الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الوضعية الى الواقعية

عماد صلاح الدين

2015 / 1 / 8
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


هل حق العودة ممكن التطبيق والتنفيذ بالاستناد أولا إلى الحقوق الطبيعية للشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه ودياره التي شرد وهجر عنها قسرا وبالتطهير العرقي عام 1948 ؟ نعم وممكن جدا من الناحية الجغرافية والسكانية وبوجود اليهود الإسرائيليين الذين تم استجلابهم من جميع نواحي المعمورة تحديدا من شرق أوروبا. وهذا صار ثابتا من الناحية النظرية والأكاديمية من خلال الدراسات والأبحاث التي تم عملها وإجراؤها من قبل اكاديمين وخبراء مختصين تحديدا من هذا المرجع الأكاديمي في شؤون اللاجئين الفلسطينيين الدكتور سلمان ابوسته؛ حيث وضع عدة مؤلفات عن اللاجئين الفلسطينيين ومن بينها مؤلفه بخصوص إمكانية تنفيذ حق العودة على ارض الواقع بالاستناد إلى حقهم الطبيعي والقانوني السياسي الذي اقره قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لسنة 1948، وغيرها من القرارات الأممية ذات العلاقة.
السؤال الآخر هل من المكن إيجاد حل أخلاقي قيمي إنساني، وبما لا يتعارض مع الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في حريته وتقرير مصيره، بما فيها حقه بالعودة سواء لفلسطينيين الموجودين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، أو للفلسطينيين الموجودين داخل الأراضي المحتلة عام 67، وكذلك بالنسبة للفلسطينيين الموجودين في الجوار العربي والشتات، ومن ثم أيضا مراعاة الأوضاع القامة بخصوص اليهود الإسرائيليين الذين ولدوا في فلسطين، وهو ليس من باب الإقرار بحقوق طبيعية أو قانونية أو سياسية لهم في فلسطين وإنما من باب إنساني في التعامل مع هؤلاء الإسرائيليين وبالتالي النظر من جديد إلى مفهوم وطبيعة وماهية حق تقرير المصير في فلسطين.
والجواب نعم ايضا؛ حيث يتم النظر واخذ الاعتبار في تقرير المصير للفلسطينيين جميعهم داخل فلسطين وخارجها بالإضافة إلى هؤلاء الإسرائيليين، ويكون هناك مفهوم جديد لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. وكل ذلك يرتكز على مسالة الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة المرتكزة أساسا على التراث العربي والإسلامي الذي هو الأساس في تماسك ووحدة الشعب الفلسطيني وقدرته على الاستمرار الطبيعي والسياسي الاجتماعي، برغم كل ما حل به من جرائم التطهير العرقي والطرد والنفي واستهداف حياته في الاجتماع والاقتصاد الإنساني عموما عبر القتل والتدمير والحصار وشن الحروب المتتالية عليه سيما في قطاع غزة اليوم البنية التحتية الحقيقية والأولى في مد جسر العبور إلى التحرير وتقرير المصير للشعب الفلسطيني .
ولذلك يؤخذ في الحل الشامل ضرورة الارتكاز ومن ثم الإدماج والاتحاد ويأخذ الاعتبار لهذا الجامع المكون، والذي يصل إلى درجة أو شكل التجمع القومي آو الهوياتي لأولئك اليهود الإسرائيليين العاديين أو الغالبية الفقيرة منهم إن جاز التعبير في المكون الاجتماعي العام والذين ولدوا في فلسطين. تلك الحقيقة الواقعة والماثلة أمامنا شئنا ذلك أم أبينا، وهي حالة تشبه وضع الجماعات اليهودية في شرق أوروبا في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين؛ حيث كانوا يشكلون حالة مميزة من الاجتماع الإنساني الخاص لا سيما في بولندا تجمعهم خصائص تقترب من الحالة الهوياتية والقومية كانت تستحق في حينها شكلا معينا من تقرير المصير الذاتي كأقلية كبرى من بين جميع الجماعات اليهودية المنتشرة في أوروبا .
لقد سبق لي في مقالات ودراسات بهذا الخصوص أن أوضحت خطورة حل الدولتين على الهوية الفلسطينية الجمعية وعلى مسالة الوحدة الوطنية الفلسطينية وما يترتب على ذلك أولا من مساس بحق العودة للاجئين الفلسطينيين سواء في الداخل عام 1948 أو داخل حدود 1967 أو أولئك المتواجدين خارج فلسطين وفي الشتات، بل وأكثر من ذلك أن حل الدولتين أدى في النهاية إلى حدوث الانقسام الفلسطيني الفلسطيني تحديدا منذ عام 2007 وحتى اليوم. وبغض النظر عن ترتيبات وبروتوكولات المصالحة وتشكيل حكومة الوفاق الوطني التي لم تجد تطبيقا وتنفيذا عمليا.
كذلك فان حل الدولتين أعطى المبرر للاعتراف بالديباجات الصهيونية والكولونيالية الغربية في تبرير الاستيطان والاحتلال الاستعماري الإسرائيلي من عدة نواح؛ فهو أولا أعطى الاعتراف بإسرائيل من الناحية القانونية والسياسية على صعيد العلاقات الدولية عام 1993 من خلال اتفاقيات أوسلو التي اعترفت بموجبها منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل الدولة.
ومن ناحية ثانية جعل إسرائيل تاليا تطالب بالاعتراف بها كدولة يهودية خاصة باليهود، وجعل المبرر لصالح إسرائيل على انه صراع ديني على فلسطين بالاستناد إلى الأساطير والديباجات الدينية التي روجها الغرب الاستعماري والحركة الصهيونية في تقديماتهما لاحتلال فلسطين وتفريغ سكانها الأصليين منها؛ خدمة للغرض الوظيفي الاستيطاني القتالي الرخيص التكلفة بالنسبة للغرب وأمريكا والذي تؤديه إسرائيل في خدمة المصالح الغربية والأمريكية في المنطقة العربية الإسلامية، وبالتالي فان المفاوض الفلسطيني يقع في حالة تناقض غريب في دعوته وتشبثه الأبدي بحل الدولتين من جهة وهجومه ورفضه لمسألة الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية الصهيونية من جهة أخرى؛ فالاعتراف على قاعدة حل الدولتين لشعبين هي من أدى لإعطاء الفرصة لإسرائيل للمطالبة بيهودية الدولة ومحاولتها تكريس أن الصراع على فلسطين وأرضها يستند إلى مقولات دينية يهودية لا أساس لها من الصحة والاعتبار دينيا وإنسانيا وفي عالم التاريخ والسياسة. كل هذا جاء عن غير قصد من المفاوض الفلسطيني، ولكن المشكلة تكمن في خطورة عدم الاقتناع بمآل نهاية مصيبة حل الدولتين كفكرة منذ سبعينيات القرن المنصرم وممارسة تفاوضية وسلطوية منذ أعوام 1988 - 1993 وحتى لحظة كتابة هذه السطور.
إن حل الدولتين عمل ويعمل على مفاقمة حالة الهوس الإسرائيلي على صعيد امن اليهودي الإسرائيلي العادي؛ ذلك لأنه يعطي تبرير الشرعية الأمنية السيكولوجية النفسية العامة أولا للكيان الصهيوني المطالب داما بالأمن والأمن المطلق في مثل حالته العسكريتارية وليس الأمن التبادلي كما هو حال الكيانات السياسية السيادية الطبيعية على مستوى السكان وقيام النشأة الكلية للمجتمع والدولة. وهذا ينعكس على اليهودي الإسرائيلي في المحصلة من ناحية الشعور الأمني المطالب أيضا بمطلقانية الأمن، مما يجعله عقبة كأداء في سبيل القضاء على المشروع الصهيوني كمشروع إحلالي استيطاني عنصري تمييزي بديباجته الدينية الاساطيرية من قبيل الشعب المختار المستند إلى ثقافة الاستعمارية الغربية القائمة على حضارة الرجل السوبرمان في مواجهة السب مان .
إن السياسة الحقيقية التي هي في الأساس الغرض النهائي فيها ما هو عام وما هو مصلحة إنسانية عامة تستند أولا إلى النظر إلى المفهوم الإنساني ورسالته نوعا وأداء وغاية، وثانيا إلى المظلة الأخلاقية الثقافية المستندة إلى الرسائل والشرائع السماوية في إطارها العقدي والتشريعي، وثالثا إلى مجمل الاجتهاد والتراكم المعرفي الإنساني المفتوح والمشروط بضوابط أخلاقية وشرعية رسالية واجتهادية .
وعليه كما أرى فان السياسة حالة ذهنية إبداعية تأخذ بالاعتبار ما هو مشار إليه أعلاه تبدأ بالفرد ثم تصبح حالة برامجية ونماذجية فكرية وتطبيقية عامة، تأخذ في اعتبارها الإنسان وكرامته وحقوقه الكامنة في الوضعية الذهنية والملكية النفسية والروحية لتترجم واقعا عمليا في الحياة الإنسانية السائرة.
على ذلك فان الصراعات، ومن بينها الصراع مع الكيان الصهيوني ودولته العنصرية إسرائيل ليس صراعا دينيا أو بين أديان، لان ذلك سيكون تماشيا مع ادعاءاته الديباجية والخرافية؛ وإنما هو صراع ضد استعمار كولونيالي في مواجهة شعب واقع تحت الاحتلال تعرض ولا يزال لجرائم التطهير العرقي والإبادة والحصار والتجويع.
لذلك نحن بحاجة إلى مشروع وطني فلسطيني يضع الهوية الفلسطينية بالاعتبار الأول، وكذلك وحدة الشعب الفلسطيني وثانيا اخذ الحقائق المادية والإنسانية الماثلة أمامنا بالاعتبار الثاني ضمن منظومة ثقافية وأخلاقية إنسانية حضارية يكون فيها منطلق التفكير في حل الصراع لهذه الذهنية الإنسانية بمرجعياتها المعروفة؛ لنتجه نحو ميدان العمل العام والشامل في التحرر والعودة وتقرير المصير، ومن خلال أدوات تدافعية كفاحية تقليدية وسياسية سلمية وأخرى إبداعية يتفتق عنها الذهن الإنساني المبدع، لننتقل من حالة الوضعية الكامنة المظلومة والطامحة في آن معا إلى آفاق الواقع المؤمن العامل الحر المتواصي بالحق والصبر المتطلع الى تحقق العدالة واقعا معاشا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انشقاق في صفوف اليمين التقليدي بفرنسا.. لمن سيصوت أنصاره في


.. كأس أمم أوروبا: إنكلترا تفوز بصعوبة على صربيا بهدف وحيد سجله




.. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يحل حكومة الحرب


.. الحوثيون يعلنون استهداف سفينتين ومدمرة أمريكية في عملية جديد




.. حجاج بيت الله الحرام يستقبلون اليوم أول أيام التشريق وثاني أ