الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-حبيبتي بكماء-: مراجعة نقدية لرواية الكاتب السعودي محمد السالم

مصلح كناعنة

2015 / 1 / 10
الادب والفن


اختطفني هذا العنوان بمُجرَّد أن وقع نظري عليه، فلأول مرة تحظى هذه الفئة المُهَمَّشة المظلومة برواية عربية تضعُها في موقع البطولة وتكرِّس لها موضوعها وعنوانها، فقلتُ في نفسي : أخيراً يتجرأ رجل في هذا المجتمع على أن يُشْهِر حبَّه لامرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن المُؤكد أنه يُؤلف هذه الرواية كي ينتقد المجتمع ويدين موقفه اللاعقلاني المُجحف من هؤلاء البشر. وبالفعل عثرتُ في الرواية على جملة يقول الكاتب فيها: "يشتد حزني كلما ذكرتُ أن مجتمعنا كله وقف ضدنا صارخاً: "لا يليق برجل سليم أن يرتبط بأنثى ناقصة"... يُحزنني أن امرأة مثلكِ طاغية الجَمال وحسنة الصفات لا تملك فرصاً كثيرة لتحيا كما تريد ومع مَن تريد."

ولكن هذا كل ما هنالك، وعدا ذلك فليس هناك في هذا النص إلا خيبة الأمل. والواقع أن هذه هي أول مرَّة أكتبُ فيها عن رواية كي أمزّقها إرَباً وأبدِّد هالة الشهرة الهائلة التي تكوَّنَت حولها دون حق أو استحقاق. فهذه الرواية لهذا الشاب السعودي نُشرَت أول مرة في حيزران 2013، وبعد شهرين فقط نفذت من الأسواق فأعيدت طباعتها، وخلال عامين فقط أعيدت طباعتها 13 مرة وبيع منها عشرات الآلاف من النسخ، وهذا رقم قياسي لم تحظَ به في العالم العربي أعظم الروائع الروائية لأكبر المؤلفين، عربا أو غير عرب، وهي في حقيقة الأمر نص هزيل لا يستحق أن يُنشَر ولا أن يُقرأ. وبعد قراءتي لها أستطيع أن أجزم أن هذا التهافت الهستيري عليها لا يمكن أن يحدث إلا في جمهور وصل ذوقه الأدبي إلى الحضيض فيَستهلك الأدب كما يستهلك الوجبات السريعة التي يتلذذ بمذاقها دون أن يُفكر لحظة بمساوئها وسلبياتها.

وقبل أن أتَّهَم بالقسوة غير المبررة، دعوني أشرح الأسباب التي تدعوني إلى هذا التقييم السلبي:

1) من الخطأ أن يُدعى هذا النص "رواية"، فكيف يكون رواية والكاتب يُخبرك بالنتيجة منذ الصفحة الأولى فيَقتل عنصر التشوق لديك؟! وحين تتنازل عن التشويق وتكتفي بالرغبة في معرفة التفاصيل، تجد أنَّ التفاصيل تسير باتجاه مُغاير لما حضَّرَك الكاتب له، فما يَدّعيه الكاتب في البداية يُناقضه فيما يأتي بعده، وما يبنيه في الصفحات الأولى يهدمه في البقية. ثم إن النص ليس روائياً، وإنما هو مُناجاة ذاتية أقرب ما تكون إلى نحيب الأطفال وشعبطات المراهقين، يُكدِّسها الكاتب كيفما اتفق فيما يدعوه "رسالة" إلى من يدعوها حبيبته بعد أن خذلها بجبن ودناءة، وبعد أربعة أعوام من الطيش جلس يكتب لها هذه "الرسالة/الرواية" في شقة "اتخذها ملجأ له عندما يكتب لحنين... أو عندما يلتقي بفتاة أخرى" كما كتب في الجملة الأخيرة بكل عنجهية وصفاقة.

2) من المفروض أن تكون هذه قصة عن علاقة حب، فالمؤلف يَدعو الفتاة البكماء "حبيبتي"، ويتهالك في 127 صفحة ليوهم القارئ بأنه مُغرَم بها ومَجنون بحبِّها. ولكن يبدو واضحا أن هذا الشاب السعودي يَخلط بين الحب والجنس فيظن أن الحب ما هو إلا شهوة الجسد، فهو "وقع في حب هذه الفتاة" بمجرد أنه رأي قوامها الأنثوي المغري ملفوفاً بالجلباب وعينيها الشهوانيتين من خلف النقاب، دون أن يَعرف عنها شيئا أو يتواصل شعوريا معها، ولم يلتقِ بها إلا لقاءات جسدية شهوانية، مرة في غرفة الغسيل ومرات على "سكايب". وبمجرد أن مانعتْ أمه زواجه منها تركها بشكل موجِع حقير وذهب ليرتمي في أحضان أول امرأة لعوبٍ عرضتْ جسدها عليه، فهل نسمي هذا حبا؟ إنها لَمُصيبة إن كان شباب هذا الجيل يعتقدون أن هذا هو الحب. إنه هوَس شهواني مَرَضي لشاب سعودي مَحروم.

3) إن الشاب يُلقي اللوم كله في "مأساته" على المُجتمع الظالم الذي يَمنع الارتباط بين رجل سليم وامرأة بكماء، ولكنّ الشاب لا يحاول أن يتحدى هذا المجتمع ولو لمرَّة واحدة، وكل "عشقه" لهذه الفتاة لم يكن كافياً ليُكبِّد نفسَه ذرّة من المخاطرة من أجلها. فبمجرد أن رفضت أمه زواجه منها وهددته بسحب رضاها الأمومي منه والاشتكاء عليه إلى الله في الآخرة، انهزم واستسلم ورضي بحكم المجتمع وأدار ظهره للفتاة بكل صَلَف وحقارة، وراح يشتكي من الأقدار: "ماذا عساي أن أفعل أمام قدري؟ ماذا عساي أن أفعل وأنا رجل شرقي لا يتزوج مَن يحبها إلا برضى أمه وتبريكات عشيرته؟... هكذا كان قدرُنا، أنْ أحبك ثم أراك ترحلين..." فما معنى لومه للمجتمع ودموع التماسيح التي يذرفها ونحيب الأطفال الذي يتصنعه إذاً؟! بدلَ أن يلوم المجتمع الظالم وتقاليده الخاطئة، كان حَريّاً به أن يلوم جُبْنَه وانهزاميته ونذالته: "قرأت رسالتك، وبحزن أرسلتها إلى سلة المهملات"!

4) ثم إن الشاب يلوم الفتاة على قساوتها حين تركته!! هو الذي جَبُن واستسلم دون ذرّة من مُقاومة، فأهملها وجافاها دون سابق إنذار وبلا أي تفسير، وذهب ليستمتع مع امرأة على شاكلته، فأرسلت الفتاة البكماء إليه برسالة طويلة تنازلت فيها عن كبريائها وكرامتها ورجته راكعة مُتوسلة أن يعود إليها، وبعد أن أرسل رسالتها إلى سلة المهملات ولم يرُدَّ عليها بكلمة، قبلت بالزواج من رجل أبكم مثلها وعاشت سعيدة راضية مع زوجها وأنجبت منه أربعة أبناء، وبعد كل هذا يعاتب هذا الشاب تلك الفتاة ويتهمها بالقسوة: "أدهشتني قسوتك التي لم أعهدها منك من قبل، أدهشني إفلاتك المفاجئ لحبل الحب بيننا... قرار رحيلك كان ظالماً وقاسياً، قرار لا استئناف فيه"؟! لا يفعل ذلك إلا رجل عربي مُتعجرف في ذكورته فيُطالب المرأة بأن تُقبِّل يده بعد أن يَصفعها بها. بأي حق يلومُها على رحيلها ويتهمها بالقسوة ؟! وهل نسمي هذا "أدباً"؟! أين الذوق الأدبي في هذا؟!

5) بهذا يفقد الكاتب مصداقيته، فهو يدَّعي ما ليس فيه ليخفي حقيقة مواقفه، فهو في الواقع رجل عربي سعودي رجعي التفكير ويشارك المجتمع مواقفه الذكورية الاستعلائية. فهو يصرح دون أن يَطرِف له جَفن: "لكنك أنثى، والإناث ناقصات عقل. ربما خلقكنَّ الله هكذا لتقعنَ في فخ حبنا نحن معشر الرجال، وربما لو كُنتنَّ كاملات عقل لم تُغرَم يوماً فتاة! وعلى نقيض نقصكن، خُلِقنا نحن الرجال بعقول كاملة، من أجل أن نستوعب فكرة الحب والغرام!" هل هذا مدحٌ بما يشبه الذم أم ذمٌ بما يشبه المدح؟ أم هو الحقيقة التي تكشف عن ذاتها رغم أنف صاحبها؟ لقد رأينا أعلاه كيف يفهم هذا الشاب السعودي الحب والغرام، فهل هذا دليل على كمال عقله وخلقه؟!

6) هذا يوصلنا إلى الإيمان الديني المُطلق الذي يَنضح من الكاتب بعفويَّة مُدهشة في كل صفحات هذا الكتاب، ولعلَّ هذا هو الذي يجعل القراء السعوديين والخليجيين يتهافتون على هذه "الرواية" ويكيلون المديح لكاتبها. وليس لديَّ اعتراض على إيمان الكاتب، ولكن لديَّ عِدة مشاكل مع هذا الإيمان حين يَطغى على النص بهذا الشكل ويحتل المركز الأول في التفسير والتأويل والحبكة. فأولاً، ماذا يفعل القاري الذي لا يشارك الكاتب إيمانه المطلق... إيمانه بالمشيئة الإلهية كتفسير لكل شيء، وبأن الإنسان خُلِق من طين، وبأن الله خَلَق المرأة ناقصة عقل وأعطى للرجل حق القوامة عليها والتلاعب بمصيرها كما يشاء؟! ثانيا، هذا إيمان سوقيّ ساذج ومليئ بالمتناقضات المُخجلة، وإليكم بعض الأمثلة: حين يُخبر الشاب أمه برغبته في الزواج من الفتاة البكماء، تعارض أمُّه بشدة وتهدده قائلة: "لن أرضى عليك حتى بعد موتي إن تزوجتَها، وسأقول لربِّي في يوم الحشر أنك خرجتَ عن شوري وعصيتني، وأني لستُ براضية عنك. لعن الله حبك هذا. تحب... بكماء؟!" وخوفاً من هذا التهديد "المُرعب" يَنصاع الشاب لأمِّه وينبُذ "حبيبته". ولكن إذا كان هذا الشاب مقتنعاً حقاً بأنَّ أمَّه مُخطئة وهو على صواب، فلماذا يَعتقد أن الله الذي يؤمن به سيقف بجانب أمِّه المخطئة ويُعاقبه هو على موقفه الصائب؟! هل يعتقد فعلاً أن الله يأخذ جانب الأمهات ضد أبنائهن حتى وإن كنَّ مخطئات؟! ومثال آخر: يقول المؤلف بنوع من الفخر: "تأكد أن الرزق من الله لا من العمل، فاحرص على صلاتك أولا!" وهو يَذكُر لنا أكثر من مرَّة أنه يَحرص على صلاته ويترك "حبيبته" على "سكايب" عند الفجر ليصلي، ولكنه مع ذلك لا يجد حرَجاً على الإطلاق في أن يَصف لنا بالتفصيل (وبنوع من الاعتداد بالذات) أنه كان يُمارس الجنس مع امرأة هي ليست زوجته، وفي نهاية "الرواية" يخبرنا بكل صلف أن لديه شقة مخصصة لمعاشرة الفتيات! أليس هذا "زنى" حسب إيمانه، والزنى من الكبائر التي حرَّمها الله الذي يؤمن به إلى هذا الحد؟! ألا يُذكِّرنا هذا بالرجال السعوديين الذين يخرجون من بيوت الدعارة عند الفجر ويحرصون على الذهاب إلى أقرب مسجد للصلاة؟! أهذا هو الإيمان الذي يريد الكاتب أن يُرَبي عليه الشباب العربي المسلم... إيمان الهرطقة والانتهازية والإباحية والتناقض الأخرَق؟! ألهذا يتهافت الشباب على "رواياته"؟!

7) أسلوب الكاتب في التعبير عن المشاعر فَج وسطحي وساذج، وهو أشبه بثرثرة طلاب المدارس. فحين يعلم الشاب بوفاة والده، على سبيل المثال، يبدأ بالنحيب ويقول: "أبي يا حبيبي، وقدوتي، وشمعتي وأجمل وأكمل وأطهر الرجال في حياتي، من أين آتي بأب ثانٍ، حتى أكبر بين يديه وأتعلم من جميل صنعه؟ أبي، أرجوك عد." ألا يذكرنا هذا بمواضيع الإنشاء الرديئة التي كنا نكتبها في صفوف الابتدائية؟!

