الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هكذا تكلمت جثة آدم البغدادي. قراءة في رواية (مشرحة بغداد) لبرهان شاوي

علي داخل فرج

2015 / 1 / 12
الادب والفن


هكذا تكلمت جثة آدم البغدادي
قراءة في روية (مشرحة بغداد)* لبرهان شاوي

(هل نحن اموات وهذه هي أرواحنا تعيش، مثل ابطال الفيلم، أم نحن احياء فعلا؟).
بهذا التساؤل الذي ينبثق من لحظة اشتجار داخلي يفكر فيها (آدم) حارس مشرحة بغداد بعد أنْ شاهد فيلم (الاخرون) للمثلة الامريكية (نيكول كيدمان)، بهذا التساؤل يمكن أنْ تختزل ثيمة رواية (مشرحة بغداد) لبرهان شاوي. فلعبة التداخل بين الموت والحياة التي تدور أحداثها في بيت بطلة الفيلم المذكور التي تكتشف في نهايته أنها وأبناءها ليسوا سوى أشباح لموتى كانوا يسكنون البيت، تتكرر في الرواية وتُمارس في فضاء أوسع هو مشرحة بغداد، المكان الذي تلتقي فيه جثث القتلى والمغدورين من مختلف الطبقات الاجتماعية والسياسية في البلاد لتتحاور وتحكي قصة الرعب والموت الذي أصبح سمة لبغداد، تلك المدينة تسكنها الأشباح، وتسير في شوارعها الجثث، وتعبر على جسورها، بحسب ما تخبرنا الرواية في أكثر من موضع منها:((رأى الحارس آدم حركة الناس عابرة الجسر، وبدأت الحياة الميتة تدب في شوارع بغداد. كانت الشوارع مكتظة بالجثث الهاربة، كان هو يعرفها، بل يعرف الكثير منها، متأكدا من موتها..)).
في (مشرحة بغداد) يأخذنا السرد الى عوالم غرائبية قد تحيلنا إلى معتقدات قديمة لبعض الشعوب التي تؤمن بأنَّ الإنسان عندما يموت لا يعي هذا الحدث الخطير ويظل هائما على وجهه مدة من الزمن، قبل أنْ يكتشف الحقيقة المرعبة التي واجهها الحارس آدم الشخصية الرئيسة في نهاية الرواية، فالموت يتماهى بالحياة، او يلتبس فيها، لتنكشف لنا عوالم اخرى مسكوت عنها أو مغيبة، نتعرف عليها من خلال الشخصيات/ الجثث التي تسرد احداثا وقعت ابان اشتداد الصراع الطائفي ببغداد وبقية مدن العراق في الاعوام 2005، و2006.
وجدير بالذكر أنَّ برهان شاوي يواصل في هذه الرواية التنويع على شخصيتي ادم، وحواء، اللتين استحدثهما في روايتين سابقين هما (متاهة آدم)، (متاهة حواء)، فتتفرع شخصية ادم، أو تنفتح على آدم صاحب فندق السعادة، وآدم الخباز، وآدم أبو الكرامات، وآدم أبو المحاسن، وآدم كاشف الليل، وآدم أبو المجد، وغيرها، أما شخصية حواء فتتفرع أو تنفتح على حواء المفتي، وحواء البغدادي، وحواء هانوفر، وحواء الشقراء، وحواء المحجبة. والقاسم المشترك لكل هذه الشخصيات (الأوادم) و(الحواءات)، هو انها تخاطبنا من عالم اخر، هو عالم الجثث الذي تنتمي اليه، فهذه الشخصيات، بل شخصيات الرواية كلها ليست سوى جثث تتكلم وتتشارك في سرد قصة الموت الذي أصبح سمة لبغداد. وإذا كان الموت هو مأزق المدينة، فانه من جهة ثانية يبدو حلا وخلاصا من الزيف الذي اسمه الحياة في هذه المدينة، فالموتى بحسب حواء هانوفر احدى شخصيات/ جثث الرواية ((لا يكذبون. أنتم تعرفون ذلك. لقد عبرنا من تلك الضفة حيث الكذب والنفاق والحقد والاقنعة من صفات البشر. نحن لسنا بشرا. نحن مجرد جثث، مجرد أموات، اليس كذلك؟)).
وتبقى شخصية آدم الحارس تعيش المأزق الأكبر الذي يتمثل بأنْ يكون الانسان عالقا بين عالمين، او متأرجحا بين الحياة والموت، لا يدري الى أي منهما ينتمي، فهو لم يستوعب ما أخبره به آدم الطفل في نهاية الرواية من كونه ميتا هو الاخر وأنَّ ثمة أثر لطلق ناري في جبينه، ومن ثّمَّ نجده يكرر السؤال على جثة الطفل آدم:
((عليَّ أنْ اعرف هل انا ميت ام حي يا آدم، لكن كيف لي أنْ اعرف ذلك؟
نظر الصبي اليه نظرة مليئة بالطيبة والحزن والشفقة، وقال للحارس آدم وكأنه يخاطب طفلا:
- لا اعرف كيف ستعرف ذلك، وأنا لا أستطيع أنْ اجيبك هل انت حي أم ميت؟
- من يستطيع أنْ يجيبني إذاً؟
- لا أحد.
- لا بد أن يأتي أحد ليقول لي الحقيقة.))
وهكذا هي الحياة في بغداد بحسب ما توحي به الرواية، لا تختلف عن (الحياة) في المشرحة، إذ هي تقوم على الزيف والوهم، بل إنَّ حياة الجثث في المشرحة –وياللمفارقة-أكثر صدقا، وأكثر حزنا أيضا، فهي حزينة كحياة البغداديين الذين يعيش كل منهم مأساة الحارس آدم إذ هو عالق بين عالمين لا يربط بينهما سوى جسر قلق من الحزن والالم. وربما تلك هي حياة/زمن القراءة التي يعيشها القارئ مع (مشرحة بغداد)، وليس مستبعدا أنْ يتساءل هو الآخر مع نفسه كما تساءل آدم الحارس في الرواية: أنحن أموات وهذه ارواحنا التي تقرأ، أم نحن أحياء فعلا؟! لا بد أنْ يأتي أحد ما ليقول لنا الحقيقة! ولا شيء ثمة غير صوت تنتهي به الرواية نهاية مفتوحة على المأـساة البغدادية:
- لا أحد يأتي.

* مشرحة بغداد، برهان شاوي، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2012م.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان


.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير




.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام


.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي




.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية