الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هي حقا نهاية الانسان؟

نزار جاف

2005 / 9 / 8
العولمة وتطورات العالم المعاصر



حينما سقطت فرنسا بيد الجيوش النازية، وقف هتلر على قبر نابليون وقال منبهرا: کان الاحرى بالفرنسيين أن يبنوا لنابليون قبرا في السماء! ورغم إن الکثير حاولوا تأويل کلام الزعيم النازي وتحميله على عدة محامل، لکنها في حقيقة أمرها لم تدل سوى على مضمون رئيسي واحد والذي لايزيد عن إعجاب و إنبهار الفوهرر بشخصية ذلک القائد الفرنسي الطموح الذي لم تکفي حدود فرنسا لإرضاء مطامحه وإنما وجد في قارة أوربا حلما قابلا للإنجاز. وکان من الطبيعي جدا لرجل مثل هتلر أن يؤخذ بشخصية نابليون، ذلک إن کليهما حاولا تحقيق طموحات شخصية من خلال مجموعة شعارات و مبادئ براقة تثير من همم عامة الناس وتدفعهم للتراکض في سوح الوغى في سبيل بناء ما يعتقدونه مجدا لبلادهم لکنه في الواقع لايعدو عن مجد شخصي لمستبد سنحت له الظروف في غفلة من الزمان بجعل أهواءه و ما يمليه عليه مزاجه الخاص برنامج عمل سياسي ـ إقتصادي ـ إجتماعي لبلاده. أما اليوم، فإن أوربا لم تعد أراضيها تطيق وقع أقدام نماذج تبني أمجادها الخاصة بدماء و جهود عامة الشعب وصارت مثل تلک النماذج لاتجد من أماکن لها سوى في المخيلات المريضة بجنون العظمة. وإذا کان الاوربيون و الغرب بصورة عامة قد دفعوا ثمنا باهضا لطي ماضيهم المشرئب بالحقد و الکراهية و الحروب الطاحنة، فإنهم اليوم يدفعون ثمنا ليس بالامکان الاستهانة به إطلاقا، ثمنا لايکمن في أزيز الرصاص و لافي هدير الطائرات ووقع قصف المدافع وإنتظار نهاية حروب تطول بعضها لمايقارب القرن، إنما ثمنا ينتزع من إنسانيتهم و من قيمهم الاجتماعية الآيلة للإنزواء في رکن محاصر بحضارة تمضي قدما للأمام من دون الإکتراث لعدم مواکبة التقدم العلمي و التقني لنظيره على الصعيد الاجتماعي ـ الاخلاقي. إن التقارير الخبرية و ما ترافقها من تحليلات و بحوث مکثفة حول آفاق المستقبل الانساني مع هذا التقدم العلمي و التقني الذي يضرب بأطنابه کل الارکان و الزوايا المتعلقة بالوجود الانساني على الکوکب الارضي، تنظر بتشاؤم و قلق الى هذا السعي الانساني الذي بات في العديد من مفاصله يکاد يفقد سمته الانسانية و يغدو شيئا من دون تلک الاحاسيس و العواطف التي طالما تعامل وعاش المجتمع الانساني في ظلالها. إن إکتشاف أسرار الغالبة للهندسة الجينية للإنسان و الخوض في غمار مسألة إستنساخ الانسان و التدخل لا في ترکيبته البايولوجية و إنما حتى العقلية و النفسية، تؤکد أن الانسان قد وصل الى حد قد خلف وراءه تلک المحاذير و الخطوط التي کان رجال الدين و علماء الاجتماع يحذرون من تجاوزها. وقبل عدة أعوام حين تحدث العالم الامريکي المشهور"هاوکينک"الذي يعاني من مرض جعله في حالة شلل تام، قد قال عبارات وإن کانت مبعث لقلق المحافظين لکنها لم تکن تحظى بتلک المصداقية القوية التي تدفع الى الاخذ بکل ماجاء فيها، هاوکينک الذي کان يتحدث في مؤتمر صحفي قلما يجود به وقته الثمين وکان"محدد الزمان و المکان"، قال"إن النظرية النسبية قد صارت الى المتحف وإن الذي کان يتحدث به آينشتاين قد تجاوزه العلماء حاليا" وحين سأله الصحفيون عن آفاق المستقبل أردف العالم الامريکي"سوف لن تمضي فترة لاتزيد على الخمسين عاما حتى و يکون الانسان خلالها قد علم کل أسرار الکون ولن يحتاج بعدها للدعاء و التضرع کي يعلم مايخبئه الزمان له من أسرار!" وحين ألح عليه الصحفيون بالاسئلة ليثيروا من حفيظته و يدفعوه للبوح بالذي يتحفظ من الإجهار به قال هاوکينک"سوف نکون في عقل الله!" وهذه الإشارة القوية جدا و ذات المعاني و الابعاد المتباينة، تجعل من الممکن قراءة کلمات هذا العالم بصورة أکثر جدية من قراءة کلمات فيلسوف أو مفکر معين بخصوص توقعات أو تنبؤات محددة. إن العالم کله يدرک بوضوح أن العلم ماض في دروبه و لايوقفه شئ وإن الذي حل بغاليلو غاليلي صفحة قد إنطوت والى الابد وأن هناک اليوم صيحات و إستغاثات من قبل رجال الدين و علماء الاجتماع المحافظون يحثون فيها الساسة"وخصوصا الرئيس بوش"، على وضع قيود و ضوابط أخلاقية لبحوث و تجارب العلماء. غير أن الوضع الإستثنائي للتنافس الإقتصادي الشديد الذي نجم عن نظام العولمة، يجعل من الصعوبة إذا لم نقل المستحيل في دفع الساسة الليبراليون الى تحجيم العلم و تحرک العلماء في أطر و سياقات محددة ناهيک عن الطبيعة الانسانية ذاتها الميالة لمعرفة کنه الاشياء و کشف طلاسم و ألغاز الانسان و العالم الذي يحيط به. وقد يکون کتاب"مستقبلنا ما بعد البشري"للمفکر الامريکي"فرانسيس فوکوياما"صاحب نظرية نهاية التأريخ، أشهر و أوضح قلق إنساني من مستقبل الحضارة الانسانية مع الإظطراد في التقدم العلمي. فوکوياما الذي طمأن المجتمع البشري بتراجعه عن نظريته حول نهاية التأريخ، يعود اليوم ليثير نظرية قد تبدو أشد قتامة و قساوة من"نهاية التأريخ"، نظرية مفادها إن الانسان الذي بنى حضارة إمتدت من فجر الوجود البشري على الکوکب الارضي الى بدايات الالفية الثالثة مابعد الميلاد، يواجه واقعا مقلقا للغاية إذ يبدو أن هذا الکائن الذي ألفناه من شخصيتي ادم و حواء والى يومنا هذا، بات مهددا بالفناء و الإندثار في معمعة بحوثه العلمية. فوکوياما يعبر عن قلقه من آخر التطورات التي توصلت إليها العلوم البايولوجية و بخاصة علم الاعصاب و الدماغ، حيث ذکر أن الصورة البايولوجية ـ التکنلوجية الحالية قد تطبق على الانسان و تؤدي الى تغيير طبيعته مما سيکون له بالنتيجة إنعکاسات بالغة الخطورة على النظام السياسي نفسه. ويستطرد المفکر الامريکي المثير للجدل في جانب آخر من کتابه المؤلف من ثلاث أجزاء فيشدد على وتر التشائمية المفرطة عندما يقول: "الانسان کما نعرفه حاليا سوف يختفي من الوجود بعد عشرين أو ثلاثين سنة، إذا إستمرت الامور على حالها. فعلم الوراثة أصبح يتدخل في طبيعة أو ترکيبته الداخلية. وبدلا منه سوف يظهر إنسان جديد أکثر سعادة بفضل العقاقير الطبية التي يبتلعها يوميا و التي تزيد من ثقته بنفسه أو من قدرته على الترکيز، وسوف يکون أکثر ذکاء و أقل مرضا وسوف يعيش عمرا أطول، لکن"يستدرک فوکوياما بحذر شديد"المشکلة هي إنه سيکون إنسانا آخرا سوف يکون إصطناعيا لا طبيعيا.". هذا الکلام الذي بناه فوکوياما على خلاصة آخر الإستکشافات و النظريات العلمية، سوف يکون له صداه المؤثرة في مختلف الاوساط لکن الذي لاشک فيه هو أنه ليس في وسع أحد مهما أوتي من وقف المسار العلمي عند ناصية محددة وکل ما يمکن إنجازه على صعيد وضع حد للإستکشافات العلمية هو مجموعة بيانات أدبية ـ أخلاقية لاتملک أي رصيد على أرضية التطبيق"حالها حال قرارات مؤتمرات القمة العربية". ولکن هل إن الإنسان الذي کان بمثابة طلسم و لغز الوجود قد بات مکشوفا من کل النواحي؟ وهل أن ذلک الانسان الذي تحدث عنه ألکسيس کاريل في کتابه الشيق"الانسان ذلک المجهول" لم يعد مجهولا بحق؟ وإن کل تلک الجوانب الخفية التي تحدث عنها کاريل في کتابه المذکور قد أميط عنها اللثام تماما؟ أو هل أن الانسان الذي تحدث عنه الدکتور"جوزيف مورفي" في کتابه"سطوة الفکر"، قد بات عاجزا لاحول له ولاقوة أمام الواقع الموضوعي الذي بات يتهيأ لإبتلاعه بکل مايملک من مقومات و تأريخ و حضارة؟! مورفي الذي وقف طويلا أمام القدرات الخفية للإنسان و أکد أن الترکيز و التلقين قادران بحد ذاتهما على بسط سيطرة الانسان على واقعه، ترى ماذا سيقول أمام إدعاءات هاوکينک و فوکوياما؟ إنها أسئلة سوف تدور بقوة في دائرة الذهن الانساني بحثا عن إجابات تقف بالمرصاد لهذه التصورات المخيفة لمستقبل الانسان، وإلا فلا مناص من أن يغدو البشر جميعهم متشائمين مثل شوبنهاور!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرايا القدس: خضنا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال في محور ال


.. تحليل اللواء الدويري على استخدام القسام عبوة رعدية في المعار




.. تطورات ميدانية.. اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحت


.. ماذا سيحدث لك إذا اقتربت من ثقب أسود؟




.. مشاهد تظهر فرار سيدات وأطفال ومرضى من مركز للإيواء في مخيم ج