الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا أحد يستطيع معاندة الحكومة،،، يا بُني

وليد الحلبي

2015 / 1 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


مشكلة الكتابة في الظروف الحرجة، كما هي الحال هذه الأيام، سرعان ما تصنف على أنها "مع" أو "ضد"، بينما يكون المقصود منها فقط التوصيف بشواهد حية من التاريخ والتجربة الإنسانية، وليس قطعاً الوقوف "مع" أو "ضد"..
فقضية الإرهاب التي نعيش تطوراتها وتفاعلاتها هذه الأيام، لا بد أن الكتابة فيها تصنف كما أوردناه إعلاه، فإن أنت صمت، فكأنك توافق على الإرهاب، وإن أنت ماحكت، اتهمك البعض بأنك مماليء للغرب فيما يقوم به من اضطهاد لبلاد المسلمين بجيوشه الجرارة، وأسلحته الفتاكة، وعليه فالمهمة أمامك شاقة وعسيرة، وحمّالة أوجه عديدة، لذا ينبغي أن تؤخذ من قبل القاريء بتروٍّ وحكمة، لا بفهم متسرع وخاطيء.
فعلاقة الشرق بالغرب، والتي امتدت لقرون طويلة من الزمن، لا شك كونت الجذور العميقة للعلاقة بين الطرفين، واللذين يشاء التاريخ الإنساني أن يكونا مصنفين دينياً على أنهما الشرق المسلم، والغرب المسيحي. ولو أنصفنا لقلنا بأن رجال الدين القائمين على هذين الدينين السماويين، من شيوخ وقساوسة، هم المسؤولون عما يجنيه أتباعهما من تشوش في العلاقة، وضبابية في الرؤية، في القديم وهذه الأيام، إذ لم يستطع كلا الطرفين أن يشرح نفسه للطرف الآخر بحيث يزيل شبهات التناقض بينهما، فيقضي على أسباب الخلاف. ففي حين اعترف المسلم بالمسيحية لكنه أبدى رفضه لممارساتها، فإن المسيحي رفض الاعتراف بالإسلام بشكل قطعي وكامل، وبالتالي رفض كل ما بدر من أتباعه، وكان لكل منهما حججه ومنطلقاته. وربما التقط أصحاب المصالح الدنيوية في الطرفين هذا التباين، فاتخذوه وسيلة لمعاداة الطرف الآخر، فمن جهة غزا المسلمون بلاداً كان يحكمها المسيحيون، واستقروا فيها، ومن جهة بادر المسيحيون الغربيون إلى تجييش الجيوش الجرارة للعودة إلى البلاد التي كانوا فيها، حيث لم يقبل الغربيون بواقع أن المسيح عليه السلام من نسل يعقوب، وُلِد على أرض عربية تاريخياً منذ عهد الفينيقيين والكنعانيين وما تلاهم من أقوام تعود أصولهم إلى جزيرة العرب والعراق، فكانت الحروب الصليبية التي قدر لها أن تستمر حوالي المئتي سنة (1099 – 1192)، وهي الفترة التي كانت فيها الحضارة العربية الإسلامية تشع على الغرب، بحيث قيل بأن أبناء الأسر المالكة الأوربية كانوا يُرسَلون إلى جامعات الأندلس لكي يتلقوا تعليمهم هناك، كما يقال أن مهندساً أندلسياً هو الذي قام بتصميم بناء أول جسر على نهر التيمز في لندن (طبعاً مع التخلف الحالي للعرب والمسلمين تبدو هذه المقولة نكتة سمجة)، لكن بتراجع العالم الإسلامي حضارياً، يقابله مد حضاري على الجانب الآخر، ونشوء الثورة الصناعية الأوربية الحديثة في منتصف القرن الثامن عشر، والتي أدت إلى موجة الاستعمار الحديث، تقودها الشركات التي كانت تبحث عن مواد خام وأسواق لتصريف بضائعها، فخضعت معظم دول العالم العربي والإسلامي – كما باقي دول الجنوب - للاستعمار الأوربي المباشر، مدعوماً بجيوش جرارة وترسانة هائلة من الأسلحة، لكن واحدة من المفارقات الطريفة أن معظم جنود هذه الدول الاستعمارية كانوا من شعوب المستعمرات، ففي الحرب العالمية الأولى أبلى الجنود البريطانيون من شعوب القارة الهندية بلاء حسناً في احتلال العراق، كذلك فعل الجنود الفرنسيون من السنغال والمغرب العربي في احتلال سوريا بعد طرد العثمانيين منها، وربما كانت وعود المستعمرين لرعاياهم في المستعمرات بالاستقلال بعد انتهاء كل حرب خاضوها إلى جانبهم، واحدة من الأسباب التي نزعت الثقة بين الطرفين، والتي كانت مهزوزة في الأساس، فمثلاً قبل انتهاء الحرب العالمية الأولى، وَعَدَ الحلفاءُ الشريفَ حسين بدولة عربية مستقلة على أنقاض دولة بني عثمان، لكنهم في نفس الوقت كانوا يتآمرون لاقتسام بلاد الشام والعراق، ثم احتلت جيوش البريطانيين العراق والأردن وفلسطين، واحتل الفرنسيون سوريا ولبنان، أما قبيل الحرب العالمية الثانية، وبينما كان الجنود الجزائريون في الجيش الفرنسي يبلون أفضل من الجنود الفرنسيين أنفسهم أمام جيوش المحور، مدفوعين بوعد فرنسا لهم بالاستقلال بعد الحرب، إذ بالفرنسيين يفاجئونهم بمجزرة سطيف وقسنطينة في مايو 1945، الشهر الذي انتهت فيه الحرب، وهي المجزرة التي ذهب ضحيتها قرابة الخمسة والأربعين ألف مدني جزائري بريء، وذلك في نفس الوقت الذي كانت فيه القوات الفرنسية في سوريا تقصف مبنى البرلمان السوري في دمشق، والبريطانيون يحكمون بالإعدام على كل فلسطيني يعثر في جيبه على طلقة مسدس، بينما يرتبون أوضاع فلسطين لقيام دولة إسرائيل عام 48. جميع هذه الأحداث، والتي هي عينة بسيطة من علاقة الغرب بالشرق الأوسط بالخصوص، لا شك كانت المؤشر الواضح على اختلال العلاقة بين الطرفين، وعندما غادرت الجيوش الغربية المنطقة العربية نتيجة تضارب مصالح تلك الدول، لم تترك أوربا هذه المنطقة إلا بعد أن تأكدت من توريث البلاد لأنظمة حكم تربَّت في سراديب الاستخبارات الغربية، فكانت شهوة السلطة عند الدكتاتوريين العرب، واستسهال الغرب تلبية مصالحه عبر تلك الدكتاتوريات، أسباباً وجيهة لكي تدعم الدول الأوربية والولايات المتحدة – التي دخلت المنطقة متأخرة بعد حرب السويس 56- أن تدعم تلك الدكتاتوريات العربية، هذه الدكتاتوريات التي كان سحقها للجماهير عاملاً رئيسياً في تحريك موجات الربيع العربي، والتي ووجهت بصلابة النظام القديم الذي كان قد تجذر على مدى نحو النصف القرن الماضي بدعم غربي واضح.
اختلال العلاقة بين شعوب العالم الإسلامي والغرب، وبين هذه الشعوب وحكامها من الدكتاتوريين، ورثة الاستعمار، جعل ظهر الشعوب مكشوفاً أمام إملاءات الغرب، وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لكي تكون بداية للإطاحة بدولتي أفغانستان والعراق، وفي ظل السحق الذي مارسته القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة، مدفوعة بالمصلحة الإسرائيلية ذات النفوذ الهائل في أمريكا، وفي ظل التهاون الذي أبداه النظام العربي أمام هذه الهجمة الغربية الشرسة، بل والتعاون مع الولايات المتحدة وتسهيل تدميرها العراق، وفتح أراضيه للقواعد الأمريكية، في هذا الجو المفعم بالاضطهاد الذي وصل حد الاستهتار بالمواطن العربي، المسلم بالتحديد، والذي وجد نفسه محاصراً من عدوين: داخلي وخارجي، هنا كان لا بد أن تأخذ الجماعات المتطرفة زمام الأمر، مستغلة مشاعر الشباب المسلم الغاضب، والغير مكتمل العقيدة، لكي تجابه به تلك الهجمة العاتية، فأطل "الإرهاب" بتجلٍّ واضح في ربوع هذه المنطقة، ثم لتصل شراراته الحارقة بعد ذلك إلى العواصم الأوربية.
هذه الحالة التي غابت فيها الدولة الحامية لجماهيرها، بل والواقفة مع أعدائها، والتي دفعت الشباب للعمل الفردي، هذه الحالة ليست مقتصرة على الشباب المسلم فقط، ففي التاريخ الفرنسي الحديث، عندما اقتنع الجنرال "ديغول" في صيف عام 1960 أن لا حل للقضية الجزائرية إلا بالتفاوض مع جبهة التحرير الجزائرية، رفض المستوطنون الفرنسيون في الجزائرهذا التوجه الذي اختطه رئيس الجمهورية، فقام أربعة جنرالات فرنسيين بانقلاب فاشل ضد حكومة ديغول (لاحظ: انقلاب عسكري في فرنسا أم الديمقراطية)، وانتقلوا بعده إلى مدريد حيث شكلوا تنظيماً سرياً باسم "الجيش السري الفرنسي: L Organisation de l Armée secrète OAS”" بقيادة الجنرال "سالان" والذي أخذ زمام الأمور في الجزائر بيده، بمعزل عن حكومة باريس، وارتكب المجازر بحق الجزائريين، واغتال الفرنسيين الذين كانوا يؤيدون استقلال الجزائر، كما قام الجيش السري بعمليات سطو على البنوك ومراكز البريد، وخرب المنشآت الحكومية، كما أسست هذه المنظمة فروعاً لها في داخل فرنسا بقيادة اليميني المتطرف "جان ماري لوبان". وهكذا نرى أن غياب سند الدولة لتطلعات أفرادها – وهنا كانت تطلعات المستوطنين إبقاء الجزائر فرنسية – يدفع الأفراد إلى أخذ زمام الأمور بأيديهم، باعتماد الانقلاب العسكري والتنظيم السري والاغتيالات - وهي أعمال إرهابية -، دون اعتبار للخلل في ميزان القوى، واحتمالات النجاح والفشل. فلماذا إذن علينا الافتراض بأنه يحق للفرنسيين المستوطنين ما لا يحق للعرب المسلمين؟.
لكن، بما أنني واحد من الذين لا هم في العير ولا في النفير، وحيث أن آخر حكمة ذهبية أوصتني بها المرحومة والدتي حرصاً منها على مستقبلي كانت:(لا أحد يستطيع معاندة الحكومة يا بُني)، لذا أرجو اعتبار ما كتبته أعلاه قابلاً للعطب والخطأ مئة بالمئة، ويمكنني التراجع عنه بنفس السهولة التي كتبته بها، إذ لا أحد يستطيع معاندة الحكومة، فكيف إذا كانت حكومات،،، يا بني.

11 يناير 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة