الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع ذكرى رابعة لثورة يناير المتحف المصري: القبضة الأمنية والإهمال

نرمين خفاجي

2015 / 1 / 11
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


قطعة أثرية تحمل سطورًا من "متون التوابيت" خرجت من المتحف المصري في وضح النهار، وبحضور 220 فرد أمن وحراسة شرطة الآثار وبين صفين من الدبابات. هذه الحالة ليست الأولى، وفي الغالب لن تكون الأخيرة، ومع تذكر أن الشرائط التي قدمها المتحف للمحكمة أثناء محاكمة مبارك والعادلي، ويفترض أن تتضمن تسجيلًا لما حدث في محيط المتحف أيام الثورة، لم تحتو إلا على شرح لـ"معبد الأقصر"، وفيلم "الباشا تلميذ". كل هذا يدفع للتساؤل حول النظام الأمني المعمول به في المتحف، وحول البنية التحتية التي تتسبب هي الأخرى في فقدان الآثار.

في عام 1996 تولت إدارة "الأمن القومي"، التابعة للمخابرات العامة، مهمة تأمين المتحف المصري، وافتتحت نظامها التأميني في بداية 98، فركبّت كاميرات متحركة تغطي كافة أنحاء المتحف المصري وتنقل ما يدور بخارجه مع نظام صيانة سنوي، ومع إشراف إدارة المتحف نفسها على هذه الكاميرات، التي يبلغ عددها 197 كاميرا تنقل وتسجل ما يدور داخل وخارج المتحف على مدار اليوم. أما أفراد الأمن في المتحف فيتبعون المجلس الأعلى للأثار وتلقوا تدريبهم في سلاح "الحرس الجمهوري" على أيدي أفراد من القوات المسلحة.
وصل "ع"، فرد أمن بالمتحف رفض ذكر اسمه، إلى عمله يوم 28 يناير 2011 ليقوم بدوره المعتاد بالمرور داخل القاعات والجلوس أمام الشاشة التلفزيونية لجهاز الإنذار عند بوابة الخروج. لجنة فتح المتحف فتحت المتحف كالمعتاد، ولكن في حوالي العاشرة صباحًا، تلقى أفراد الأمن الأوامر بغلق وإخلاء المتحف بسبب المظاهرات المرتقبة، وعند الانصراف عرف أن أفراد شرطة الآثار، الذي كان المتحف في حوزتهم، ارتدوا جميعًا ملابس مدنية. ولم يعرف بمهاجمة اللصوص للمتحف إلا في المساء، وعن طريق التليفزيون. وعن كاميرات المراقبة بالمتحف قال: "خلي الطابق مستور. كانت معظم الكاميرات تالفة وتغيرت بالكامل بعد السرقة مما تكلف الملايين". وأضاف أنه من المحتمل أن طارق العوضي نفسه، وكان مديرًا للمتحف وقتها، لم يكن يعلم بالفعل بحالة الكاميرات حين وعد بتقديم شرائط المتحف في محاكمة مبارك والعادلي.
"محمود الحلوجي" كبير أمناء المتحف والمدير الحالي، يحكي عن فترة الـ18 يوم، التي كان يبيت فيها داخل المتحف لحراسة الآثار، ويقول إنه ضد التعذيب ولكن "المحتجزين بأقبية المتحف كانوا من البلطجية والأحداث كانت قوية واستثنائية والخسائر كانت جسيمة". ويضيف أن "عدد أفراد الأمن المدني في المتحف يصل إلى 220 فرد يعملون بنظام الورديات، وهم غير مدربين ومعظمهم يلتحق بالعمل عن طريق (الواسطة)، وفي صباح 28 يناير تلقوا الأوامر من شرطة الآثار بالانصراف مثل باقي الموظفين، مما أدى إلى خلو المتحف من الأمن أمام هجوم البلطجية" ويصل بالتالي إلى استنتاجه بأن ـ"الجيش أنقذ المتحف من كارثة محققة".
رصاص وكلاب بوليسية وقطع مسروقة
"م" متخصص في كاميرات المراقبة، يقول إن الكاميرات التي يركبّها "الأمن القومي" في المتاحف والأقسام والكنائس والأماكن الهامة، هي كاميرات متطورة جدًا، لا تسجل الأحداث على اسطوانة "سي دي" وإنما يتصل بها "هارد ديسك" أصلي وآخر احتياطي، وتُرسل التسجيلات أولًا بأول إلى جهاز المخابرات العامة، وهذا النوع من الكاميرات يمكن التحكم به عن بعد، وبالتالي يمكن تغيير اتجاه الكاميرا والحصول على المعلومات المحفوظة بها من مدينة أخرى، وتستمر الكاميرات في نقل الوقائع حتى لو تحطمت". ويضيف أن "كاميرات المتحف المصري كانت بحالة جيدة قبل الثورة، وشرائط الفيديو المقدمة من المتحف إلى المحكمة في قضية قتل المتظاهرين وكان مسجلًا عليها شرح لمعبد الأقصر ولقطات من فيلم (الباشا تلميذ) مقصود بها التعتيم على الحقيقة".