8) النص بأكمله مَوْبوء بأخطاء نحوية وقواعدية يندَى لها الجَبين... أخطاء من المفروض أن يَخجل منها شخص يدَّعي أنه أديب يُؤلف رواية باللغة العربية... أخطاء تستخف بالقارئ العربي ولا تفرِّق بين مؤلَّف أدبي منشور وبين خربشات الشباب على الفيسبوك وفي منتديات الإنترنت وبرامج الدردشة الإلكترونية. يكتب المؤلف مثلا: "ترى عرفتي من أكون؟ أم أنك نسيتي كما نسيت؟" هذه الياء القبيحة في نهاية المخاطب المؤنث أصبحت آفة هذا الجيل إلى حد أن يخطئ بها مؤلف روائي! ماذا لو كانت الفتاة هي التي تخاطب الشاب فتقول له: ترى عرفتا من أكون؟ أم أنك نسيتا كما نسيت؟" هل هذا مقبول؟ وأقبح من ذلك، يكتب "بيداي" (بيدي) فيرفع المجرور، و"لم يتبق منها شيئا" (شيئٌ) فيَنصب الفاعل، و"إنْ كنتَ تحبه حقا ادعوا له" (ادعُ له) فيرتكب خطئين بعدم جزم فعل الأمر ثم إضافة الألف وكأنها واو جماعة، و"لا تنظرُ" (تنظرْ) فيحرك الفعل بعد "لا" الناهية الجازمة، و"أنَّ عيناكِ" (عينيك) فيرفع اسم "أنَّ" بدل أن ينصبه، و"قتلتيني، كسرتيني" (قتلتني، كسرتني) فيضيف الياء المشؤومة هنا أيضاً، و"أربعة سنين" (أربع) فلا يعرف قاعدة كتابة الأعداد بالعربية، و"سنيناً طويلة" (سنينَ) فيُصرِّف الممنوع من الصرف. أما قواعد كتابة الهمزة فأنصحه بأن يعود إلى قراءة باب الهمزة في كتاب قواعد اللغة العربية للصف الخامس الابتدائي، ففشله فيها مُخجل جدا: "يُألمه" (بدل يُؤلمه)، "طمئَنت قلبي" (بدل طمأنتُ)، "أتسائل" (بدل أتساءل)، "على نداءك" (بدل ندائك). وإني أتساءل بكل ألم: إلى أيِّ حضيض وصلت لغتنا العربية إذا كان عشرات الآلاف من القراء العرب يقرأون هذا الكتاب دون أن يكتشفوا هذه الأخطاء فيه؟ وكيف تقبل دار نشر محترمة كالدار العربية للعلوم في بيروت أن تنشر 13 طبعة من هذا الكتاب دون أن تصحِّح الأخطاء أو تطلب من المؤلف أن يصحِّح هذه الأخطاء المخزية في كتابه؟ حتى الأخطاء المطبعية مثل "مَقضب الباب" (مقبض)، و"أورقة المشفى" (أروقة)، و"جلعتي" (جعلتِ)، و"الفتسان" (الفستان)، تتكرر من طبعة إلى أخرى عبر 13 طبعة! أليس هذا استخفافاً مهيناً بالقارئ العربي؟!

هذا الكتاب الذي يَحظى بهالة غير مسبوقة من الشهرة بين القراء العرب، لو قدَّمَه إليَّ أحد طلابي للتقييم لأعطيته علامة 15% فقط لا غير؛ 5% لاختيار الموضوع (مع أنه لم يُوفِهِ حقه)، و5% لتصميم الغلاف، و5% لتلك الجمل القليلة التي أفلحَ في كتابتها دون أخطاء. وعلى الرغم من كل ذلك فإنني بكل صدق وجدية أنصحكم بقراءة هذه "الرواية" لسببين؛ أولاً، لأن الفتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة في مجتمعنا يستحققن أن نقرأ عنهنَّ ونلتفت إليهنّ، وثانياً لكي تتأكدوا بأنفسكم من أنني لم أظلم في نقدي هذا الكتاب ولا صاحبه.

بدلاً من "حبيبتي بكماء"، كان يجب أن يكون عنوان هذه "الرواية": "حين يكون الشاب جباناً وحقيراً وبلا رجولة".

(بيروت، الدار العربية للعلوم، 2014)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل