الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حادث تشارلي ابدو: محنة المثقفين وخلط الأوراق!

هبة عبده حسن

2015 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


نحن جميعاً نرفض الإرهاب ولكن أليس من الوارد أن هذا الفعل العدواني الذي أودى بحياة 17 شخصاً لم يرفعوا السلاح (من ضمنهم 4 صحفيين أو فنانين) هو رد فعل طبيعي لسنوات القهروالذل التي أذاقنا إياها الغرب والذي استعمرنا لقرون خلت، أو هو الفعل المعاكس لسنوات الدمار التي جلبتها إلينا أمريكا وحلفاؤها الغربيين منذ عقود؟ أليس هذا هو عقوبة الجرم الذي اقترفته الإمبريالية بحقنا؟ أ

الإجابة السريعة الحاسمة هي: لا...

هذا الرفض الصريح القاطع من جانبي للمنتج الذهني العتيق لمثقفين مسلمين وعرب ليس مرده أن الغرب رائع ولا غبار عليه ولا لأن الولايات المتحدة لم تقد تحالف دمّر العراق ليرسله على متن صواريخ توما هوك إلى حقبة ما قبل التاريخ بداية من العام 1991 وما تلاه، ولكن لأن هناك العديد من الحقائق الخافية (أو المغطى عليها) والمنطلقات المنتهية الصلاحية (من وجهة نظري بالتأكيد) التي يجب أن توضع جميعها على الطاولة قبل أن نبدأ حملاتنا الصوتية الفارغة المحتوى بداية ب "إلا رسول الله" وحتى "لا أحد يستطيع التهكم على اليهودية".

بداية أقرر أنه يمكنكم التهكم على اليهودية والمسيحية والبوذية وغيرها من الديانات والإيديولوجيات... هذا هو ما استقر عليه الغرب بعد معارك حقبة التنوير والتي كانت إحدى أهم نتائجها إعلاء قيمة الفرد (حريته واختياراته كلها) مقابل الأيديولوجيات والأفكار (ومنها الأديان). وأدعوكم هنا للدخول إلى أرشيف مجلة تشارلي ابدو واستعراض الرسوم التي تسخر من عيسى وموسى ومريم والآلهة الدينية الوضعية مثل بودا وجانيشا وكريشنا... إن الخلط الواضح في هذه المسألة قد يكون مرده ببساطة إما الجهل، أو قد يكون التغافل المقصود بغرض استفزاز مشاعر العامة والدهماء. وموضوع الخلط طبعاً هو معاداة السامية وإنكار الهولوكست. وبشكل حاسم أيضاً هذه المسألة (معاداة السامية وإنكار الهولوكست) هو موضوع ينتمي للقانون الوضعي، ذلك الذي اتفقت المجتمعات الغربية على احترامه في المبدأ بعد حربين أفنتا الملايين. إن من يعيش في العالم الغربي يفهم تماماً مدى قوة القانون وأهمية احترامه واستعداد أفراد المجتمع لتأدية عواقب انتهاكه حتى ولو لم يتفقوا معه. وعلى الرغم من ذلك فلم يسمع أحدنا أن هناك من قطعت رأسه أو تم تفجيره أو أكل كبده لأنه أنكر الهولوكست مثلاً!!!

الأمر الثاني هو عدم استعدادنا للاعتراف بالمسؤولية وبنفس القوة فنحن مستعدون لإلقاء اللائمة على الطرف الآخر (أي طرف آخر كان)، ولذلك ازدهرت لدينا نظرية المؤامرة بحيث أصبحت المنطلق الرئيس لتفسير كل الأمور. هناك جانب إيجابي في تبني نظرية المؤامرة كأحد وسائل تفسير الظواهر السياسية الاقتصادية (ومن ثم الاجتماعية) ولكن إذا تعدى التوسل بهذه النظرية الجرعة الصحية أصبحت سمّا قاتلا، إذ ستعمي متبنيها عن الحقائق وطبعاً عن تحمل المسؤولية.
إن معظم منفذي هذه العمليات الإجرامية (ومنهم مقاتلي النصرة وداعش) هم من الجيل الثاني (أو الثالث) لمهاجرين عرب ومسلمين استوطنوا بلداناً غربية استقبلتهم كمهاجرين أو كلاجئين، بعض هؤلاء يشعر بغبن مزدوج يعكس ازدواج هويتهم وإذا أضيفت للمعادلة الأموال الطائلة والأيديولوجية الدوجاطيقية القائمة على أوهام استعلائية (وكلاهما لم يأت من الغرب كما نعلم!!!) فالنتيجة ستكون بدون شك كارثية. هذه حقيقة قد لا يعرفها العديد من القاطنين في البلدان العربية والذين يتصورون أن الغرب ما هو إلا جماعة من ذوي البشرة البيضاء الذين لا هم لهم سوى أكل لحم الخنزير وشرب النبيذ والتآمر على الشرق، وليس عندي لهؤلاء سوى المثل الشعبي المصري البليغ "دود المشّ منّه فيه" فلا تنظروا لأبعد من تحت أنوفكم...
لقد عمل الغرب (بشكل غير منهجي قد يعكس جهلاً بالحساسيات الثقافية) على محاولة دمج هؤلاء، ولكن لأن هناك الكثير من العلائق الثقافية والجهل بفكرة الخصوصية والتنوع مقابل الاندماج في المجتمع الذي بني على قوانين مغايرة فإن هذا (الغرب) هو في نفس المازق.

تبقى محنة المثقفين أصحاب الإيديولوجيات التي لم يلتفتوا (أو لم يصدقوا) إلى الان أن عصر الإيديولوجية قد انتهى إلى غير رجعة مع بزوغ شمس عصر ثورة التكنولوجيا ووليدها الفذ (الإنترنت)... نحن نعيش زمن الثورة الإنسانية الكبرى الثالثة بعد الثورة الزراعية ثم الثورة الصناعية. نحن نسبح في بحر أثيري من المعلومات (حقيقة وليس مجازاً) وكلنا مشارك في هذه الثورة بقدر ما يرغب (سواءً كمنتج أو مستهلك). جل ما أعنيه هنا هو أن المعلومات متوفرة لمن يريدها ولمن يرغب في كسر حاجز اللغة والدوجما، وخاصة بعد خروج كتاب "لا مكان للاختباء" الذي أصدره الصحفي جلين جرينوولد بالاشتراك مع إدوارد سنودن. خطورة موقف هؤلاء أنهم مهمومون للغاية (سواء بوعي أو بدون وعي) بإثبات أن نظرياتهم لازالت قابلة للاستهلاك العقلي بينما مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام يرسمون واقعاً سيجتاح البقية الباقية في أقل من عقدي زمان.

قصارى القول هنا هو أن الغرب ليس بحاجة الآن لحادثة إرهابية أخرى لاجتياح ليبيا او للتدخل في سوريا أو العراق، فالتحالف لمواجهة إرهاب داعش موجود والكل شركاء فيه – حتى الفرقاء إذا شئتم – وفواجع 11-9 و 7-7 وبوسطن كافية لحشد دولي... كفى تنظيراً غير قائم على معلومات وابدءوا النظر إلى داخل بيوتكم، ابحثوا في النصوص المؤسسة واقرأوا تاريخ تأسيس بعض دول المنطقة وتابعوا مصادر تمويل الإرهاب قبل اتهام الغرب وحده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذه هبه حسن عبده المحترمه
سناء بدري ( 2015 / 1 / 11 - 20:10 )
اثمن مجهودك الابداعي الرائع في الكتابه والتحليل والتنوير.
اتابع معظم ما تكتبين ولا يسعني سوى ابداء الاعجاب والموافقه على اغلب كتاباتك
تحياتي ومودتي لفكرك وشجاعة ما تطرحين من قضايا


2 - الاستاذة هبة المحترمة
عبد الرضا حمد جاسم ( 2015 / 1 / 11 - 20:55 )
تحية طيبة
تقولين التالي
لقد عمل الغرب (بشكل غير منهجي قد يعكس جهلاً بالحساسيات الثقافية) على محاولة دمج هؤلاء، ولكن لأن هناك الكثير من العلائق الثقافية والجهل بفكرة الخصوصية والتنوع مقابل الاندماج في المجتمع الذي بني على قوانين مغايرة فإن هذا (الغرب) هو في نفس المازق.
السؤال هنا هل عايشتِ هذه الحالة لطفاً؟...كيف بشكل غير منهجي لطفاً؟
تقولين التالي
كفى تنظيراً غير قائم على معلومات وابدءوا النظر إلى داخل بيوتكم، ابحثوا في النصوص المؤسسة واقرأوا تاريخ تأسيس بعض دول المنطقة وتابعوا مصادر تمويل الإرهاب قبل اتهام الغرب وحده.
السؤال هنا
هل بحثتِ في النصوص المؤسسة؟ هل قرأتِ تاريخ تأسيس بعض دول المنطقة لطفاً؟
هل تابعتِ مصادر التمويل ...من أين تمر تلك الاموال؟
هل هناك من اتهم الغرب وحده؟
اعيدي قراءة ما تفضلتب به لتجدينه تنظير تنهين عنه
اكرر التحية


3 - تعليق
عبد الله خلف ( 2015 / 1 / 11 - 23:38 )
النفاق :
الذي يدمي القلب أنه بعد حرب الكويت، تم رسم صورة للرئيس الامريكي (وقتها) (جورج بوش الأب) على أرضية مدخل (فندق الرشيد) في بغداد، و في عام 1993 استهدفت الطائرات الامريكية منزل الرسامة العراقية (ليلى العطار) التي قامت برسم الصورة و قُتلت مع كل أفراد أسرتها ولم يشجب ذلك أحد!... لكن الآن و بعد حادث الجريدة فالكل يشجب و الكل يدين .


4 - هل يُصلح النص للنشر وكله أخطاء ؟؟!!
john habil ( 2015 / 1 / 12 - 00:25 )
تعلم وتثقف وتبحر في العلوم داخلاً في وطنه وخارجاً في أرقى الجامعات العالمية
ثم عاد لوطنه وأهله وكله أمل ونشاطاً وحيوية والأفكار والمخططات المستقبلية تتزاحم في أفكاره أيهما الأفضل ولمن الأولوية؟؟
خرج للناس لأهله ليقدم خدماته..... وبعد عدة محاولات تاه بين واقع الحياة بين الجهل والمعرفة بين النور والظلام بين الحقيقة والخيال(( شعب راق له العيش بين الحفر .. شعب عزم على الإتكال... شعب أحب الأساطير والخرافات .. شعب عشق العبودية و ودع الفكر،، وأحب سجٌانيه .... وهنا حدثت الصدمة ، ومرض وعل وأصبح لا يميز بين يده وبطنه ، وشعره بالأسم فقط.. أخذوه للدكتور وبعد علاج سريع عادت ذاكرته وتعرف لأعضاء جسده واحدة بعد واحدة .فقال الدكتور أنه سليم وسمٌى كل الأعضاء أمامكم يالأسم تستطيعون الآن أخذه معكم وفجأة أحس هذا الشخص المتعلم بخطر العودة لمجتمع التخلف والجنان ..... وهنا رفع أصبعه مشيراً إلى صدغه حيث العقل وقال
طبعاً أنا أصبحت معافى لأن هنا في ( مؤخرة تفكر )


5 - نص حرية التعبير نص ارهابي
عبد الله اغونان ( 2015 / 1 / 14 - 19:59 )

حرية التعبير دون ضوابط ولامقاييس

هذا النص هو باعث على الكراهية والارهاب

اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو