الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحداث باريس:الاستبداد والعنصرية وانتاج التطرف

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2015 / 1 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


الاستبداد والعنصرية وانتاج التطرف


شكلت أحداث شارلي أيبدو، إضافة نوعية في رفع وتيرة العنف والإرهاب الذي تعيشه المنطقة المتوسطية، من حيث دلالتها وأبعادها، معيداً الى صورة احداث الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها. وما بدأ يتمخض عن أحداث باريس الإرهابية من اتجاهات امنية وسياسية واجتماعية، سوف تترك بصمتها الخاصة، ليس فرنسياً فحسب، وإنما على صعيد منطقة الأورومتوسطية بشكل رئيس وكامل. وفي مقدمة ذلك استنهاض واسع لبذور العنصرية التي كانت تتملل في تربة صالحة.
يمكن النظر الى تكاملية مشهد الإرهاب من حيث أدواته، ووسائله وغاياته، في قوس الدم والنار الممتد من سوريا والعراق واليمن الى ليبيا، ليصل باريس، والذي يشكل فيه القتل بقطع الرؤوس أو بالرصاص، وسيلة للرد على الآفكار بشكل أساسي. وقاعدة لا استثناء فيها من حيث تكوين الذهنية التي يمكن وصفها بالمنغلقة، لاترى سوى ماتريده هي، ووفقاً لرؤيتها المتقاطعة مع تطور الذهنية المعاصرة، سياسياً واجتماعياً، بما يعدّ انجازاً ثقافياً، تتقدم قيمته الإنسانية، في الحوار، على أية قيم أخرى، على عمق الاختلاف، وشدة الاعتراض الذي ينشأ فيها.
فكرة العنف والتطرف، مرتبطة بالإسلام اليوم، هذه حقيقة أساسية لا يمكن نكرانها او تجاوزها، ذلك ان مجموعات وتنظيمات الارهاب، أين تكن نشأتها وظروف تطرفها، تستخدم أساليب العنف الأشد وحشية باسم الإسلام، دفاعاً عنه، أو جهاداً من أجل نشره وفقاً لرؤية معينة موجودة ومتاصلة في الفكر الاسلامي. ثمة عنف وتطرف وارهاب في كل المجتمعات دون استثناء، لكن عوامل النمو والانتشار، يجب ألاّ تكون غائبة عن التفكير لدى طرح الأسئلة، كمقدمة للفهم.
كل استخدام لوسائل العنف، هو غير مشروع، هو عمل إرهابي بالمعنى المتداول، ويكشف عن أنماط أخلاقية ومعرفية، ترفض مايغايرها. وهو جزء من حالة الاستبداد التي طبعت المجتمعات الانسانية، الاسلامية وغيرها. والتي ارتبطت فيما بعد بالاستبداد الديني، وكانت منتجة له، بشكل خاص في المنطقة العربية، في مواجهة التنوير والتمدن، كما في استراتيجية تدعيم سيطرة السلطة على المجتمع. وبذلك مارست الدولة، كما التنظيمات والأفراد العنف كوسيلة إرهابية من أجل فرض قيم وافكار محددة. ولا يمكننا القيام بأي جهد موضوعي في مواجهة تنامي التطرف و الإرهاب دون معالجة مسبباته الأساسية، بما فيها العمل على ومع البيئات المنتجة له ثقافيا واجتماعياً.
ليس ثمة أي مبرر للجوء الى ممارسة العنف، والعنف الدامي بأي حال، وفي مقدمة ذلك في مواجهة حرية التعبير بمختلف أشكالها. وهو مدان لأنه يتناقض مع القيمة الساسية في الحياة وهي الانسان، وهي تتقاطع مع التفكير المنتج للحوار خاصة في القضايا التي يقود فيها الاختلاف الى العنف. لكن الممارسات المنبثقة عن الإيمان بأفكار محددة ومنتقاة من المدون التاريخي، سواء الإسلامي أم غيره، ساقت الى تأصيل رفض الآخر، وبالتالي رفض افكاره وقيمه وثقافته، وبالتالي نمط معيشته ومعتقداته.
الارهاب حاضنته الطبيعية، بيئتين هما الاستبداد والعنصرية. ذلك ان القمع وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات السياسية والاجتماعية، وممارسات القهر دونما أية حدود رادعة، جعلت من رد الفعل ممكناً فقط بالعنف الذ يتولد من تلك السياسات التي انتشرت في المنطقة منذ اكثر من نصف قرن، في الدول الوطنية المستقلة حديثاً. يمكننا العودة الى الإرث الاستعماري، والاستفاضة كثيراً في مسببات نشوء العنف والإرهاب، كظاهرة متوالدة في التاريخ المعاصر، فالمجتمعات المنتجة للحداثة، هي منتجة أيضاً للعنف.
في سياق آخر، تغاضي الغرب الأوربي والأمريكي، عن سياسات الاستبداد، في المنطقة المتوسطية- الشرق أوسطية، بذريعة مواجهة التطرف، قاد الى نمو منظم للمجموعات والتنظيمات الارهابية، وفي معظمها تنظيمات عالمية، شان نظرتها للإسلام( عالميته). واتخذت من ذلك أسباباً للتعاون مع حكومات الاستبداد، كما يحدث في استراتيجية التعامل مع نظام الأسد، الذي ارتبط بتعاون امني وثيق فيما يتصل بالارهاب، فكانت النتيجة، أن يترك للأسد ممارسة أشد حالات العنف المفرط، بحق السوريين، أي ممارسة كل انواع الارهاب وارتكاب المجازر الوحشية، مستظلاً بمحاربة ما اسماه الجماعات الارهابية في سورية، والتي كان منتجاً لبعض حالاتها ومشاهدها، وقدم الكثير مع أطراف اقليمية ودولية، ما مكن تلك الجماعات والتنظيمات من النشوء والانتشار، الى أن ضرب الإرهاب قلب باريس.
ولكن هل يختلف ماحدث في باريس، عما يرتكبه نظام الأسد يومياً، او ما ترتكبه سلطات الاحتلال الاسرائيلي بحق الفلسطينيين، أو ما تقوم به كل سلطة استبدادية، بمصادرة حرية الرأي والتعبير والمعاقبة عليها بالتعذيب والقتل ؟
من الأهمية الإيمان بحق الاخرين بالاختلاف، في الدين والعقيدة، في الثقافة والتفكير وأسلوب الحياة، والإقرار بحق الاختلاف ليس مدعاة أيضاً للنيل من قيم وأفكار تؤمن بها مجموعات بشرية اخرى. ومن حق الجميع انتقاد كل الافكار والقيم بما فيها الديانات، دون ان يكون الهدف الحطّ منها، أوالنيل من قيمها و حتى رموزها.
أبرز ضحايا الارهاب، هو المجتمع المنتج له في الشرق والغرب، وتلعب العنصرية المتفشية في كثير من المجتمعات الغربية، دوراً في ذلك، طالما أنها تتمدد مع ارتفاع وتيرة القوانين التي يتم الاحتكام اليها لمنع ذلك، دون أثر يذكر، نتيجة للفهم المغاير للمبادئ العامة لدى كل دولة ومجتمع.
وبغض النظر عن الحالة الفرنسية اليوم، نستشهد بماقاله دوفيلبان: (الارهاب الإسلامي هو من ابتكار الغربيين وأن الدولة الإسلامية (داعش) كما يسمونها الأنكلوساكسون هي الوليد المسخ
لتقلب وغطرسة السياسات الغربية ). ونضيف الى ذلك مجرد الإشارة الى الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام فضلاً عن سياسة الغرب، وحكومات الاستبداد، في المساهمة في انتشار الارهاب اكثر.
بالنسبة لنا كسوريين، نعاني منذ أربع سنوات الارهاب المنظم، الذي ينتهجه بشار الأسد بتغاضٍ غربي. وحل مشكلتنا تتم عبر استراتيجة تجتث أسباب الارهاب: نظام الأسد. وهو الطريق الى بناء المواطنة والمساواة، في مواجهة التطرف والاستبداد.
_______________
كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا