة لم تدرك بعد أن تبنيها السلمية كأداة في صراعها مع ‏نظام الإستبداد لا يمنعها من أن تخوض هذه المعركة بروح وإرادة ثورية.‏
شككت أغلب فصائل المعارضة بالسلمية ظناً أنها تناقض الثورية، فترجمت الثورية ‏بإستجداء الخارج واضعة قضيتها الوطنية في مزاد المراهنات السياسية والصراعات الدولية، ‏فما نجحت بالثورة ولا أنتجت حلاً سياسياً يوفر على الشعب السورية تلك الدماء التي كان ‏من الممكن حمايتها.‏
أربع سنوات مضت لو بقي فيها الشعب السورية واقفاً فقط على أبواب منازله لسقط النظام، ‏وأربع سنوات مضت كانت كافية لتعرف فصائل المعارضة بأطيافها المختلفة كيف تحول ‏وعيها السياسي إلى رؤية ثورية تتوحد بها لتستقطب أوسع الشرائح الإجتماعية حول برنامج ‏سياسي موحد مرتكز على القواسم الوطنية الصلبة الكفيلة بإحداث التغيير الجذري والشامل.‏
وحتى ذاك الزمن حيث تدرك المعارضة هذه الحقيقة ستستمر المبادرات بالتوارد صيفاً ‏وشتاء لكنها ستسقط لا محالة لأنها بلا أجنحة وطنية.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إمام وحاخام في مواجهة الإنقسام والتوترات في برلين | الأخبار


.. صناع الشهرة - كيف تجعل يوتيوب مصدر دخلك الأساسي؟ | حلقة 9




.. فيضانات البرازيل تشرد آلاف السكان وتعزل العديد من البلدات عن


.. تواصل فرز الأصوات بعد انتهاء التصويت في انتخابات تشاد




.. مدير CIA يصل القاهرة لإجراء مزيد من المحادثات بشأن غزة