الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج 8 من 8

حازم نهار

2005 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


6- الخروج من النفق المسدود:
نحن في الحقيقة أمام حالة عجيبة: خارج يريد أن يغير و يمتلك القدرة على الفعل، ولكنه سيغير انطلاقاَ من مصالحه و على هواه، وهذا مفهوم و طبيعي، وداخل (حكومات وقوى سياسية وشعبية ) رافض لمصدر التغيير . سلطات لا تريد أن تغير أصلاَ ، ولكنها أرغمت على ركوب موجة التغيير ، و هي تمتلك القدرة أيضا ، لكن أقصى ما تريده هو إضفاء تغييرات وتحسينات جزئية وحسب ، وبشكل يتوافق مع استمراريتها ، بل هي تتعامل مع "مسألة التغيير" على أساس أنه بدأ ، أما وتيرته فلا بد أن تتم بما يتناسب مع ظروف كل دولة ، ومع التحديات التي تجابهها ، وبشكل لا يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي ، أي استقرار الأنظمة . أما القوى السياسية ( في الداخل والخارج ) فهي عاجزة ومشتتة .
هذه الصورة تتكرر في بلدان عربية عديدة ، وحصيلتها في عالم السياسة صفر .
السؤال المركزي بعد محاولة استكشافنا لهذه الإشكالية في كافة أبعادها ومستوياتها، و بعد محاولة قراءتنا للوحة السياسية بكافة مفرداتها، هو : كيف يمكن حل هذه الإشكالية وتخفيف درجة حدتها في تشكيل الاصطفافات وفرز القوى السياسية والفئات الاجتماعية لصالح حضور الاعتبارات الداخلية وإعادة التكوين بناء على البرامج الداخلية ورؤية الجميع للأهداف والآليات التي يمكن من خلالها حل الأزمات الداخلية ؟ .
بمعنى آخر كيف يمكن إعادة توحيد الحقل السياسي والمجتمعي والخروج من حالة التشظي والتمزيق الحادث بسبب هذا الحضور المكثف ، الواقعي ، الحقيقي للخارج في مجتمعاتنا ؟ شريطة أن يكون هذا التوحيد صحياَ، لا بالاستناد إلى دوافع مرضية بفعل الشعور بالخطر الذي يمثله الخارج، وأن ينطلق هذا التوحيد من قناعة أساسية هي وحدة التنوع ؟ . هل نحلم ونحن نطرح هذه الأسئلة أو بالأحرى الرغبات ؟ ؟
هذه الرغبات تتطلب جهوداَ وحوارات ضخمة وعميقة حول الفكر العربي والثقافة العربية، وهذه جميعها تحتاج إلى بيئة سياسية صحية ومناخ ديمقراطي من جهة ، وتحتاج إلى وقت طويل من جهة ثانية . لكن ينبغي التأكيد على أن حل هذا الإشكال الفكري السياسي، في هذه اللحظة السياسية، لا بد أن يكون بأدوات السياسة وآلياتها بالدرجة الأولى ، وليس من خلال الأيديولوجية التي لن يكون بإمكانها تقديم أي فائدة واقعية أو منتجة في خلق الحلول المناسبة .
القوى السياسية التي تمارس السياسة ممارسة أيديولوجية لا تتبدل مواقفها تبعا للحظات السياسية المختلفة، و هذا ثبات سلبي قاتل، فقد تجرنا هذه القوى إلى متاهات عديدة أو تسير بنا إلى طرق مسدودة. أما القوى السياسية التي تمارس السياسة بالاستناد إلى المعطيات الواقعية المتغيرة، فإن مواقفها السياسية تكتسي طابعا براغماتيا صحيا و طبيعيا، فعندما نكون في حالة راحة لنقاش علاقة الداخل بالخارج تختلف مواقفنا عن تلك التي نصدرها في وضع أو حالة يصبح فيها الخارج موجودا في الداخل أو على أبوابه . هذا يفترض ضرورة الاتفاق على إطار عام لمعالجة هذه الإشكالية، و بما يهدف إلى التقليل من تباينات المواقف السياسية لدى مختلف القوى و الأحزاب في اللحظات السياسية المختلفة إزاء الخارج و سياساته، الأمر الذي يعفينا، فيما لو حصل، من المزيد من التشظي للحركة السياسية.
يمكن للأفكار السياسية التالية أن تسهم جزئياَ في الخروج من النفق، وإعادة توحيد بعض التيارات والقوى السياسية على أسس ديمقراطية:
1 – يمكن أو ينبغي على القوى السياسية المتباينة أن تتوافق على برنامج سياسي يستجيب للحظة الراهنة، و بما يحد أو يخفف من أثر الخارج وتأثيره في صياغة مستقبل أوطاننا على هواه، دون التخوف من حدوث تقاطع أو توافق بين هذا البرنامج مع ما يعلن عنه الخارج أو مع ما يريده صراحة . أي لا بد من التوصل إلى برنامج حقيقي للتغيير الديمقراطي تتقاطع عنده أوسع القوى على اختلاف انتماءاتها الأيديولوجية . هذا البرنامج هدفه تشكيل قطب معارض ديمقراطي واضح المعالم من حيث القوى المنضوية فيه والساعية إليه، ومن حيث تحديد عناصر التغيير الديمقراطي وعناوينه وآلياته ووسائله.
2 – وضع استراتيجيات عملية تفصيلية للسير في التغيير الديمقراطي، أي تحويل البرنامج المتفق عليه إلى خطوات سياسية تدريجية محسوبة و مرتبطة بالزمن .
3 - التعامل مع قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان بوصفها القضية المركزية الناظمة لعمل جميع القوى والتيارات، وتأجيل الشعارات السياسية الأخرى المطروحة على اعتبار أنه من جهة لا يمكن خدمة هذه الشعارات سياسياَ في هذه المرحلة، وأنها من جهة ثانية تصب بشكل أو بآخر في خدمة استمرار الأنظمة الاستبدادية التي تدعي خدمة هذه الشعارات.