إجراءات فتح وغلق المتحف شديدة الإحكام، بحسب ما يرويه عدد من أمناء المتحف القدامى". يقول أحدهم، واسمه "حمادة"، إن إجراءات فتح المتحف المصري تبدأ يومًيا في الساعة السابعة والربع صباحًا، وتضم لجنة الفتح من خمسة إلى سبعة أمناء متحف وناظر إداري من الموظفين بالمتحف بمصاحبة أفراد من شرطة الآثار والمباحث بالإضافة إلى أفراد الأمن التابعين لوزارة الآثار.
بحسب حمادة، تقوم هذه اللجنة بتحرير محضر للفتح بعد المرور على القاعات تسجل فيه الحالة التي وجدوا عليها المتحف ويُكتب المحضر بديباجة ثابتة ومعتادة، إلا إذا كانت هناك حادثة أو ملاحظة غريبة. وتغلق الفتارين بأقفال وبرصاص مختوم أيضًا، يُفحص يوميًا للتأكد من عدم المساس بها. ويتوجب على أي أمين متحف لديه عهدة أثرية المرور يوميًا على عهدته المعروضة بعد قيام لجنة الفتح بالمرور السريع في ردهات المتحف.
وفي الخامسة مساء تغلق لجنة أخرى المتحف، ثم يمر أفراد الشرطة برفقة الكلاب البوليسية بين أروقة المتحف للتأكد من عدم وجود متفجرات أو أشخاص مختبئين.
وعن غرفة المراقبة يحكي الأمين الأثري في المتحف، "مصطفى: "أثناء وجودي في نوبتجية غلق للمتحف وقت حكم (مرسي) حدثت اشتباكات خلف المتحف بميدان عبد المنعم رياض، بين أشخاص من الإخوان وآخرين كانوا يطلقون الخرطوش، رأيت الاشتباكات كاملة على شاشات غرفة المراقبة، فالكاميرات بالمتحف تتميز بدرجة عالية من الوضوح، ويمكنها تكبير صورة أي شخص في الإشتباكات". يضيف أن غرفة مراقبة المتحف هي غرفة الأسرار الخطيرة، وعن طريقها تم جمع أرشيف ضخم لكل الأحداث التي أحاطت بالمتحف منذ ثورة يناير. وعن دور الدبابات التي كانت نحيط بالمتحف في تأمينه يقول: "الدبابات التي كانت أمام المتحف كانت تتخذ من المكان قاعدة عسكرية للسيطرة على ميدان التحرير ومنطقة وسط المدينة، ومشهد الدبابات أمام المتحف يخيف السائحين من زيارته ومن زيارة مصر كلها".
ولكن رغم هذا النظام التأميني الصارم، إلا أنه لم يمنع سرقة القطع الأثرية. منذ عدة أشهر فوجيء أحد أمناء المتحف، "جمال البلم"، باختفاء جزء من القطعة التي تحمل رقم (15973(SR ، ومكتوب على الجزء المختفي ما يقرب من 15 سطرًا من الكتابات الهيروغليفية. تم تحرير محضر بالواقعة وكتابة تقرير عنها وإبلاغ غرفة المراقبة التي ردت بأن الكاميرات لا تصل إلى الممر المتواجدة به القطعة. يشرح الأمين الأثري بالمتحف أحمد سمير، نقلًا عن أستاذ الأثار المصرية حسن سليم، أهمية هذه القطعة، فهي غطاء تابوت من عصر الأسرة التاسعة وعليه كتابات تعد هي النواة الأولى لمتون التوابيت [النصوص االتي اشتهرت في الدولة الحديثة باسم "كتاب الموتى" بعد تدوينها على لفائف البردي] والقطعة مكسرة إلى عدة أجزاء ومرممة ترميمًا قديمًا، وبشكل عام فالقطعة في حالة سيئة نتيجة الإهمال في التخزين والترميم، ولكنها ذات قيمة تاريخية عالية. وهي موجودة في ممر بالدور الأرضي غير مخصص للعرض، ويستخدم كمخزن للآثار مما سهل نزع جزء منها كان مكسورًا وملصقًا ويبدو أنه كان سهل الخلع. 
بنية تحتية متهالكة
في أحد أيام صيف 2014 ومع اشتداد الحرارة، فوجيء الأمين الأثري مصطفى باشتعال "كابل الكهرباء" بحديقة المتحف. وقامت عربة المطافي بإخماد الحريق الذي تسبب في انقطاع التيار الكهرباء عن غرفة المومياوات والجناح الشرقي للمتحف برمته. يقول مصطفى: "أبلغنا الإدارة الهندسية التي كلفت بدورها إدارة الكهرباء بضرورة إصلاح العطب سريعًا، ولكن إدارة الكهرباء ردت بضرورة رفع ورقة بالحدث، مع إرفاق طلب لإصلاح العطب إلى قطاع المشروعات، في سلسلة إجراءات بيروقراطية كفيلة بتدمير المومياوات، التي يتحتم حفظها في درجة ثابتة من الرطوبة والحرارة، وتعبأ فتارينها بالنيتروجين مما يحافظ على الجو الخامل في فتارين القاعة".
إنقاذًا للوضع تم تشغيل قاعة المومياوات عن طريق مولد كهربائي، واضطرت إدارة المتحف إلى إغلاق القاعة أمام الجمهور يومي الخميس والجمعة، ولم تصلح إدارة الكهرباء العطب إلا بعد أن قام أحد المسئولين بالمتحف، وهو محمد علي، بتوجيه استغاثة على قناة "سي بي سي" الفضائية لإنقاذه.
لم تكن هذه الحادثة هي الوحيدة التي تدلل على مشاكل البنية التحتية للمتحف، قبلها بأشهر وقف بعض السائحين لالتقاط لقطات تذكارية بعدساتهم لإحدى مواسير حمامات المتحف وقد انفجرت المياه من ثقب كبير واضح المعالم فيها، مخلفة أسفلها بركة حالت دون الدخول إلى إحدى إدارات بالمتحف المتواجدة في قبو تحت المتحف. كان الحل هو فصل الكهرباء عن المكاتب الموجودة أسفل الحمام وإيقاف العمل بها لحين إصلاح الكهرباء، كما استدعى الأمر غلق الحمام ومحبس المياه تمامًا كحل مؤقت.
"جيهان" من أمناء المتحف القدامى تقول": "بجانب السباكة والكهرباء وأفراد الأمن غير المدربين هناك أيضًا مياه الأمطار التي تتسرب من خلال سقف المتحف ونضطر ساعتها إلى جر الفتارين بقاعات العرض إلى مناطق آمنة لا تسقط عليها الأمطار، وأمطار العام الماضي تسببت في تلف بعض القطع من السهام المصنوعة من البوص". كما تشكو جيهان من التركيز الدائم على إعادة طلاء المتحف على حساب تجديد زجاج الشبابيك المحطم والسباكة المتهالكة.
يقول محمود الحلوجي، إن المتحف ليست لديه ميزانية مستقلة، ولكن تُصرف له "سُلف" غير واجبة السداد بواقع 50 ألف جنيه كل أربعة أشهر، أي أن مجمل "السلف" في العام تصل إلى 200 ألف جنيه مصري، تُصرف على الأوراق وحبر الطابعة والدفاتر وغيرها من مستلزمات الإدارة والعلاج السريع للأزمات، وأحيانًا ما تتعطل هذه "السلف" أو يقل المبلغ بسبب الأزمة الأقتصادية التي تمر بها الدولة، ويضيف أن تجديد بنية المتحف التحتية أو طلاءه لا تدخل ضمن بنود صرف هذه السلف.
العسكرة
هناك حالة من "العسكرة" تغلف اجواء المتحف يكثف وجودها الأعداد الضخمة لأفراد الأمن الذين لا هم لهم سوى مضايقة الزائرين ومنعهم من إلتقاط الصور. والذين اختزل وجودهم المزعج منظومة التامين المترابطة التي تشمل البنية التحتية وطرق عرض وتخزين المجموعات وتوافر الخبرات والتدريب الجيد لكل العاملين بما فيهم أفراد الأمن.
وبعد مرور أربع سنوات على الثورة وسرقة المتحف لاتزال هناك علامات استفهام عديدة تنتظر الإجابة، فتحت مظلة "عمليات تأمين المتحف المصري" الغامضة كانت حشود البلطجية المستقدمين بعربات الأمن المركزي إلى حديقة المتحف المصري جزءًا لا يتجزء من حياة المتحف اليومية وقتئذ. https://www.youtube.com/watch?v=A85ti9OjDGU








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة أحمد الديين خلال الوقفة التضا


.. عنف الشرطة الأميركية ضد المتظاهرين المتضامنين مع #غزة




.. ما الذي تحقق لحركة حماس والفصائل الفلسطينية من القبول على مق


.. VODCAST الميادين | علي حجازي - الأمين العام لحزب البعث العرب




.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا