الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسبوع آخر في حديقةِ الموتِ,,, سجن الصحافة

كهلان القيسي

2005 / 9 / 8
حقوق الانسان



ترجمة كهلان القيسي*

هناك الآن بغدادان واحدة في المنطقةُ الخضراء المحمية بصورة منيعة حيث يَعِيشُ المسؤولين الأمريكيينَ والعراقيينَ، والأخرى المنطقةُ الخطرَة، حيث يعيش بقية الشعب, حيث أرسل تقريري هذا من خلف جدران التحالف الخرسانية.
الاندبندنت 21 آب 2005: في يوم الاثنين، كَانَ جورج بوش يَمتدحُ السياسيين الطائفيينَ الطمّاعينَ هنا - الذين أخفقواَ كلياً في الإلتِزام بالموعد النهائي للدستورِ العراقيِ الجديدِ - لجُهودِهم "البطوليةِ" لترسيخ"الديمقراطيةِ". في نفس الوقتِ، صادفتُ صديقا في أحد أفضل فنادقِ بغداد المعروفة. وهو نائبُ المديرَ وأنا عَرفتُه لأكثر مِنْ ثلاث سَنَواتِ، لَكنَّه يبدواَ الآن وكأنه اكبر مرّتين من عُمرَه. شد ذراعَي ونُظِرَ في وجهِي وقال "يا سّيد روبرت، "هَلْ تُدركُ بأنّني إختطفتُ؟ . كُلّ يوم لي في بغداد أُصادفُ أصدقاءَ عراقيين لهم أبناءُ عم أَو آباءُ أَو أبناءُ مختطفين - في أغلب الأحيان يطلق سراحهم. وأحياناً يَقْتلونَ وأنا أَذْهبُ إلى عوائلِهم لإبْداء تلك التعازي التي تكون مؤلمة لي. لأنه أَنا غربي، يَصِلُ ليقَول لهم هكذا نحن آسفينِ وهم الذين يَلُومونَ الغرب على الفوضويةِ الذي قَتلت أحبائَهم.
غياب التشخيص في هذا التقريرِ يبين بأننا جميعاً نحتاجَ لمعْرِفة ما هو الإرهابِ الذي يلف بغداد ألان.
الصديق الجيد الآخر, هو أستاذ جامعي، زارني لشرب القهوةِ في اليوم التالي.ويقول. "" كُنْتُ أُراقبُ الامتحانات النهائية في قسمِ عِلْمَ اللغة الإنكليزية و رَأيتُ أحد الطلبة يغَشّ في الامتحان. مَشيتُ إليه وقُلتُ له بأنك تغش. قالَ الطالب لا لم اغش. أخبرتُه بأنني سآخذ دفتر الامتحان منه, ثم قال لي إن فعلت ومنعتني من أداء هذا الامتحان هذا سأقتلك, ثم ذَهبتُ إلى رئيسِ القسمِ. إعتقدتُ بأنّه سيُعاقبُ هذا الطالب ويصادر دفتر امتحانه. لَكنَّه تَكلّمَ معه وبعد ذلك قالَ بأنّ يُمْكِنُه أَنْ يُواصلَ الامتحان تصور رئيس قسمي أفشلني وأحبطني بالكامل."" صديقِي الأستاذُ هذا يَحبُّ الأدب الإنكليزي، لَكنَّه ألان يواجه مشكلة جديدةُ.يبينها:
"العديد مِنْ الطلابِ الآن أصبحوا متشددين وذووا توجهات إسلامية متطرفة. يُريدونَ أن تكون دروسهم حسب تعاليم دينِهم. لكن لا يمكنني أن افعل ذلك ماذا يمكن أَنْ افعلُ؟ أنا لا أَستطيعُ نهائيا ألان تَعليمهم الفلسفة الوجوديةِ لأنه سَتصور بأنها معاداة للإسلام - وهذا يعني لا يمكن أن نتطرق إلى سارتر أبدا. هؤلاء الطلبة أنفسهمِ يَسْألونَني عن الرسالةِ الدينيةِ في مسرحيّاتِ يوجين O Neill. ماذا يمكن أَنْ أَقُولُ؟ أنا لا أَستطيعُ التدريس أبدا. هَلْ تَفْهمُ هذا؟ أنا لا أَستطيعُ التَعليم ألان." منذ "تحريرِ" بغداد في أبريل/نيسانِ 2003, هناك180 أستاذا ومعلّما اغتيلوا في العراق. وبعد فترة قليلة من زيارةِ أستاذِي، تلقّى مكالمة مِنْ إحدى زملائِه. وكان الخبر:
" لقد اختطفوا السيد أمين ياسين وابنه قبل يومين. ونحن لا نَعْرفُ أين هم ألان." أمين ياسين لم يكَنَ، مثل البعض مِنْ زملائِه، بعثيا سابقا. بل هو أستاذ لغويا متقاعدا كان يدرس القواعدَ في قسمِ اللغة الإنجليزيِة في جامعةِ بغداد. ابنه وعمره 30 سنةً مدرس ثانوية عامة. تم خطف الاثنين في حيِّ Khavraha، على بعد سبعة أميالِ غرب بغداد.
يوم الخميس، وفي محطةِ حافلات النهضة، انفجرت قنبلتان مزّقتاُ 43 شخص إرباً إرباً - تقريباً معظمهم من الشيعة – وأخرى في باب مستشفى الكندي، أقرباء الضحايا كانوا يَصْرخونَ وهم يُحاولونَ أَنْ يتعرفوا على جثث المَوتى. إنّ المشكلةَ هي بأنّ مجهزي الجنازات لا يَستطيعونَ جمع كل أطراف الجثة الواحدة، وفي بَعْض الحالاتِ، لا تتلاءم هذه الأطراف مع الجثث.
اتجهت إلى فندقِ فلسطين حيث هو المقر الرئيسي لوكالاتِ الأنباء الغربيةِ. آخذُت المصعدَ إلى الطوابق العلياِ فقط يمكنك الوصول إليها عبر اجتياز تفتيش من حارس وحائط فولاذي واسع الذي يَسْدُّ ممرَ الفندقَ. اخذ يُفتّشُني، ويحدق في بطاقتِي وبعد بضعة دقائق حارس عراقي أخر يُحدّقُ بي من خلال شباكه ويَفْتحُ باباً حديدياً. أَدْخلُ لأواجه الحائطِ الفولاذيِ الواسعِ الآخرِ أمامي. عندما أغلقَ البابَ الخارجيَ, فتح الباب الداخلي ووجدت نفسي في ممرِ الفندقِ القديمِ القذر
إنّ مراسلي الصحف يقبعون في غرف الفندق الضبابية ذوات الشبابيك الصغيرة التي منها خلالها يُمْكِنُهم أَنْ يَشاهدوا نهرَ دجلةَ. وقد اعترف أحد الموظفين الأمريكانِ بأنه لم يخرج خارج الفندق منذ شهور، إلا إن المراسلين العرب يقومون بتزويدهم بالتقارير وان المراسلين الأمريكان الذين يزورون بعض المناطق العراقية يقومون بذلك بصحبة الجيش الأمريكي كجزء من هذا الجيش, ولا يستطيع أي مراسل من هذا المكتب الصحفي أن يغامر بالنزول إلى الشارع في بغداد وهذا في الحقيقة ليس عملا صحفيا فندقيا- كما وصفته مرة -بل هذا سجن للصحافة.
أحد الصحفيين الأمريكان، صديق لي كبير في السن وشجاع مِنْ أيامِ بيروت،. " يَقُولُ. إنظرْ إلى هذا، Fisky، "" إن الذي نحصل عليه مِنْ الأمريكان هذه الأيام ألان هو نوعُ من الهراء،هذا الذي يُريدونَنا أَنْ نَكْتبَ عنه" بيان صحفي صدر مِنْ مكتبِ التحالف الصحفيِ الخبراء في خلق الإشاعات يقولون إن القوات الخاصة في بغداد....... " من الفكاهة إن النكته" تسبب براميل من الضحك .
أَرْجعُ أطوف في شوارع بغداد. لقد كان هناك ازدحام مروري شديد, لماذا؟ لأن الحرس الوطني العراقيَ – العراقيون الذين دربهم الأمريكان الذين يَفترض بهم أن يتولوا مهنةِ رامسفيلد ويَتْركونَ القوات الأمريكيةَ تُخفّضُ أعدادها هنا - قد نصبوا نقطة تفتيش.!!
معظمهم خائفين جداً بِحيث يَلْبسونَ أقنعةَ تتدلى أكثر من اللازمَ على أفواهَهم. حالي حال أي عراقي التقيته، أنا لا أثق بهذا الحرس الوطني العراقيَ. المخترق أصلا من قبل فصائل من المقاومة السنية والشيعية وعِنْدَهُمْ الآن نزعة سيئة لتَنفيذ هجماتِ على بيوت المناطقِ السنيّةِ، لاعتقال الرجال وبعد ذلك للسَرِقَة لأي قدر من المالِ يُمْكِنُ أَنْ يَجدوه في البيتِ. وكما قالت إمرأة عراقية مشتكية من هذه المليشيات المرتشية على قناة فضائيةِ عربيةِ "أولاً يَعتقلونَ إبنَي وبعد ذلك يَأْخذونَ كُلّ مجوهراتي،
أَذْهبُ إلى البيت وأُشغّلُ تلفزيونَي لأجد البي بي سي تبث برنامجا عن قوةِ "خاصّةِ" مِنْ القوَّاتِ العراقيةِ تتدرب على مكافحةِ الإرهاب في بريطانيا. وهناك هم، يضعون الحشائش بخوذِهم، ويقفزون على الأسيجةِ ويرتعشون بردا. في الجبالِ الويلزيةِ.

ليلة الجمعة. في قلبِ هذه المدينةِ الواسعةِ والتي تشبهِ الفرنِ تقع المنطقةَ الخضراءَ، هي عبارة عن 10 كيلومتراتِ مربّعةِ محاطةِ مُحَصَّنةِ مغلقه فيها قصور، فيلات وحدائق –التي كانت مركزا لنظامِ صدام وألان تقيم الحكومةَ العراقيةَ، وفيها اللجنة الدستورية، سفارة الولايات المتحدة، السفارة البريطانية والعديد مِنْ مِئاتِ المرتزقةِ الغربيينِ. الكل في هذه الدوائر لا يُقابلونَ العراقيين أبداً. وهناك نِساء ""بالشورتات"" يَسِرنَ ذهابا وإيابا بين حدائق الزهور؛ رجال ونساء مسلحين ""مقاولين"" يتمددون بجانب المسبح. كان هناك على الأقل ثلاثة مطاعمِ - حتى أحدهمِ فُجّرَ مِن قِبل القائمون بالعمليات الإنتحاريةِ. أنت يُمْكِنُ أَنْ تَشتري ملحقاتَ الهاتفِ في دكان محليّ، صُحُف، دي في دي خلاعي وللأسبابِ التكتيكيةِ، فان الأمريكان أُجبروا لتَضْم العشراتِ من بيوتِ الطبقة المتوسطةِ العراقيةِ داخل المنطقةِ الخضراءِ, هذا القرار أغضبَ العديد مِنْ المستأجرين. وهم في أغلب الأحيان يَجِبُ أَنْ يَنتظروا أربع ساعاتِ لعُبُور نقاطِ تفتيش الأمنَ. سخرية السخرياتِ، قبر ميتشل عفلق، مؤسس حزب البعثِ لا يزال يقبع داخل المنطقةِ الخضراءِ

ليلة الجمعة، أشاهد هذه القلعةِ الصليبية التي تعج في أضوائها الكاشفةِ. وعندما كُنْتُ أَنْظرُ إلى النجومِ في سماء المدينةِ جاء صوت مملّ ووميض مِنْ الضوءِ من المنطقةِ الخضراءِ. ففي مكان ما لَيسَ بعيداً منّي، شخص ما أطلق قذيفة هاون على حوض السمك هذا المُنَار ليلا الذي أَصْبَحَ رمزَا للاحتلال في نظر كل العراقيون. يَسْألُ الكثيرينُ ماذا سَيَحْل به عندما يَنهارُ الصرحَ الغربيَ الكاملَ هنا. البَعْض يرى بأنه سَيُصبحُ مقرَا للمتمرّدَين، الآخرون يقولون سيصبح مقرا للبرلمان القادم. تخميني هو انه مَنْ يُديرُ العراق مرّة أخرى بعد انهيار الاحتلال سَيُحوّلُ هذا الشيء بأكمله إلى حديقة ألعاب. أَو لَرُبَّمَا متحف.

*روبرت فنسك - الاندبندنت










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حملة اعتقالات إسرائيلية خلال اقتحام بلدة برقة شمال غربي نابل


.. بريطانيا.. تفاصيل خطة حكومة سوناك للتخلص من أزمة المهاجرين




.. مبادرة شبابية لتخفيف الحر على النازحين في الشمال السوري


.. رغم النزوح والا?عاقة.. فلسطيني في غزة يعلم الأطفال النازحين




.. ألمانيا.. تشديد في سياسة الهجرة وإجراءات لتنفير المهاجرين!