الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسؤولية و المحاسبة-التلازم المطلق من اجل الادراك المنشود-

محمد البكوري

2015 / 1 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


تشكل الحكامة – من منظور شمولي – مقاربة جديدة ورؤية فعالة للتدبير في شتى المناحي وسائر المجالات الادارية ،السياسية ،الاقتصادية ،الاجتماعية ،المالية .... انها تمثل في الوقت الراهن النهج الأكثر نجاعة وريادة في تدبير الشأن العام وطرح الصيغ المجتمعية لبلورة المستقبل الجمعي للبشرية برمتها، كما أنها تجسد نمط دينامي، غير مألوف لتدبير السلطة بكل تجلياتها و تمظهراتها ،النمط المتسم بالمغزى الاستشرافي و المعني التثويري لمسألة الاصلاح والتغيير.
وبحكم أن الحكامة براديغم جديد للتدبيرالرشيد والحكيم والمعقلن للموارد والامكانيات والفرص، وكذا باعتبارها نموذج مثال Idéal type متطور، لوضع التصورات والرؤى والخطط الاستراتيجية ، فانه اضحى من اللازم التوسل بالمبدأ المعياري المنغرس في الكيانات العميقة لمفهوم الحكامة، ألا وهو مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فما المقصود بهذا المبدأ، وكيف يتكرس في النموذج المغربي؟
بداية ان الشفافية والمساءلة مفهومان مترابطان ومتراصان يشكلان معا أحد مقومات الحكامة الجيدة وذلك بارتباط وثيق ومؤكد مع مفهوم المحاسبة.
ويحيل مفهوم المساءلة، على كيفية تحمل المسؤولية الملقاة على عاتق صناع ومتخذي القرار، والنتائج المترتبة عليه ، كما يحيل أيضا على المنطلقات والاليات الاخلاقية و القانونية والسياسية الخاصة باستجواب المسؤولين عن تصرفاتهم ، وعدم ترك هذه الاخيرة للعبث و الارتجالية أو جعلها تتلون بألوان الأهواء الضيقة و النزعات الشخصية.
وتتخذ المساءلة أشكالا متعددة ، مختلفة ، ومتباينة في الدرجة و المستوى .فقد تكون مجرد تقديم استفسار عادي حول حيثيات اتخاذ قرارما ،أو القيام بتصرف ما، أو حصول نتيجة معينة ناجمة عن سلوك ما .كما قد تكون عبارة عن مطالبة بايفاد لجان التفتيش و المراقبة و التدقيق والافتحاص تظل مهمتها الاساسية فقط انجاز تقارير توضيحية ،سرعان ما يتم رميها في الرفوف .هذا مع عدم اغفال الشكل الزجري الذي يمكن أن تتمظهر فيه المساءلة عبر تقديم الحساب من خلال المتابعة القانونية و الملاحظة القضائية ،وكذا الشكل السياسي الذي يجعل من المساءلة آلية عقابية في لحظات سياسية مصيرية لأية دولة من الدول ( اللحظة الانتخابية مثلا ) وكل هذه الاشكال ،تدخل في نطاق تبلور مفهوم المحاسبة.
وتشير المحاسبة ،وهي كلمة تترجم أحيانا " بتقديم الحسابات " الى قدرة السلطات العمومية على تقديم حسابات للمواطنين ،وبشكل عام الى فعالية التدبير العمومي و الفعل المؤسساتي. وبالنسبة للحكامة ،فانه كثيرا ما يتم التمييز– في اطار معياري / وظيفي – بين الاليات الداخلية للمحاسبة ،المنبعثة من عمق السلطة العمومية ،والتي تسعى عبرها الى تنظيم آليات اشتغالها بشكل يجعلها تحقق متطلبات مواطنيها وطموحاتهم في العيش الكريم وبين الاليات الخارجية التي تنبثق عن الاشكال التنظيمية الاخرى ( مواطن، مجتمع مدني ) ،والتي أضحت في الوقت الراهن تلعب الدور الريادي في تتبع السياسات العمومية ، و بالتالي التمكن من محاسبة الجهة التي عملت على تنفيذها ،خاصة فيما يتعلق بالشق التنموي على صعيد هذه السياسات. بحيث أن –كما يشير الى ذلك تقرير المغرب الممكن أو تقرير الخمسينية– واجب تقديم الحسابات أو المحاسبة يعدعنصرا أساسيا في كل استراتيجية لتحديث بلد ما. فكلما كان الفاعلون في التنمية مطالبين بتقديم الحسابات للمواطنين حول السياسات التي يتبعونها كلما تعززت فرص تنفيذ المشاريع، بهدف خدمة المجتمع وتحسين رفاهية المواطنين. على هذا الصعيد ،وبالنسبة لبلادنا كان من الممكن فيما يخص تقديم الحسابات تفادي العديد من الاختلالات التدبيرية والتجاوزات التسييرية التي طالت شأننا العام ،لو أنه كان يخضع لتتبع فعال ورقابة ناجعة، من شأنهما أن يفضيا بالضرورة الى اضفاء المزيد من الشفافية على التدبير العمومي ،والى السرعة اللازمة لتنفيذ الاجراءات التصحيحية وبلورة الاستدراكات التقويمية .وفي الاطار نفسه لم يشعر المواطنون قط منذ الاستقلال بارتباطهم بنوع من العقد الاجتماعي مع الادارة ،فاذا كانت عليهم واجبات كمواطنين، فان لهم أيضا حقوق ،ومنها الحق في المطالبة بمحاسبة المضطلعين بمهام عمومية. ان المحاسبة وثقافة التقويم ،باعتبارهما محفزين على الشفافية وارادة المشاركة البناءة للساكنة يعدان من صميم مبادئ التنمية التي تنقصنا ،خاصة اذا أخدنا بعين الاعتبار ضعف اليات المحاسبة ببلادنا، وكذا كون ثقافة التقويم والتعاقد لم تكن راسخة لدينا بالشكل الكافي ،فالسياسات العمومية لم تكن دائما تخضع للتقويم، انطلاقا من معيار تأثيرها على العيش الكريم للساكنة . كما أن عمليات تنفيذ تلك السياسات ونتائجها لم تكن دائما موضوع تقويم ممنهج ،كان بامكانه تعزيز مصداقيتها و ملاءمتها لاحتياجات المواطنين . وهكذا كان من الممكن توجيه العديد من الاصلاحات التعليمية غير المنتجة واعادة صياغتها في الوقت المناسب ،لو أنه تم تقويمها في أجل ملائم.ونفس الملاحظة تسري على تدبير الادارة العمومية ،اذ رغم اليات المراقبة الداخلية وتقويم الأداء والطعن التي تم وضعها، في اتجاه تحميل المسؤولية للادارة على نحو اكبر ، فان الفرد المساهم ليس لديه دائما احساس، بأن الادارة مسؤولة أمامه، وأن عليها تقديم له الحسابات. ( "المغرب الممكن، اسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك " تقرير الخمسينية، اللجنة المديرية مطبعة دار النشر المغربية 2006.ص240.)
وعموما فالمساءلة و المحاسبة كمبدأين متلازمين للحكامة الجيدة، يعنيا وجود آليات مكثفة للمساءلة و المحاسبة و امتثال المؤسسات العامة والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني لهذه الاليات ،التي من شأنها محاسبة المسؤولين عما يقومون به من أعمال وتصرفات .وذلك بغية تحسين المردود التدبيري وضبط الاداء الاداري ومحاربة كل أشكال الفساد. وهو ما تكرس بالمغرب كمبدأ دستوري ،من خلال نص دستور 2011 على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، لدرجة أن أول فصل من هذا الدستور، ألح وأكد على هذا المبدأ باعتباره من أبرز الاسس التي يتوطد عليها النظام الدستوري المغربي ،اذ جاء في الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور مايلي :
" يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها و الديمقراطية المواطنة و التشاركية و على مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة".
ومن ثم، يمكن القول أن التكريس الدستوري لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ،هو اعلان صريح عن انبثاق مفهوم " دولة القانون " وكذا مفهوم دولة " الحكامة "، باعتبار كلا النمطين من الدولة، يشيران الى الابعاد الحقيقية للوجود الجوهري للدولة في حد ذاتها .و لا يعد الفصل الاول هو الواحد الاوحد الذي سعى الى التنصيص الدستوري لهذا المبدأ المعياري ،اذ نجد الفصل 154 ( الفقرة الثانية) وفي اطار المبادئ الناظمة لسير المرافق العمومية ،يؤكد على مايلي " تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة و الشفافية و المحاسبة و المسؤولية وتخضع في تسييرها للمبادئ و القيم الديمقراطية التي أقرها الدستور". كما أنه يمكننا أن نعري عن تواجدية هذا المبدأ في متن وروح هذا الدستور، أي بشكل صريح أو بشكل ضمني من خلال تنصيص العديد من فصوله على مبادئ ذات الصلة بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة : احترام القانون ،الحياد، الشفافية ،النزاهة و المصلحة العامة...
واذا كان الجانب الدستوري قد اتسم بايلاء الأهمية الرائدة و المكانة اللائقة لهذا المبدأ كاحدى المبادئ الموطدة للدولة الديمقراطية، فان الجانب التنزيلي المرتبط به ،هو الذي يمكنه أن يعطي الدليل الملموس على انبثاق التجليات الحقيقية لهذه الدولة.
ان قضية وزير الشباب والرياضة مثلا ،وما طرحته من اشكاليات دستورية، قانونية، تدبيرية،وتواصلية، تعتبر من أبرز القضايا التي جعلت هذا المبدأ تسلط عليه " الاضواء الكاشفة " وعمقت الرغبة في سبر اغواره و اماطة اللثام على كل جوانبه، وجعلت مسألة تنزيل الدستور تطرح مرة أخرى مطرح النقاش.

وبصرف النظر عن مآلات قضية الوزير أوزين" في ما يخص تقديم الحسابات: المحاسبة الدستورية ( الفصل 93 من الدستور :الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به وفي اطار التضامن الحكومي).المحاسبة السياسية ( القرار الذي سيتخذ على مستوى الهياكل التنظيمية لحزب الحركة الشعبية).المحاسبة الادارية ( الدفع بالاستقالة أو الاقالة او الشبه المنزلة التي بينهما، و التي هي عبارة عن صيغة :الاعفاء من المهام بناء على طلب مقدم من طرف الوزيرلرئيس الحكومة برفع ملتمس للملك للاعفاء من مهامه ،وهو الشئ الذي تم يوم الاربعاء 07يناير2014) .المحاسبة الافتراضية ( و المقصود بها المحاسبة التي قامت بها مواقع التواصل الاجتماعي والكم الهائل من المطالبات الني تمت عبرها، فيما يتعلق بتنزيل وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة) و المحاسبة الشعبية ( تطبقيا للمثل المغربي الدارج: لي فرط يكرط وعبرها مطالب جل مكونات الشعب المغربي باتخاذ القرار الصائب على مستوى المحاسبة اللازمة في ما يتعلق بهذه القضية) ،فان مجرد فتح النقاش العمومي حول فحوى مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة و ادراك مغزاه و الوعي بكونه الاطار الانسب لممارسة جادة وفعالة للشأن العام، يعتبر في حد ذاته من أبرز المكتسبات، التي يمكن أنها نجمت عن هذه القضية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مرشحون لخلافة نصرالله | الأخبار


.. -مقتل حسن نصر الله لن يوقف مشروع الحزب وسيستمرفي المواجهة -




.. الشارع الإيراني يعيش صدمة اغتيال حسن نصر الله


.. لبنان: مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلي




.. المنطقة لن تذهب إلى تصعيد شامل بعد مقتل حسن نصر الله