الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب الصحفي الكردي القاسي على عرب العراق

كامل السعدون

2005 / 9 / 9
الصحافة والاعلام


ألا إنما الدنيا غضارة أيكـــــة إذا اخضر منها جانب جفّ جانب
" بن عبد ربه "

قالت العرب ، حين كانت العرب عربا حقا ، قبل أن تغرقهم الفتن وتتوزعهم الطوائف وتتلاعب بهم أهواء الملوك . قالوا هذا المثل الذي يعنون به ، أن الحياة ما هي إلا كما البستان يخضر منه جانب على حساب آخر ، ولا بد من قبول الحالين ، وليس لمخضر خلود ولا لجاف خلود على جفافه وأظن أن أخوتنا وأهلنا وأحبتنا الكرد الطيبون ، يعرفون هذا جيدا ، وقد خبروه كما خبرته أقوام الشرق الأخرى كلها ، من أن الأخوة مع العرب ، لا تخلو من قدرية كبيرة ، فقدرنا جميعا هو الإسلام ( شئنا أم أبينا ) وقدرنا جميعا هو العيش المشترك والمصالح المشتركة والهموم المشتركة .
لقد إجتمعنا على الهم الإسلامي الذي أورثه العرب للكرد والعثمانيين والألبان والفرس ، وكان لكل هؤلاء صولات وجولات وممالك ودول ، حكمتنا فما تنكرنا لها ولا حاربناها ، بل شعرنا بالأمان في ظلها ربما أكثر من الأمان في ظل الحاكم العربي الأموي أو العباسي .
وإذا كان البستان العربي قد بدا جافا ، هنا أو هناك فليس هذا الجفاف أكيد ولا هو خالد ، وإذا كان هناك وعدٌ بدولة كردية جديدة تقوم على الأساس القومي ( وإني والله لأتمناها ) ، فحتى هذه الدولة لا يمكن أن تستقيم بغير الود مع العرب ، وما تنتزعه بالود هو وربي أدوم وأقوم مما يمكن أن تنتزعه بالقوة ، لأن مصير كل قوة إلى خذلان .
حكم محمد علي باشا مصر ، وكان البانيا ، وكان حكمه أجمل وأقوى وأكثر عروبية وإنسانية من كثير ممن حكموا مصر بعده .
وحكم صلاح الدين الكردي الأيوبي العرب جميعا في إمبراطورية عريضة قوية فكان له على العرب فضلا وكان للعرب عليه وعلى أمته فضل الذكر الحسن والخلود الذي ما كان يمكن أن يصيبه لو إنه أقام دولة كردية قومية .
لا نشك في أن دولة الإسلام قد إنتهت في اوائل القرن الفائت وأن قيما جديدة جدت وواقعا جديدا نشأ ولا يمكن إلا أن يحترم ويُفهم وأن العرب كما الكرد والترك والفرس وغيرهم لهم الحق في أن تكون لهم دولهم القومية الخاصة بهم ، لكن هذا لم يحصل لا للترك ولا للكرد ولا للعرب ، بل حصل بديل آخر أكثر حضارية وواقعية وجمالا وهو الدول الوطنية التي تجمع أعراقا شتى .
فلا سوريا دولة قومية عربية ترتبط بقوة ببقية أطراف أمتها ولا العراق كذلك ولا تركيا فهناك ترك في دول أخرى يعيشون ما تعيشه شعوب تلك الدول من خير أو شر ، ولا الفرس يعيشون الألق والمجد القومي الفارسي في بلدهم ، ولا الكرد نالوا حق إقامة الدولة القومية الكردية الكبيرة ، رغم أن هذا الطموح مشروع ولا سبيل لإنكاره عليهم كما على غيرهم .
ولا اليهود في إسرائيل أقاموا الدولة القومية أو الدينية القاصرة على الجنس اليهودي ، بل إن لديهم في قلب الدولة قرابة المليوني مواطن عربي وهم في إزدياد دائم ، ولا نشك في أن إنتمائهم الوطني لدولة إسرائيل سيطّرد أكثر مع إنتشار الديموقراطية في الشرق الأوسط ومع تنامي بروز القيادات الفلسطينية الواقعية المثقفة المتحررة من نوازع العصبية القومية .
ولدينا اليوم رئيس كردي لا نشك في أنه مقبل على أن ينال خمس سنوات قادمة في القصر الرئاسي ، وأظن أنه سيغدو تقليدا عراقيا أن يكون رئيس الجمهورية كرديا أو من الأعراق العراقية الأخرى ، فالناس ستنتخب الأفضل والأكثر حبا وحزما وأمانة للشعب العراقي ، وكم من الكرد من هو أكثر أمانة على عرب العراق من كثير من القادة العرب ، وأمامنا ( أو قل إلى الخلف قليلا ) نماذج من التاريخ العراقي الحديث كان فيها الوزير أو رئيس الوزراء من الأقليات التركمانية أو الكردية أو اليهودية وكان أمينا على الدم والمال العراقي ومؤمنا باللعبة الديموقراطية وحريصا على قواعدها وإلا ماذا تقول عن حكمت سليمان أو نوري السعيد أو فيصل الأول أو بكر صدقي أو ساسون حسقيل أو العشرات بل المئات من القيادات التركمانية والكردية والآشورية والكلدانية والعروبية من غير عرب العراق ....؟
وقد أثبت العزيز الطالباني ، رئيسنا الحالي ومفخرتنا ، أنه عراقيٌ غاية العراقية حين وقف بوجه العرب بحزم وقوة منافحا عن الكرامة العراقية والإعتبار العراقي ، حين قال للعرب ( ما معناه ) لقد سئمنا من تجاهلكم وليس العراق بفقير إلى مساعدتكم أو دعمكم ، فإن لم تعدلوا فلا صالح لنا بكم وأنتم الخاسرون ، ووالله لقد أثلج الرجل صدور أغلب العراقيين بهذا القول الفصل .
الطالباني عراقيٌ غاية العراقية وهكذا يجب أن يكون الحاكم العراقي والسياسي العراقي أنى كان عرقه أو قوميته ، لكن ... كم من الطالباني لدينا وهل يفكر الأخوة مثقفوا الكرد وسياسييوهم في كردستان بذات المنطق الواقعي العقلاني العادل الجميل ...؟
للأسف كلا وألف كلا ، وقد أغاظني كعربي مرات ومرات أن أجد كردا يهينون العرب بلا حساب ويشوهون التاريخ العراقي بغير ما عدل أو رحمة ، لدرجة أنني إحيانا أتساءل ماذا بقي لنا نحن العرب من العراق يا ترى ؟
( أحد الأخوة يقول أن أسوأ من ورد إلى العراق هم العرب أو ما أسماه الناس الذين قدموا من الجنوب-
أنظر المقال المنشور في صحيفة رئيس الجمهورية الرائع للغاية :
نعم يا عمرو موسى... العراق الصحراوي فقط جزء من الامة العربية
صفوت جلال الجباري

وكأن العراق كان ينعم بالحضارة الكردية العريقة وفجأة حل عليه العرب فكانوا لعنة على تلك الحضارة المجيدة .... !
ثم ... ولا كأننا عرب العراق لدينا إحساس بالكرامة القومية التي يحسها الكردي ذاته أو الآشوري أو الكلداني ويكفيك أن تمر على صحيفة الإتحاد لترى بعض من تلك المقالات التي لا أظنها تبني شيء أو تخدم الأخوة العربية الكردية التي هي قدر الكرد سواء إستقلوا أم أكتفوا بالفيدرالية وإني والله لأتمنى من كل قلبي أن يستقلوا ، وكلما قرأت مثل هذا الذي أقرأ أو سمعت قسوة كقسوة العزيز البارزاني الذي أكتفى بيوم حداد واحد لشهداء الجسر ، لتمنيت وربي أن يستقلوا اليوم قبل الغد ، فقد بلغوا من القسوة مبلغا رهيبا موجعا .... !
ولن أعدد المقالات القاسية أو أستعرض المواقف فليس في العراقيين العرب من عاشها وسمعها ورأها ولمسها منذ يوم التحرير حتى يوم الله هذا .
أذكر مثلا عربيا شائعا وله مرادفات لدى الغرب أيضا وهو يقول (لا تعد فراخك قبل أن تفقس ) ... !
ليس من الحكمة أن نعد فراخا لم تفقس بعد ، ومهما كان إيماننا قويا بأن فرخة الدولة القومية الكردية ستفقس ، فلا أظن أن من الحكمة أن نهاجم العرب مبكرا وبقوة كما يفعل الكثير من أخوتنا الكتاب والساسة الكرد ، وبينهم البعض ممن يفتحون النار بمنتهى القسوة علينا نحن العرب عامة ، مع إنهم يكتبون بلغة عربية جميلة ولا أظن أنهم سيجدون قدرة على الكتابة بمثل هذا الجمال بغير العربية ... !
والغريب أنهم يلتقون في هذا مع بعض الأخوة من صفويو العراق الذين يريدون لنا أن ننسى شرف عروبتنا ، تحت وهم التماهي بين العروبة وصدام حسين .
وهذا غير صحيح بالمرة لأن عروبتنا كما كردية الأخوة الكرد أو آشورية الأخوة الآشوريون لا ترتبط بالأفراد بل ترتبط بأم المرء وأبيه ولغته وتاريخه .
لقد ولدنا كردا أو تركمانا أو عربا أو غجرا ، مسلمين أو يهود أو مسيحيين أو من أسر ليس لها في الدين نصيب ، وتلك أقدارٌ لا مناص من تقبلها والإرتقاء بها نحو الأفضل ، أما أن نتناطح ونتبادل السباب والشتائم ويمزق أحدنا فروة الآخر ، فهذا ليس من الحكمة ولا العدل ولا يمكن أن تبنى الأوطان بغير إحترام كل الأعراق والقوميات والحذر من تجريح الآخر أو التشكيك بهويته القومية أو الإثنية . وكما يقول المثل المصري ( مفيش حد أحسن من حد ) أو الآخر الذي يقول ( كلنا في الهم سوا ) .
بلى لقد كنا جميعا في ذات الهم وكان الكرد يوما متألقون في ظل الدولة العربية المحمدية الإسلامية أو في ظل دولة الخلافة العثمانية ، وكانت لهم إماراتهم الإسلامية شبه المستقلة ضمن الدولة الإسلامية العريضة ، ثم صاروا جزءا من إيران أو العراق حين نشأت الدولة أو الدول الوطنية العراقية والتركية والإيرانية ، ونحن اليوم عرب العراق لسنا أفضل من كرده أو تركمانه ولله الحمد ، ولن نكون أفضل في ظل الدولة الوطنية العراقية الديموقراطية الإتحادية ، فإذن من الحكمة أن لا نعد البيض قبل أن يخرج ، ومن الحكمة أن نفرح بما يفقس من البيض فهو على أية حال أفضل من العقم في زمن صدام حسين .
الفيدرالية أيها الأحبة نعمة عظيمة وإن كانت دون مستوى الطموح ، ونحن عرب العراق كان لنا يوما مثل ما لديكم اليوم من طموح إلى الدولة والأمة الكردية ، ولكننا حين جاء لنا الإنجليز بملك عربي كريم ( كان ثائرا لا مشرداً ، كما يدعي أحد الأخوة الكتاب الكرد في مقال له في صحيفة الإتحاد الإلكترونية ) ، قبلنا به وأمنا في ظله وكان حكيما منح العراق الكثير وحاول أن يزج بالكرد والتركمان والشيعة في صميم السلطة ، وفعلا كان للكرد كما التركمان حضورا كبيرا في الدولة العراقية أما الشيعة فقد أبعدتهم القيادات الدينية الإيرانية عن المشاركة في السلطة فخسروها لأكثر من ثمانون عاما وتأثرت سمعتهم الوطنية كثيرا بفضل سوء فعل تلك القيادات الدينية ، ولحسن الحظ ليس كلهم ، بل هناك شيعة عروبيون كالمرحومين الصدر والخالصي الكبير ، جهدا في سبيل إعادة الشيعة إلى المشاركة في الحكم ، وكان لبعضهم الدور في السلطة كالمرحوم صالح جبر ومحمد الصدر وغيرهم .
إذن ليس كل عراقي عربي هو صدام حسين ، ولا تظنوا أن الشيعة هم ليسوا بعرب كما كان يدعي صدام حسين ، بل ولا حتى عرب إيران ذاتها قد نسوا أو تخلوا عن عروبتهم ، كما لم يتخلى الكردي الإيراني أو التركي عن كرديته ، فما ضرورة الإساءة إلينا جميعا وإستفزازنا ونحن بوارد إعادة اللحمة الوطنية العراقية ، والفيدرالية أيها الأحبة لا يمكن أن تنجح غدا إن لم تحب أخاك في الإقليم الآخر أو على الأقل تتفهم شعوره وتحترمه كما يتفهم ويحترم شعورك .
أنا لا أدعو الأخوة الكرد لا سمح الله أن يحبوني أو يحبوا العرب قسرا ، ولكني أتساءل إذا كان العقد الذي بيننا والذي أسمه الفيدرالية وهي إتحاد إختياري كما أظن وإذا كانوا هم ذاتهم ليسوا بوارد إقامة الدولة الكردية ، وليس هذا بسبب ممانعة عرب العراق ( فعرب العراق لم يعودوا بعد أكثر من عشرة أعوام من فراق كردستان ، لم يعودوا مصرين على ضم الأراضي الكردية تاريخيا إلى بلدهم ، وقد قالها الكثير من قيادات العرب الحاليين ومن الطرفين الشيعة والسنة ) بل لأسباب تعود لهم ذاتهم ولا شأن لبقية العراقيين بها من قريب أو بعيد ولا حق لأحد أن يعترض عليها إذا كان الكرد ذاتهم هم المسؤولين عن رفض تحقيقها ، وتأسيسا على هذا فكيف يمكن أن نعيش معا ( تحت مظلة الفيدرالية ) إذا كنا أو كان الكرد بالذات أو بعضهم عاجزين عن أن يتقبلوا ثقافتنا وهويتنا وقوميتنا كما جهدنا نحن العراقيين العرب منذ عشرات السنين في أن نتقبل الخصوصية الكردية ونتفهمها ونحترمها ، وبالذات التقدميون منا ؟
وما ضرورة هذا الإتحاد إذن إذا فشلنا في أن نرقى بخطابنا إلى مستوى خطاب الرئيس العراقي ( ولا أقول الكردي ) بل العراقي الجميل جلال الطالباني ؟
وأكرر .... ( لا تعد بيضك قبل أن يفقس ) ، فقد لا تفقس الدولة الكردية كما لم تفقس الدولة القومية العربية الكبرى منذ ثورة الشريف حسين في العقد الأول والثاني من القرن العشرين ( أي منذ قرابة القرن ) .
وحتى لو فقست يوما ، فكم هو جميل أن تفقس على ميراث من الود والحب مع الجيران العرب والفرس والترك .... أليس كذلك أيها الأخوة ساسة الكرد وكتابه الطيبون المبدعون ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحلة نجاح علي طيفور: كيف تغيرت حياته وتحقق أحلامه في عالم صن


.. عودة المعارك إلى شمال ووسط قطاع غزة.. خلافات جديدة في إسرائي




.. القاهرة نفد صبرها.. وتعتزم الالتحاق بجنوب إفريقيا في دعواها


.. ما هي استراتيجية إسرائيل العسكرية بعد عودة المعارك إلى شمال




.. هل خسرت روسيا حرب الطاقة مع الغرب؟ #عالم_الطاقة