الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمل الجنسي (الدعارة) مقاربة نظرية

أخصاصي عبدالله

2015 / 1 / 10
ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس


العمل الجنسي (الدعارة) مقاربة نظرية:
بغض النظر عن استحضار الأشكال التي اتخذتها ظاهرة العمل الجنسي في المجتمعات السابقة وعن صيرورتها التي أذت بها لإتخاذ الشكل الحالي في المجتمع المغربي المعاصر ،سوف أتقدم بمقاربة نظرية علها تكون أقرب ما يكون إلى المنطق الواقعي الذي تتخذه هذه الظاهرة في مجتمعنا المغربي المعاصر بوصفها أحد المتاهات التي طالها النسيان العلمي السوسيولوجي باستثناء إذا ما استحضرنا البحوث السوسيولوجية التي أجريت في خضم هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة.
عموما في مقاربتي النظرية هاته لهذه الظاهرة سوف أرتكن بالأساس إلى إحدى فروع السوسيولوجيا ألا وهو السوسيولوجيا الثقافية ،بدء ذي بدء لابد لي من استحضار التعاريف التي منحت للثقافة من منظور سوسيولوجي صرف ، لكن قبل هذا تجدر الإشارة إلى أن للثقافة ما يقارب ستون ومئة تعريفا وقد أكد هذا أحد الأنثربولوجيين في محاولته لتحديد تعريف جامع لها ،ويعتبر تعريف الأنثروبولوجي البريطاني إدوارد تايلور للثقافة أشهر تعريف لها حيث لخص هذا المفهوم في كونه ذاك الكل المركب ويقصد هنا التقاليد الأعراف و التقنيات وكل ما هو نمط عيش يختص به الإنسان ،انطلاقا من هذا كله يتضح لنا أن مفهوم الثقافة كان محط جدال ولبس لدى الكثير من العلماء باختلاف مشاربهم ومستوياتهم العلمية ،لهذا فمن البديهي أن تختلف هذه التعاريف التي حددت للثقافة باختلاف المرجعيات التي يستند إليها كل عالم حاول وضع تعريف شامل مانع للثقافة ، والحق أن هذه الأخيرة لكونها مفهوم مرن تختلف أشكاله من حقبة إنسانية إلى أخرى فإنه شيء عادي أن تختلف التعاريف التي أعطيت له. وحينما نأتي لمحاولة وضع تعريف لمفهوم الثقافة من زاوية سوسيولوجية محضة فإنه لا يمكننا الإستغناء عن تلك التعاريف التي خرج بها الأنثروبووجيين باعتبار أن الثقافة ضرورة لا غناء عنها في الوجود الإنساني لأنها تختزل النظرة الوجودية للإنسان في زوايا كثيرة ،ولا يمكن التحدث عن المجتمع الإنساني بعيدا عن الثقافة ،إذا الثقافة نتاج اجتماعي من خلالها يمكننا تحليل الظواهر الإجتماعية وتفسير العلاقات التي تآصر بين أفراد المجتمع. وعليه فإن الثقافة وسيلة مهمة لسبر أغوار المجتمع وفهم ظواهره لأنها تحتوي على كل قيمه والأفكار التي يتبناها للعيش كما أنها تحدد سلوكياته ونمط عيشه وتخول له اتخاذ قرارات حسب معايير محددة .
فلا شك إذا أن العمل الجنسي الدعارة يتغلغل في القيم الجماعية باعتبارها إحدى جوانب الثقافة ،ويؤكد هذا الطرح الدراسة الكرنولوجية لهذه الظاهرة في مختلف المجتمعات الإنسانية ،ودون الغوص في استحضار هذه الأشكال التي اتخذها العمل الجنسي في الحقب التاريخية السالفة ،سأكتفي بمقاربة هذا الشكل الذي آلت إليه اليوم في المجتمع المغربي المعاصر من منظور سوسيولوجيا الثقافة ذلك بالتركيز على دور القيم الثقافية التي تم تمريرها لأفراد سواء بشكل شعوري أو لا شعوري بواسطة آليات التنشئة الإجتماعية التي تحدث عنها بيير بورديو .
ومن المعروف أن الجنس بشكل عام يعتبر من إحدى الجوانب المتستر عليها في المجتمع المغربي المعاصر نظرا لعدة أسباب ترجع بالدرجة الأولى إلى القيم والأفكار الدينية التي يعتنقها المواطن المغربي ،لذا فلا عجب أن يكون الجنس شيئا مدنسا من منظور الثقافة السائدة حاليا في مجتمعنا وحاجة منبوذة عقابها شديد ، فيكفي النظر إلى العاهرة كيف يعاملها المجتمع ككل باعتباره يستند في الحكم عليها على القيم المشتركة التي تحدد ماهو مدنس وما هو مقدس وشريف إن صح التعبير ،وهنا سندخل في موضوع آخر يهم وضعية المرأة داخل المجتمع المغربي المعاصر وسنعرج على هذا الموضوع فيما يلي لأنه مهم بالنسبة لنا في مقاربتنا هذه.
ولا أنسى أنه يجب أن نقيم هوة سحيقة بين مفهومي الجنس و الجنسانية ، فالأول هو حاجة بيولوجية في الإنسان مردها أن هدفها هو الحفاظ على النوع البشري لذالك فالجنس هو سمة بيولوجية ولا يمكننا قط تفنيذ أو رفض فكرة الممارسة الجنسية ،لكن السؤال الأهم الذي بواستطه سنعرف الجنسانية هو : لما يلجأ الأفراد المتزوجون المتدينون أو اللامتدينون إلى ممارسة العمل الجنسي باعتبارهم قد منحت لهم الفرصة لممارسة الجنس ؟ ما السبب يا ترى؟
إنه إشكال حقيقي يستدعي نوعا من التريث والتمحيص في فكه ومناقشته، إذا ما رجعنا إلى النظرة الثقافية التي ينظر بها المجتمع المغربي المعاصر إلى الجنس فإن هذه النظرة ستعطينا جوابا كاملا ،
إن العلاقة الحميمية التي تجمع بين الزوج والزوجة هي الأخرى تخضع لمعايير وضوابط مستمدة من الثقافة نفسها لذا فلا عجب أن يلوذ الزوج بالفرار إلى ممارسة العمل الجنسي كما قد تفعل الزوجة نفس الشيء ،إن عدم تحقيق اللذة الجنسية المطلوبة في العلاقة الحميمية التي تجمع بين الزوج والزوجة هي سبب ممارسة العمل الجنسي الدعارة من كلا الطرفين ، فالجنسانية تتحدد من هذا المنطلق إذا ،هي الإستلذاد بالجسد ومداعبته بشكل جنساني حر تؤذي هذه المداعبة إلى الرضى والوصول إلى قمة اللذة الجنسية .هذا بالضبط ما تفتقر إليه العلاقة الجنسية التي ترتبط بين الزوج والزوجة ،وهذا ما يحققه كلا الطرفين في ممارستهما للعمل الجنسي ،الخلل إذا يكمن في الثقافة التي يعتمد عليها الأفراد في هذه الممارسة ، في اعتقادنا إنها السبب الوحيد المؤذي إلى انتشار العمل الجنسي ،لأنه لو توفرت في الثقافة التي تحكم وتحدد سلوكيات الأفراد داخل المجتمع قيم وإرشادات تنظم بشكل سلس ومنطقي تحقق مطلب كلا الطرفين في العلاقة الحميمية لما انتشرت هذه الظاهرة بهذه الوتيرة التي أصبحت عليها اليوم في المجتمع المغربي المعاصر ،هنا إذا نلاحظ دور الثقافة في النهوض بالمجتمعات نحو الرقي. على العموم قد يشير كل من يقرأ هذا المقال إلى أنني قمت بتضييق المجال في ممارسة العمل الجنسي أو البغاء على الأفراد المتزوجين دون سواهم ،لكنه في الحقيقة حاولت في البداية وضع القارئ في وضعية تخول له فهم انتشار هذه الظاهرة في صفوف الشباب أو الأفراد غير المتزوجين .
هنا سأشير إلى فكرة مفادها أن سبب عدم إقبال الشباب على الزواج يرجع بالأساس إلى هذا الأمر ،أي أنهم يعلمون جيدا تلك القيم التي تحكم طبيعة العلاقة الحميمية بين الزوج والزوجة ولا يرغبون في أن يقيدوا أنفسهم بالزواج قبل أن يحققوا ما يكفي من اللذة الجنسانية عن طريق العمل الجنسي الدعارة ،إلى جانب هذا سأشير إلى الدور الذي يلعبه النظام الرأسمالي في المتاجرة بجسد المرأة عن طريق الإعلانات والإشهارات وغير ذلك كسبب وجيه يفتح الآفاق لذى الشباب في ممارسة العمل الجنسي ،
انطلاقا من هذا سنفسر تلك الرؤية التي تعتقد أن الوضع المادي للمرأة يؤذي بها إلى إمتهان جسدها للحصول على قوت عيشها ،صحيح أن هذا الأمر يبدو منطقيا ،لكن ما تفسيرنا لتلك المرأة البورجوازية التي تأتي بشاب إلى منزلها ربما كان عشيقها الجنسي أو أنها أتت به من المحلات الذين يقدمون مثل هذه الخدمات لأمثالها لممارسة الجنس في طابعه الجنساني معه، هنا مرة أخرى أعود إلى دور الثقافة التي تزيد من حدة هذه الظاهرة ، فلو أن الرجل سواء كان متزوجا أو غير متزوج لُقن تربية في كيفية ممارسة الجنس لما ذهب إلى اكتراء جسد تلك المرأة المهمشة فكريا وماديا كمسكن لعضوه التناسلي الذكري ،الأمر نفسه ينطبق على تلك البورجوازية.
للثقافة دور مهم جدا وهنا أستحضر عبد الصمد الديالمي السوسيولوجي المغربي الذي تناول هذه الظاهرة بمقاربات ميدانية سوسيولوجية ،الذي أكد على أنه كما تشمل جميع القطاعات داخل المجتمع تغييرا نحو الحداثة فإن الأمر ذاته يجب أن يكون فيما يخص الرابطة الجنسية التي تآصر بين المتزوجين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: انقسام الجمهوريون وأمل تبعثه الجبهة الشعبية الجديدة


.. هل تتجه فرنسا نحو المجهول بعد قرار ماكرون حل البرلمان وإجراء




.. حزب الله.. كيف أصبح العدو الأكثر شراسة لإسرائيل منذ عام 1973


.. ترامب ينتقد زيلينسكي ويصفه -بأفضل رجل مبيعات-| #أميركا_اليوم




.. تصادم قطارين في الهند يودي بالعشرات