الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محكمة الصلح الكبرى للسيد محمد ماضي أبو العزائم [الفصل الثالث-الجزء الثالث]

إسلام بحيري

2015 / 1 / 11
الادب والفن


العفة: (تواجه الشهوة وتخاطبها):
أي أختي لا حرمني الله وإياك ؛ فإنك دليل الحياة والعافية، ومتى فقدت فقدت الحياة الراقية
ومن جهل نعمة الله عليه بك في حياته، عذب بعد مماته
وكيف لا؟
والإنسان لا يسعى إلا لما يشتهي، ولو منع عنه بالزواجر لا ينتهي
ولو فكرت فيما أدعوك إلى شهوة ما هو خير في نفس الأمر، ليدوم لك النعيم والثناء والأجر
أتظنين أن الأنبياء لا شهوة لهم تطالبهم بما يميلون إليه؟
جهلت.. فإن الله جعل شهوتهم سواطع الأنوار من لدنه، وشهوتهم الاتصال بالحق جل جلاله
وفي هذه الشهوة تَحَمّل سيد الرسل ﴿-;-ص وآله﴾-;- ما لا يتحمله أمثاله
وأنت يا أختاه، لو اتحدت معي نلنا ما نتمناه
أنت الشهوة وأنا العفة، وباتحادنا فاز بالخير أهل الصفة

اشتهي ياأختاه ما أدلك عليه، فسارعي بكليتك إليه
ولا تفارقيني فتشتهي شهوة الحيوان، أو تقعي في حبائل الشيطان
وجاهدي نفسك أن تطيعيني، فإن طاعتك لي مجاهدة كبري فأطيعيني
قال الله تعالى: ﴿-;- فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ﴾-;- (النساء: من الآية95)
فإن الله سبحانه وتعالى جمعنا لنرتفع إلى أعلى عليين، بالجهاد الأكبر في محبة رب العالمين
فإذا أنت أهملت فأطعت الحس خالفت الوصية، ومن خالف الوصية حُرِمَ العطية
أترضين أن تجعلي الحس إلها يُعْبَد؟ فتخالفين حكم ربك في طاعته والمخالف يُبْعَد
اشتهي ياشهوة ما اشتهى أولياء الله الأخيار، وما يسارع إليه الصديقون الأطهار، تفوزي برضاء الله وجوار المختار ﴿-;-ص وآله﴾-;-
وكفاك ميلا إلى الدنيء الفاني ،لأنك فيه كل بلية تعاني
وشتان بين جوار رسل الله صلوات الله عليهم، ومواجهة ذي الجلال والإكرام لديهم، ولسان الثناء في العالمين، والسعادة الأبدية في الآخرين
وبين العذاب الأليم في أسفل درجات الجحيم، بسبب سيرك على غير الصراط المستقيم.

الشريعة يا أختاه رياض المسرة وبساتين البهجة
وكيف لا؟ وقد وسع الله لنا فيها وسعة زادت عن كمالياتنا، فضلا عن ضرورياتنا
ويسر لنا فيها كل ملاذنا وحظوظنا، مع الجزاء الحسن في الدار الآخرة لنا
حتى زهد في كثير من المباحات النساك والعباد، وتركوا الوُسْعَةَ وساحوا على وجوههم في البلاد
وقد عَتَبَ اللهُ على من ضيق على نفسه في السر والجهر، فقال تعالى: ﴿-;- يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾-;- (البقرة: من الآية185)
أباح الله لنا من النساء أربعا وما ملكت أيدينا، وحرم علينا الفحشاء والمنكر وما يؤذينا
أحل لنا التجارة والزراعة والعمل، وحرم علينا الربا والسرقة والكسل
أباح لنا ما نشتهي من المأكل والمشرب والملبس، وحرم علينا الخمر والميسر ولحم الخنزير الأتعس
أباح لنا الأنس والرياضة مع الأهل والأولاد والإخوان، وحرم علينا الغيبة والنميمة والحسد الموجب للحرمان
لأنه سبحانه وتعالى خلق كل شيء لأجلنا، وهو الغني عنا وعن عملنا
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان
وأمرنا سبحانه وتعالى بالصلاة رياضة لأبداننا، ونورا لأرواحنا، وتزكية لنفوسنا، وشكرا لـه سبحانه على نعم لا تحصى، بها حياتنا.
وها هي الصلاة ياأختاه طهارة لظاهرنا، ونشاط لباطننا، واعتراف منا على أنفسنا بأننا عبيد لربنا، وإقرار لـه سبحانه وتعالى أنه ربنا، وشكر لنعمته علينا
إنا ياأختاه في كل نفس لا نخلو من المضار التي تعجز عنها قوى البشر، فنرفعها للقادر بدموع كالمطر
فإن لم يكن لنا جانب لديه، بطاعة أمره والتوكل عليه
لا تطمئن قلوبنا لسوء عملنا
وكيف نعصى أمر من بيده ملكوت كل شيء، ومن مد لنا موائد الكرامة في ظل الرأفة والفيء؟
لقد أيقظتك ياشهوة من نومة الغفلة، ونبهتك من رقدة المهلة
رحمة بك لا خوفا علىَّ، فأفيئي إلى الله وارجعي إلىَّ.

الجبن: (يقاطع على العفة الكلام قائلا) ياشهوة مالك وما للعفة!
ربنا لا لـه شهوة ولا لـه ولد، ولا لـه زوجة ولا لـه جسد
وهو خلق الحاجات دي كلها علشان مين؟! ليه نحرم نفسنا؟ احنا مجانين؟!
احنا إن لقينا القوة هربنا، وإن لقينا شهوتنا قدامنا أفسدنا
ومين يبقى قدامه ملذاته، ويتركها لكلام عدوه بحسراته؟
احنا نعمل قدام الناس منكسرين، ونبقى من وراهم شياطين.
نتحمل السب والصفع على القفا، علشان ما يحصلش من الناس لنا جفا
فنفسد الأحرار وننهب الأخيار، اللي احنا نقدر عليهم، ولا نخاف العار ولا النار.

سِبَاعٌ نَعَمْ وَضَفَادِعٌ وَثَعَالِبُ * تلَوَّنَنَا فِي كَسْبِنَا لاَ نُغَالِبُ
سِبَاعٌ لَدَى ٱ-;-لْفَحْشَاءِ وَٱ-;-لزُّورِ وَٱ-;-لْخَنَا * ضَفَادِعُ عِنْدَ ٱ-;-لْخَوْفِ حِينَ نُطَالِبُ
ثَعَالِبٌ عِنْدَ ٱ-;-لسَّلْبِ وَٱ-;-لنَّهْبِ وَٱ-;-لْجَفَا * تُجَادِلُ أَهْلَ ٱ-;-لْحَقِّ وَٱ-;-لْقَوْلُ كَاذِبُ
نُمَرِّغُ أَوْجُهَنَا عَلَى ٱ-;-لتُّرْبِ عِنْدَمَا * نَرَى قُوَّةً وَنَفِرُّ وَٱ-;-لْقَلْبُ رَاهِبُ
وَتِلْكَ سَجِيَّتُنَا وَرِثْنَا جَمِيعَهَا * عَنِ ٱ-;-لأَبِّ وَٱ-;-لأَجْدَادِ وَٱ-;-لطَّبْعِ غَالِبُ
فَخَلِّي مَلاَمَكِ وَٱ-;-ذْهَبِي بِسَلاَمَةٍ * فَمَالَكِ عِنْدَ ٱ-;-لأَغْنِيَاءِ مَطَالِبُ

(تستأذن الشهوة الرئيس في الكلام فيأذن لها فتجيب الجبن قائلة):
الشهوة: أيها الجبن، إلى متى تمشي في الظلام، بلا وصي ولا إمام؟
أما آن لنا أن نرعوى عن الباطل، ونترك عمل الخبيث الجاهل؟
أمسك عليك كلامك فإن الحق أبلج، واترك الباطل فإنه زَبَدُ لجلج
أما أنا فقد شعرت بنقائصي، وأرجو أن أسرع إلى تخلصي.
(ثم تتوجه إلى الرئيس)
يا مولاي، مُرِ الشجاعة أن تقيم للجبن الحجة، وتبين له المحجة..

رئيس المحكمة : (للشجاعة)
يَاشجَاعَةًً أَقْدِمِي فَالأَمْرُ دَاعِي * وَٱ-;-لْفَتَى لِلرُّشْدِ بَعْدَ ٱ-;-لْغَيِّ سَاعِي
بَيِّنِي لِلْجُبْنِ مَنْهَجُ رُشْدِهِ * كَيْ يَفِئُ لِرُشْدِهِ قَبْلَ ٱ-;-لنَّوَاعِي

الشجاعة : (للجميع) :
لِلْجُبْنِ مَنْزِلَةُ ٱ-;-لإِحْجَامِ وَٱ-;-لْهَرَبِ * وَلِي مَقَامُ ٱ-;-قْتِحَامِ ٱ-;-لْخَطْبِ وَٱ-;-لنَّوْبِ
أُلْقِي بِنَفْسِي عَلَى ٱ-;-لنِّيرَاِن مُنْشَرِحًا * كَيْ أَنْصُرَ ٱ-;-للَّهُ أَمْحُو ظُلْمَةَ ٱ-;-لرَّيْبِ
إِنْ صَاحَ دَاعِي ٱ-;-لْهَدْىُ لَبَّيْتُ مُقْتَحِمًا * نَارَ ٱ-;-لْوَغَى بَاسِمًا فِي بَهْجَةِ ٱ-;-لرَّغَبِ
كَأَنَّ نَارُ ٱ-;-لْوَغَى نُورًا يُبَيِّنُ لِي * رِضْوَانُ رَبِّي فَأَسْعَى وَٱ-;-لرِّضَا طَلَبِي
والجبن مقصده اللذات يطلبها * مِنْ غَيْرِ كَدٍّ وَلاَ جَدٍّ وَلاَ سَبَبِ
شتان بيني وبين الجبن ذاك لـه * نَارُ وَلِي جَنَّةَ ٱ-;-لْفِرْدَوْسِ بِالْقُرْبِ

(ثم تتوجه إلى الجبن):أيها الجبن!
المقاصد أربعة: لذة ومال وشرف ودين
والجبن أن تترك المال للذة
وتبيع الشرف بالمالِ
وتضيع الدين بالشرف
والشجاعة أن تترك اللذة لنيل المال الذي ينفع، وتبذل المال للشرف الذي يَرفع
وتفارق اللذة والمال والشرف للدين الذي نوره يَسطع
فإنك بحفظ الدين تفوز بالحسنيين، بنعيم الآخرة وفي الدنيا بالفضة واللُجَيْن
وتسود في الدنيا بالثناء الحسن، وفي الآخرة بالرضا والمنن

يا جبن.. أنت تَحْسُنُ عند هَيَجانِ الشهوة، أو داعي المعصية والبلوة
لا عند المسارعة إلى الطاعة، التي هي نعمتُ البضاعة
وبامتزاجك بي يتكون منا ما هو خير وسعادة، من القيام بعظائم الأمور نفعا وعبادة.
يا جبن أنت لي وأنا لك وانفرادك بلاء، وامتزاجك بي إلى الله قرب ومنه عطاء
لأنه سبحانه جعلك للخير، فتوسط يا جبن في السير
ولا تخف إلا ذنبك، ولا ترجُ إلا ربك
فاحذر أن تقع في الذنوب ؛ فالذنوب كروب
واتبعني أهدك سبيل الرشاد
فإنك أن اتبعتني كنت لي درعا داووديا، وكنت لك سيفا هنديا
وكنت أنا وأنت بين إقدام على عظائم الأمور لنيل رضا المولى، وبين إحجام عن سفاسفها خوفا من عقوبة العلي الأعلى
وبذلك تنال خيري الدنيا والآخرة، وتفوز بالثناء الحسن والنعم الفاخرة.
ياجبن، أجهلت أن ما قدره الله يكون؟ وأن ما هو مكتوب على الجبين تراه العيون؟
فلم الجبن الذي يوجب الخزي والعار؟ ولم الإحجام عن الإقبال على الله بالنفس والمال كالأخيار؟ والتقاعد عنه المؤدي إلى عذاب النار؟
ياجبن، كن جبانا عند المعاصي أو أذية الإخوان، أو عند القدرة على الضعيف ومضرة الحيوان، وأقدم على طاعة الله ولو كانت الطعن بالسَنان
فإنما الأمور بعواقبها، والأعمال بنتائجها
والجبن خوفا من الموت مع الخزي والذلة، شر ولا شك والخير في الموت لإحياء الملة
ومن لم يميز بين خير الخيرين وشر الشرين، فهو جماد لا حس ولا عين

ياجبن نصحتك فاتحد معي، وخير نصوح لك الألمعي، وقد قال الشاعر
الألمعي الذي يظن بك الظن * كأن قد رأى وقد سمعا

البخل: (يقاطع على الشجاعة الكلام) :
ما هذه السفسطة والأباطيل، والزندقة والأضاليل؟
هو احنا لنا كم نفس؟ وفي السماء كم شمس؟
احنا نحفظ أنفسنا وأموالنا، ونستر في الدنيا دي حالنا
بعد راسي إن شاء الله ما كانت راس، ولا حد للمُلك ساس
هو احنا نذل أنفسنا لحد صفع النعال، لنسلب من الناس الأموال
وننهبها حرام والا حلال، ونروح نضيعها لك علشان الفقراء والأيتام، وتأسيس المساجد والبيوت للأسقام
ونبذلها لأهل العاهة والأمراض، هو احنا مجانين ولا أرفاض؟
إن شا الله كل الأيتام ما اتربو، ولا أكلوا ولا شربوا
هو احنا كنا ربنا اللي خلقهم، وليه ربنا ما يرزقهم؟
إذا كان الرجل الطيب يوم القيامة يقول: يا رب نفسي، كتر خيري أنا اللي في الدنيا أقول نفسي وعرسي
أديني بوكل مراتي، وباقضي حاجاتي

الجبن: (يلتفت إلى البخل معاتبا)
يَا بُخْلُ مَهْلاً وَاصِغَ لِلْقَوْلِ ٱ-;-لْمُفِيدْ * وَٱ-;-لْحَقُّ أَبْلَجٌ فَاتَّبِعْ نَهْجَ ٱ-;-لرَّشِيدْ
إِنَّ ٱ-;-لشَّجَاعَةَ بَيَّنَتْ سُبُلَ ٱ-;-لْهُدَى * فَاقْبِلْ وُقِيتَ ٱ-;-لشَّرَّ مِنْ فِعْلِ ٱ-;-لْعَنِيدْ
إِنِّي اتَّحَدَتْ بِهَا وَأُبتَ لِخَالِقِي * أَبْغِي رِضَاهُ وَأَرْتَجِي نَيْلَ ٱ-;-لْمَزِيدْ
ٱ-;-لْحَقُّ بَيَّنَهُ ٱ-;-لنَّبِيُّ مُحَمَّدٌ * أَقْبِلْ وَدَعْ أَعْمَالَ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ
مَنْ يَتَّبِعْهُ يَفُزْ بِفَضْلٍ دَائِمٍ * فِي جَنَّةِ ٱ-;-لْفِردَوْسِ فِي عَيْشٍ رَغِيدْ
قَدْ جَاءَ بِالْقُرْآنِ يَهْدِي دَاعِيًا * لِلَّهِ رَبِّ ٱ-;-لْعَرْشِ مَوْلاَنَا ٱ-;-لْمَجِيدْ
أَقْبِلْ بِكُلِّكَ نَاهِجًا نَهْجَ ٱ-;-لْهُدَىٰ-;- * تُعْطَى ٱ-;-لْمَسَرَّةِ فِي مَقَامَاتِ ٱ-;-لْعَبِيدْ

( ثم يلتفت الجبن إلى الرئيس): ألتمس من الرئيس أن يأمر الكرم بالتكلم مع البخل حتى يوضح السبيل، ويقيم الدليل

رئيس المحكمة:
أَيُّهَا ٱ-;-لْكَرَمُ ٱ-;-لْمُفَدَّى بِالنُّفُوسْ * أَنْتَ نُورٌ مُشْرِقٌ فَوْقَ ٱ-;-لشُّمُوسْ
أَنْتَ مَحْبُوبٌ لِمَوْلاَكَ ٱ-;-لْعَلِي * بُغْيَةُ ٱ-;-لأُمَنَا وَتَاجٌ لِلرُّءُوسْ
مَنْ يَكُنْ مُتَمَسِّكًا بِكَ يُعْطَ مَا * يَرْتَجِي مِنْ سُؤْدِدٍ أَوْ مِنْ دُرُوسْ
أَنْتَ وَصْفُ ٱ-;-لْمُرْسَلِينَ وَحِيلَةً * إِنْ تَنَلْ تُمْحَ ٱ-;-لشَّدَائِدَ وَٱ-;-لْبُؤُوسْ
بَيِّنَنْ لِلْبُخْلِ مَنْهَجَ خَيْرِهِ * كَيْ يَنَالَ سَعَادَةً بَعْدَ ٱ-;-لنُّحُوسْ

الكرم: (مجيبا)
لَبَّيْكَ تَدْعُونِي إِلَى ٱ-;-لرُّشْدِ وَٱ-;-لْخَيْرِ * مُجِيبًا لِمَا تَدْعُوا إِلَيْهِ مِنَ ٱ-;-لسَّيْرِ
سَأَكْشِفُ لِلْبُخْلِ ٱ-;-لْحِجَابَ مُبَيِّنًا * لَـهُ مَنْهَجُ ٱ-;-لْخَيْرَاتِ مِنْ غَيْرِ مَا ضَيْرِ
عَسَى يَرْعَوِي عَنْ غَيِّهِ مُتَجَمِّلاً * يَعْمَلِ ٱ-;-لسَّخَا وَيَؤُوبُ عَنْ عَمَلِ ٱ-;-لْعِيرِ

(ثم يلتفت إلى البخل):
أنت يابخل تَحْسُنُ في مقامات حفظ العرض والشرف والدين، فتكون وسيلة لنيل رضاء رب العالمين
ولديها تكون فضيلة من الفضائل، وقد أثنى عليك الأوائل
ما أريد أن تُفقد من الإنسان ؛ فإن البخل فضيلة في النِسْوان
وَيَجْمُلُ من الرجالِ، عند المحافظة على الثمين الغالي، من عرض وشرف ودين عالي
ويقبح البخل عند ضياع العرض لكسب المال، وبذل الشرف لتحصيل النوال، وبيع الدين لحفظ النفس والعيال
فإن العرض يفدى بالمال، والشرف يفدي بالسيادة ونيل الآمال، والدين يفدى بالنفس والمال والعيال
وأحمق الحمقى من وضع الشيء في غير موضعه، وأدفأ الثعبان في مضجعه
فلم عدلت يابخل عن معارج العلياء، إلى دركات البلاء؟
وما ساد بخيل عشيرته، ولا شرف قبيلته
ولا يجتمع بخل وسيادة، وكيف يبلغ البخيل مراده؟
ومن بخل بماله، وقع في وباله
ومن بخل بصحته أن يعمل الطاعات، ألقى به بخله في هوة البليات
ومن بخل بنفسه أن ينصر الله عز وجل، حل وباله، وساءت أعماله
فلا تفرح بمال تدخره، فيدوم به العذاب ويزول فخره

أنت يابخل سبب عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام، وسبب هلاك النفوس بالأسقام
وسبب الحسد والشحناء، والحرب والعناء
وما شُيِّّدَتِ السجون وطرقت الأغلال، إلا للبخلاء الأنذال
فالبخيل يبخل بصحته على العمل ويسرق، وبماله على الزوجة ويفسق
ويبخل على الوالدين، ويسرف على الأخدان، فأنت يابخل لا شك شيطان

ولكن وجودك مع التوسط نعمة ؛ لأنك تحفظ على المؤمن دينه فيُحْفَظَ من النقمة
فاتبعني يابخل حتى تتحد في العمل، فتكون لي حصنا من الزلل، وتكون وسطا ونعمل بلا ملل
فإني أنا الوسط بينك وبين الإسراف، ومن ينفرد عني يقع في الإتلاف
يابخل نور الحق أشرق فاهتد، ومن بالحق لا يهتدي ففي الجحيم يرتدي
وليس بعد العيان بيان، ولا بعد وضوح السبيل دليل وبرهان.

الغدر: (يقاطع على الكرم الكلام):
أنت ياكرم مفسدة الأموال، ومضيعة العيال
تذل أهل الفضل للئام بالسؤال
والسرور بك أوهام ؛ لأنه ضياع للموجود وفرح بالكلام
اجلس فالنصيحة أولى ما يباع ويوهب، فإن المغرور بالكلام يسلب وينهب
كل شيء تراه في النهار، فالفلوس أحسن منه بالاعتبار
وكل شيء تراه في الليل ؛ فالنوم أحسن منه ولو كان ذهب وخيل
واللي يفرح بكلام الناس، يبقى خربان الراس
كرم.. إيه الكرم ده؟ دا الفلوس ياشيخ أحسن مِن ده وِدَه
احنا بنروح نسلب عقول الناس، بالحشيش والكاس، ونبقى لهم زي الخناس الوسواس، علشان نسلب منهم الأكياس
وكتير الساعات، الغدر يزين لهم النساء العاهرات، اللي مصابين بالأفرنجي والعاهات، ويقول للمجانين دول نسوان الذوات
والواحدة من دول ضاربة وشها تفتة حمراء مدارية جروح التشويش، ويترك المغفل العفيفة المصونة ويروح للخبيثة المشوشة اللي لا فيش ولا عليش

الغدر يخليه يضَيّع دينه وعرضه وماله ويرجع بالسيلان أو اليرقان، أو بضعف القلب أو مغص الكبد وفي البول حرقان
فاللي يقدر يضيع من الناس دينهم وعرضهم ومالهم، ويفرحهم بفقرهم وضلالهم، يبقي الكرم يقدر عليه؟
ياكرم سيبك انت من دا كله ما دام الواحد جيبه مليان، ودماغه عمران
وبيغدر بالمجانين والنسوان، ويسلب منهم الأموال بالبهتان
يروح لك يضيع ماله على الخيرات؟ والا يصرفه علشان بعد ما يموت يدخل الجنات؟

هو أنت ياكرم لو كنت تعرف الحقيقة، ما كنتش تتركني ولا دقيقة
وأنا كل ليلة بيترجاني خمسين من الوارثين، ويتملق لي في كل الساعات شر الباغيات
دانت يا كرم تبقى زي الملك الوارث دا داخل ودا طالع
والخير من المأكولات والمكيفات متواصل
وإن شئت أن يكون لك ميت مرة، ولا حدش يقولك إيه إلى جرا، تجد كل شهواتك مُيَسّرة.

والناس المجانين دول اللي بيعذبوا أنفسهم مالك ومالهم؟
هم الوحوش اللي في الغابات، بيحرموا أنفسهم من الملذات
أنا شفقان عليك، الواحد يضيع الأوقات، ويحرم نفسه من الشهوات، دا يبقى زي الأموات
دا كان زمان ما حدش ينظر لغير مراته، ولا المرأة تشوف غير جوزها طول حياته
ودي الوقت من نهار ما ظهر الفساد، وكتر أهل العناد
شوف أكثر النسوان، عيانين بالسيلان، وانت بتشوفهم يطلعوا في الأسواق وجسمهم عريان

وما هوش كفاية عليك أنهم خالفوا القرآن؟ وربنا يقول في القرآن العزيز: ﴿-;-قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾-;-(النور: من الآية30)
وهم الناس اللي بيقولوا احنا مؤمنين لا حفظوا فروجهم، ولا غضوا أعينهم، والشيطان لعب عليهم
والنسوان ماهوش أخفوا الزينات، دول كشفوا في الأسواق العورات، وأفسدوا الرجال بالملاعبات
اتبعنا يا كرم أحسن لك، واحنا نحب لك الخير لعلك.

البخل :"يصيح على الغدر مقاطعا":
الغدر تطرف في الكلام، فحقه الطعن بالسهام
وكاد يخدع الكرم، ويهتك الحُرَم
ويكشف الستار، عن الأحرار
يدعوك الكرم إلى شمائل الأتقياء، وصفات الأولياء
ودفع الغمة، عن أفراد الأمة
والغدر يأبى إلا سلب الأموال، وضياع العيال، وهتك الحرائر، وإفساد السرائر
ويل للغدر ما أضره، ولا حبذا الغدر ما أشره
يقيم الحجة على الباطل، ويحسن ما عذابه واقع ونعيمه زائل.

(ثم يلتفت إلى الرئيس):
أيها الرئيس، إن الغدر تعيس، فارجمه بشواظ من نار، وامح بإعدامه العار
فقد أفسد الرجال والنسوان، وأوقع الكل في الخسران
وإلا فأمر العدالة أن ترده عن غيه، وتدفع عن الناس ضرر بغيه
فأنت العدل المرجو بعد الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

رئيس المحكمة: (يخاطب العدالة بما بينهما من المناسبة)
أيتها الفضيلة التي هي أم الفضائل
وبك سعادة المجتمع والأفراد في العاجل والآجل
أنت الوسط الذي أثنى الله به على أهل محبته، وجعله أس شريعته
كل فضيلة من غيرك رذيلة، وبك تظهر أنوار الحق وتستبين سبيله
إليك أوجه كلامي، وأقدم لك احترامي بعد سلامي
أبيني لنا فصل الخطاب، وقرري الرأي الصواب
فقد آن للإنسان الذي كرمه الله في القرآن، أن يعلم مقداره المعنوي بالعيان أو بالبيان
حتى يخشع قلبه لذكر الله، ويسارع لمحابه ورضاه
ويعيش مع أخيه الإنسان، في بهجة وأمان
بلا طمع فيما يزول، ولا منازعة تحرمه الوصول
فقد جهل الإنسان قدره، واختلف عليه سيره، وجهل نشأته الأولى وأمره
فأصبح يعادي الإنسان، ويصافي الوحوش المفترسة والشيطان
فعسى أن يفيء إلى أمر الله، لينال السعادة في عقباه

العدالة: (مجيبة الرئيس)
لَبَّيْكَ يَاعَدْلُ ٱ-;-تِّحَادًا عَلَى ٱ-;-لْعَمَلِ * لِنَبْلُغَ مَا نَرْجُوهُ بِالصِّدْقِ مِنْ أَمَلِ
مِنَ ٱ-;-للَّهِ جَلَّ جَلاَلُهُ نَرْتَجِي ٱ-;-لصَّفَا * فَرَبُّكَ يُعْطَي ٱ-;-لْخَيْرَ مَنْ مِنْهُ قَدْ سَأَلْ
وَمِنْهُ تَعَالَى نَسْتَمِدُّ لأَنَّهُ * يُجِيبُ ٱ-;-لْفَتَى ٱ-;-لْمُضْطَرَّ فِي ٱ-;-لْحَادِثِ ٱ-;-لْجَلَلْ
وَكُلُّ فَتًى آوَى إِلَى ٱ-;-للَّهِ مُخْلِصًا * يَنَالُ ٱ-;-لأَمَانِي وَهْوَ عِنْدَي هُوَ ٱ-;-لْبَطَلْ
نَعَمْ أَنْتَ يَا عَدْلُ ٱ-;-لإِمَامِ ٱ-;-لَّذِي بِهِ * خَلاَصُ ٱ-;-لْفَتَى مِنْ ظُلْمَةٍ إِنْ هُوَى ٱ-;-نْخَزَلْ
وَنَحْنُ نَعَمْ سِيَّانُ سِرًّا وَظَاهِرًا * ولم يعرنا في نصرة الحق من ملل

ياعدل، أنا العدالة فضيلة الفضائل، لا يتجمل بي الفتى إلا بعد أن يتجمل بالعفة والحكمة والشجاعة بعزم متواصل
ومن تعرى من فضيلة من تلك الثلاث المذكورة، فأنا عليه من غير شك محظورة
وكيف لا؟ وبي ميزان الخيرات؛ لأني أُنالُ إذا توسطت القوى وصحت البدايات
وانقادت كل نفس للنفس الملَكية، مسارعة إلى رضاء رب البرية
حتى يكون كل فرد يختار الإنصاف من نفسه على نفسه أولا، فالانتصاف والإنصاف من غيره ولغيره عاملا لا قائلا
لأن مراعاتي لا تتحملها إلا النفوس الزكية، والأبدان الطاهرة من دنس البهيمية
وكيف لا ؟ والعدالة أن نطيع الله فيما أمر، ونرضى عنه فيما قدر
ونديم شكره على ما أنعم، ونجعل ذكره سعادة لنا ومغنم
ونزهد في الدنيا الفانية، مسارعة إلى الخيرات الباقية

اسمح لي أيها الرئيس أن أبين للغدر سوء عقباه، إن لم يتحد مع العدالة في دنياه.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-