الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعادلة الانسانية الغائبة

خالد الصلعي

2015 / 1 / 8
الارهاب, الحرب والسلام


المعادلة الانسانية الغائبة
*******************
الانسانية مفهوم بمثابة خيمة تجمع كل أنماط البشرية ، اذ لا فضل داخلها بين اسباني ومغربي ، وبين يهودي ومسيحي الا بقدر الحب الذي يثقل قلب هذا وذاك . فالانسانية في اشتقاقها الاصطلاحي الأول الذي يعود جذره الى كلمة HUMANISTA الايطالية ، كانت تعني " المعلم أو الباحث العلمي في الأدب اليوناني واللاتيني الكلاسيكي والفلسفة الأخلاقية وراءهما، بما في ذلك النهج إلى العلوم الإنسانية "؛ فالعلم هو مفتاح التعرف على الآخر ، والمعرفة طريق الى استيعاب هذا الآخر والتفاعل معه . وبدون العلم والمعرفة تزداد سبل التواصل الايجابي انغلاقا وسوادا ، مما ينتج عنه سلوك لاانساني ، أو خارج مفهوم الانسانية كما رسخته وطورته العلوم الانسانية .
لكن بين ترسيخ قيم الانسان العالية المنبنية على التسامح والأخوة والعدل ، وبين الصراع الانساني الذي ينحدر نحو الحيوانية ، للسيطرة على الآخر واستعباده وسرقة حقوقه المادية والمعنوية ، ثمة فروق جوهرية ، تفصل بين نمط سلوكي حضاري راقي ، وبين نمط سلوكي همجي منحط . ولا فرق بين قتل رضيع جراء تعرضه لبرد قارس على حدود لبنان/سوريا ، وبين قتل صحفيين ورجلي شرطة في باريس ، وبين تدمير حياة شعوب بأكملها لأسباب اقتصادية مادية بحثة .
ففي الصحافة الأمريكية التي تسيطر عليها السطوة الصهيونية ، لاحديث عن صحفييها الا عن المسلمين الارهابيين ، وهي استراتيجية عدوانية مباشرة تدل على مدى ترسخ قيم العنصرية في المجتمع الأمريكي عموما ، دون اغفال الأصوات القليلة ذات الميول الموضوعية والانسانية . مما يجعلنا امام ماكينة عدوانية تعمل على تهييئ الرأي العام الأمريكي على الحقد على كل ما يمث الى الاسلام والعروبة . وهو ما يدعم رأي المفكر الفلسطيني الأمريكي الراحل "ادوارد سعيد " عن الدور الذي تلعبه مختلف القوى الفاعلة والمؤثرة في تكوين الرأي العام الأمريكي وتشكيله تشكيلا نمطيا حيث يحافظ ذهنيا على حالة حرب دائمة . ولدينا مثال بسيط وقريب ، وهو صورة المغربي في ذهنية معظم الاسبان ، على الرغم من المسافة المكانية والزمنية التي تفصل اسبانيا عن المغرب ، وهي مكانيا 14 كيلومتر ، وزمنيا 10 دقائق . وبالرغم من كون المسافتين لاتعنيان شيئا اليوم في ظل تطور وسائل التواصل الميكانيكي والرقمي ، فان معظم الاسبان لا يزالون يحتفظون بكليتشيهات أرنست رينان وباقي المستشرقين الذيم يصورون العرب في صور رعاة الابل وساكني الصحراء .
بل ان الأمر تطور بشكل دراماتيكي بدءا من احداث 9 سبتمبر 2001 ، حيث استطاع الاعلام الغربي تبئير ظاهرة الاهاب العابرة للقارات في المجتمع المسلم ، وأصبح الارهاب ملتصقا بصورة مباشرة بالاسلام ، رغم أن منفذيه منتسبون لاسلام معين ، هو ليس الاسلام الحقيقي . وهي صناعة معقدة وجد متطورة . فللوصول الى مثل هذه المعادلة الخطيرة على صناعها أن يكرسوا وقتا باهظا ومكلفا ماديا لاجراء ما يسميه أحد الكتاب الأمريكيين [ جراحة المخ النفسية " .
فيكفي أن تجيش مجموعة من الغوغاء والفارغين لشحنهم بكل المواد السامة ، خاصة وأن مستوى التعليم في العالم العربي مستوى منخفض جدا ، ومحتواه قاحل ، فيكفي أن توفر لعربي بعض ضروريات الحياة البسيطة لتحوله من كائن مسالم الى كائن انفجاري /ارهابي . وهي استراتيجية عمل عليها الغرب منذ شعوره بتحول الوعي العربي بين الحربين الكبرتين اللتين أججهما الغرب نفسه وورط فيها كثيرا من الدول العربية والاسلامية . وقاها ودعمها النظام العربي المرهون لأجندات غربية .ولا ننسى التركة الضخمة من الكراهية التي خلفها الاستشراق الغربي منذ القرن 18. فنحن اذن أمام سلسلة طويلة من الاعداد والتهييئ والانجاز ، وخلال كل حلقة من حلقات هذه السلسلة يتم التطوير والتعديل حسب متطلبات المرحلة ذهنيا وتقنيا وتوعويا .
في ظل هذه الشروط أصبح غزو أفغانستان والعراق ، وتدمير سوريا وليبيا واليمن أمرا مقدسا من ناحية صناع القرار الغربي ، ومقبولا من قبل شريحة هامة من مواطنيهم ، بغطاء اعلامي مكثف ودقيق . الى درجة أن عولمة الارهاب ، او الارهاب العابر للقارات صار من منتوجات العصر . دون النظر العلمي والانساني في التأثيرات الجانبية لهذا العمل القذر . ودون قراءة الأبعاد والاسقاطات النفسية في ظل عالم يعيش حالة من الاختلال الحضاري والمعيشي الحاد ، مما يجعل الصور النمطية تجد صداها المباشر في ذهنيات لا تحصينات ثقافية لها .
وكمثال على ذلك ، يبقى العمل الارهابي الذي تعرض له صحفيو مجلة شارلي ايبدو ، مثالا صارخا لانعدام التوازن والعدالة في الانتصار لقيم الانسانية ، والانحياز العنصري الصارخ لجنس بشري دون آخر . انها نازية غربية تتغذى على استقواء عسكري ، عوض أن تتكئ على البعد الانساني . ففي نفس اليوم وهو تاريخ 7--7--2015 ، سقط ما يقرب من 37 مواطن يمني جراء عملية تفجير ارهابي امام مبنى كلية الشرطة وسط صنعاء ، ولم يسجل الاعلام أي ادانة من اي عاصمة غربية أو عربية . وفي نفس اليوم بالذات ، توفي أربعة مدنيين سوريين على حدود لبنان وسوريا جراء العاصفة الثلجية " ألكسا " فقط دون الحديث عن عدد من سقطوا بالسلاح البيني، من بينهم رضيع لم يتجاوز سنه ثلاثة أشهر ، وطفل في سن الرابعة . لكن موتهم مر سريعا في قناة او قناتين اعلاميتين . في حين انتفض العالم عن بكرة أبيه حين سقط 12 قتيلا جراء عمل ارهابي أعمى بمجلة فرنسية . وكأن مآت الآلاف الذين حصدتهم ماكينة الارهاب سواء من الدولة كمؤسسة مسؤولة امام المجتمع الدولي الرسمي ، أو من قبل الجماعات الارهابية المسؤولة أمام الانسانية جمعاء ، لا يستحقون هذا التهويل الجنائزي ، رغم أن أسمى قانون أو معادلة انسانية هي تلك التي تساوي بين قتل فرد واحد وقتل الناس جميعا .
ان اختلال الموازين في تقييم الداء الارهابي الخبيث يغذي ويمنح شريانه المرضي مزيدا من الدماء . وما لم يراجع صناع القرار مبادئهم ورؤيتهم للانسان كانسان ، خارج حدود العرق والدين والجنس ، فان تراجع الارهاب أمر مشكوك فيه . خاصة ونحن اليوم نعيش صناعة أخرى ، هي صناعة الارهاب بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، حيث تتداخل عوامل دينية وعنصرية ومالية في تنافسية شرسة من أجل السيطرة على ثروات أمم أخرى باسم الارهاب. وهم يتوسلون الى ذلك بأحط الطرق والوسائل ، كصناعة ارهابيين عبر مربعات يستحيل أحيانا تتبع مخارجها ومداخلها ، نظرا لتعقيدات مساراتها وصعوبة تتبع آثارها . كصناعة رجل دين يخدم أجندات صهيونية وأمريكية ،مهمته تجييش ارهابيين باسم الدين دون أن يدرك ذلك .
كما أن تصاعد مظاهر الاعتداء على العرب والمسلمين يكفي لشحن ضعاف النفوس وذوي التركيبات النفسية العاطفية ، وتحت ظروف معيشية صعبة للارتداد ضد كل رموز الغرب .
ولا ننسى تفجيرات مدريد وانجلترا ، بداية الألفية الجديدة . كما لا يجب أن ننسى أحداث مياننمار السنة الفارطة ، وما وقع مؤخرا بالولايات المتحدة الأمريكية من قتل مواطنين اثنين من قبل رجال الشرطة . وعلينا أن نتذكر مجزرة النرويج التي ذهب ضحيتها أكثر من عشرة من النرويجيين وجرح أكثر من عشرين ، وكان هذا الارهابي قد كتب على صفحته بتويتر "(شخص واحد مؤمن يساوي قوة مائة ألف من الأشخاص الباحثين عن المصالح فقط)".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسل الجزيرة يرصد توافد حجاج بيت الله الحرام إلى مشعر منى ل


.. مقترح لحظر بيع السجاي?ر للمولودين بعد عام 2009 في تركيا مدى




.. مناسك الحج.. الجزيرة ترصد توافد الحجاج لرمي جمرة العقبة في أ


.. تفاصيل عملية اغتيال القيادي في حزب الله -أبوطالب- في مدينة ج




.. تقرير استخباراتي أميركي يكشف حجم الخسائر المادية بالبحر الأح