هناك معادلة تطرح في الساحة السياسية، حيث هناك بعض القوى تقول "مقاومة الاستبداد لها الأولوية على ما عداها"، و لذلك تنتقد القوى الأخرى التي يختلط عندها الدفاع عن الوطن بالدفاع عن الاستبداد، و هناك قوى ترى أن "مقاومة الإمبريالية و الخطر الخارجي لها الأولوية"، و لا تريد أن تكون كما يقال كالمستجير من الرمضاء بالنار ، و قوى أخرى تريد مقاومة الاستبداد و الخارج معا. الحل ليس في هذه التحديدات القطعية، و إنما بوضع مبدأ عام بالاستناد لقراءة التاريخ و اللوحة السياسية و حاجات مجتمعاتنا، ثم البحث عن آليات لخدمة هذا المبدأ سياسيا، دون النظر إلى أي ابتزاز من أي نوع، سياسيا كان أو أخلاقيا، و من أي مصدر كان.
هذا المبدأ باعتقادي هو "قضية الديمقراطية و حقوق الإنسان" في منطقتنا. أما كيفية خدمة هذه القضية فإنها تتبع اللحظة السياسية، فلكل لحظة حساباتها و مقتضياتها و إمكانياتها الواقعية. المهم و الأساس هو التصرف على أساس خدمة هذه القضية الأساسية.
4 – بناء علاقة صحية مع الآخر ، أي الخارج ، خالية من عقد النقص والإهانة و الانجراح الحضاري ، وإطلاق عملية حوار مستمرة مع الخارج بكافة مستوياته وعناصره ، أي الحوار مع منظماته وجمعياته وحكوماته وهيئاته الدولية وغيرها . هذا الحوار ينطلق من أسس عديدة ، أولها الثقة بالذات ، وثانيها عدم الخضوع للابتزاز الذي تقوم به الأنظمة الاستبدادية في هذا الإطار أو القوى الأيديولوجية التقليدية ، وثالثها وضع أساس للحوار هو المصالح الوطنية لدول المنطقة ، ورابعها التعامل بسياسة إيجابية مع مبدأ الضغط الخارجي، على أن توضع له معايير عامة تنطبق على جميع دول العالم ، ويكون تحت إشراف الأمم المتحدة ، ومحصوراَ في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ، و بمعنى آخر قبول مبدأ استخدام الضغوط الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية المنسجمة مع مصالح شعوب المنطقة، أي تلك الضغوط المؤذية للعناصر الفاسدة في الأنظمة الحاكمة، و المتوافقة مع التوجهات الديمقراطية و تحسين أوضاع حقوق الإنسان في منطقتنا، وخامسها رفض مبدأ التدخل العسكري لفرض أي تغيير من أي نوع طالما لم يتم إصلاح هيئة الأمم المتحدة، لتكون هيئة ديمقراطية قادرة على القيام بمهامها دون الخضوع لإرادات الدول الكبرى، و هذا على ما يبدو ما زال بعيدا، وسادسها التأكيد على أن الحوار مع الخارج لا يعني استدعاء الخارج ميكانيكياَ إلى منطقتنا وبلداننا ، إنما يعني التأثير في هذا الخارج من منطلق مصالحنا الوطنية، و بالتالي الحد من أثره السلبي على دولنا و مجتمعاتنا، وسابعها التخلي عن الشعارات السياسية المنطلقة من العداء المطلق للخارج ، كشعار " عدم الاستقواء بالخارج " ، الذي أراه شعاراَ زائفاَ ومضللاَ من الناحية المعرفية والثقافية ، ويعبر عن الكثير من الغباء السياسي . إن عدم الحوار مع الخارج بكل دوله ومؤسساته ومنظماته وهيئاته الدولية لا يطمئن النظام العالمي إزاء القوى السياسية الموجودة داخل دول المنطقة ، وسيظل ينظر إليها بعين الشك والريبة . وثامنها لا بد لهذا الحوار أن يتسم بإتقانه لمنطق العصر والعالم ، وأن يتوافق مع بديهياته الفكرية والسياسية والاقتصادية. هذا الحوار مع الخارج لا يعني فحسب اللقاء على طاولة للنقاش ، بل يعني بالدرجة الأولى مخاطبته بلغة العصر، والتخلي عن مجمل عناصر الخطاب الذاتي الذي لا يفهمه إلا أصحابه ، ولا يؤثر في الثقافات والسياسات العالمية أي تأثير، وبحيث نصبح جزءاَ من العالم ، ومندمجين معه ، ومساهمين في الثقافة العالمية ، لا خارجين عن نواميسه وقوانينه ومنطقه ، و هذا يعني فيما يعني الرفض الواضح للإرهاب والفعل الإجرامي أيا كان مصدره و مبرراته و أهدافه، فليس صحيحا أن "عدو عدوي هو صديقي دائماَ" ، و ليس كل من يقف ضد الولايات المتحدة يمكن أن يقدم خطوة إيجابية أو منافع لمشروعي الوطني الديمقراطي . وتاسعها التأكيد على الوقوف ضد عناصر الهيمنة بكافة مستوياتها العسكرية ( الاحتلال ) والاقتصادية ، وغيرها ، وعاشرها التأكيد على أهمية توسيع دائرة المجتمع المدني العالمي المندمج أو المرتبط بشبكات تتجاوز الدول والحدود ، وأهمية مساهمة هذا المجتمع بقواه المحلية والعالمية على القيام بمقاومة سلمية ديمقراطية ضد عناصر الهيمنة والاستغلال والاستبداد في العالم أياَ كان مصدرها ومستواها .
هذه الأفكار ، سواء التي تتعلق بالمستوى الداخلي ، أو تلك التي تتعلق بآليات التعامل مع الخارج ، ننظر إليها بوصفها كلاَ واحداَ موحداَ ينسجم مع منطق سياسي حديث ومفيد و قادر على تشكيل خطاب سياسي ناضج و منتج ، ولا يمكن التعامل مع أي من مفرداتها لوحده ومعزولاَ عن العناصر الأخرى دون الوقوع في الخطأ السياسي أو في خانة سوء الفهم المقصود أو غير المقصود.
- انتهى –
حازم نهار
10 / 7 / 2005

كلمة أخيرة:
يعتبر موضوع "إشكالية العلاقة بين الداخل و الخارج": من المواضيع التي تتطلب تناولا جديا من أجل بلورة وجهة نظر واضحة حولها.
بالإمكان التعامل مع حلقات الدراسة السابقة من خلال واحدة من الطرق التالية:
1- كتابة ملاحظات نقدية حول جميع محطات الدراسة و المستويات التي تناولتها.
2- تناول أحد فصول الدراسة بالنقد التفصيلي أو طرح أفكار جديدة في إطاره.
3- وضع الدراسة جانبا و كتابة مقال أو بحث جديد حول العنوان نفسه.
4- أي طريقة أخرى يتم اختيارها.
يمكن تلقي المشاركات حتى يوم 15/9/2005 ، على الإيميل التالي: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يهدد.. سنجتاح رفح بغض النظر عن اتفاق التهدئة | #رادا


.. دلالات استهداف القسام لجرافة عسكرية إسرائيلية في بيت حانون ف




.. من هو -ساكلانان- الذي نفذ عملية طعن بالقدس؟


.. أخبار الساعة | غياب الضمانات يعرقل -هدنة غزة-.. والجوع يخيم




.. مستوطنون إسرائيليون يعترضون شاحنات المساعدات القادمة من الأر