الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طفولة إنسانيو

صالح برو

2015 / 1 / 14
الادب والفن


لكل قلم حكاية بما فيهم قلمي الذي لم يعد له أثر للوجود كباقي الأقلام التي رحلت عن هذا العالم في ظروف غامضة لا يعلمها إلا كيان المجهول الذي لا يزال يتباهى بلمعان الغموض طيلة بقائه على الحكم وكأنه رب المشيئة.
وهذا ما هو محتوم في دستور الظلام الذي خيّم عرشه على أجيالٍ من الكلمات التي اجتمعت في مقاطعة الألم معاً لأنها حملت هوية الإنسان وهذا ما هو محتوم أيضاّ في رسالة السلام..
ومن هنا، وفي هذا المكان الخالي من أي خوف مشيك، حيث لا أحد يحيط بي ويسمعني سوى هذه الكلمات التي تشاركني بإدلاء الشهادة، سأحاكم نفسي بتهمة لم أسمع بها بعد سوى أني تخليت عن قلمي لظروف خارجة عن طور الأدب كما ذكرتها ذات يوم،
ولكن بعدما مرت بي الأيام واجتاحتني تفاصيل العزلة وحملت من التأمل في رحم روحي توأمين هما الفضيلة والحب على مدة تسعة أشهر سماوية وأنجبت نفسي لاحقاً عرفت أن الإنسانية ليست نزوة أدبية كما أهنت بها قلمي ذات خلوة، إنما وصية السماء الأولى، وخلق الطبيعة الحنون..
بدت حكاية الفتور بيني وبين قلمي يوم اعتكفت على نفسي، ورحت أنشغل بالصمت الذي يشغل كل شيء في سياسة الجغرافيا المطلوبة حسب المساحة التي يمنحها التاريخ لنفسه بين حين وآخر، مما جعل قلمي يقع في هوى صفحة بيضاء مفتونة به أحبا أن يؤرخا حبهما في حكاية سامية إيماناً بالسماء وزمرة الدم الإنسانية الواحدة بخلاف المعتقدات التي باتت في أيادي بشرية ومنحت حق الإلوهية لنفسها لتحرم وتحلل كما يحلوا لها حسب التوجيهات الصادرة من المداخن التي عكرت صفوة الإنسانية...
وبعد تجربة التوحيد والدعوة إلى حب الإنسانية في عالم الحبر
قررا أن يحققا حلميهما ليتزوجا على سنة الأدب، فلم يمنحهما أحد الشرعية بذلك بحجة أن القانون والأعراف متمسكان بالمعتقدات التي ترفض كل ما هو مخالف لوصاياها إضافة إلى ذلك أن عقوبة الموت ستشتد أكثر خصوصاً إذا أنجبا أطفالاً لا يحق لهم الحياة لأنهم خلقوا بطريقة غير شرعية..وهذا ما كنت أحذّر منه قلمي وعشيقته الصفحة البيضاء خشية على حياتهما،فكانا يسخران مني ويقولان: وهل تخطئ السماء في الخليقة لتبلي أصدقائها في الأرض. إلى أن تزوجا حقاً رغم كل الصعوبات.
وبعد فترة من الخفاء عن الأنظار خوفاً من ملاحقة الظلام لكليهما أنجبا طفلاً وسيماً سموه (إنسانيو) الطفل الذي لا يعلم شيئاً عن سر هذا العالم سوى أنه جاء من الحب ليلاعب الحياة التي تقف على ركبتيها وهي بانتظاره منحنية لتحمله على ظهرها وكأنها فرس تقود فارسها إلى جهة جديدة للعالم،ولكن سرعان ما ينتهي الزمن في الأحلام وتطفئ السماء أنوارها وتغلق الأبواب بأقفال محكمة إلى أن أصيب ( إنسانيو) باليرقان الأدبي مما أدى إلى خلل في خمائر الحبر لسبب بسيط ألا وهو عدم تلقي العلاج تحت الضوء المؤدي إلى النور خوفاً من الوصول إلى يدي القارئ، حيث لم يستقبله أيّ دار.فجميع أبواب دور النشر كانت مغلقة في وجهه تحسباً من مخالفة التوجيهات المتعلقة بالمحظورات الأدبية إلى أن ألقي القبض عليهما لكثرة أصدقاء الظلام المتكاثرين في أرجاء المعمورة.
وقتها كان الخيال وسيطاً بيني وبين قلمي بنقل الأحداث والإجراءات المتخذة بحق العاشقين لذلك عرفت أنهم أخذوا من حبره خزعة للوصول إلى صاحب الطلب لعدم اعترافه بأحد ولا عن مدى علاقته بي بعدما مارسوا أشد العقوبات بحقه ككائن معارض إلى أن خطوا بدمه قرارات ومراسيم حتى جفت روحه وسقط شهيداً في سلة المهملات، كما أبعدوا عشيقته عنه، وحكموا على أنوثتها بالأعمال الشاقة كلف السندويشات، ومسح زجاج السيارات إلى أن زاد قلقي، وكثرت شكوكي حتى تنحيت جانباً من شدة الخوف، وبقيت متخفياً عن الأنظار مترقباً عن بعد، بما حملته الأيام من متاع في أسواق تعاظمت عليها المشاهد البصرية على حساب القيّم الروحية إلى أن صارت الكلمات تعزي نفسها بوحدتها بعد مقتل الأرواح....هكذا كنت أقشر السخرية،وأطعمها للعالم وأقول هنيئاً لك يا عصر، وهنيئاً لي عزلتي التي صنعتني موكلاً لحبرٍ لا يموت، ووضعتني حارساً على نفسي لأحاكم نفسي بنفسي ، فآخر ما توصلت إليه هو صدر الليل، وأول ما سمعته عن لسان الدخان الذي جمعني التسكع به مصادفة، وهو يصرخ تحت جسر خرافي يمثل هوية عربستانية:
(هنا يحترق العاشقان، وهنا تمر السخرية، وما من أحد يسمع هذا الصراخ سوى (إنسانيو) الذي تبناه الخيال في دار الأيتام).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-