الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوبا وثورتها المثيرة للإعجاب

عباس الجمعة

2015 / 1 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


كوبا وثورتها المثيرة للإعجاب
بقلم / عباس الجمعه
تثبت كوبا يوما بعد يوم إن الهيمنة الأمريكية ليست قدراً و أن المقاومة ممكنة و بشروط مادية بسيطة إن امتلك الإنسان الإرادة ، فعلى مدار ستة وخمسون عاماً بقيت كوبا عصية على محاولات التركيع و التدجين و التخريب ، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تترك وسيلة لم تجربها لإسقاط النموذج الكوبي من الاجتياح العسكري إلى التخريب الاقتصادي إلى الحصار الذي لا يرحم إلى استنزاف الكفاءات البشرية إلى الغزو الإعلامي بواسطة الإذاعات والمحطات الموجهة التي تبث سمومها على مدار الساعة ، وبالرغم من كل ذلك بقيت كوبا شامخة تتحدى الغطرسة الأمريكية .
واليوم تأتي الذكرى السادسة والخمسون لانتصار الثورة الكوبية ، هذا الانتصار الذي تحقق بفعل صمود الشعب الكوبي وقيادته ، ونحن تغمرنا الفرحة باطلاق المعتقلين الكوبيين الابطال وهي فرحة عامرة بالمحبة والتقدير من اجل الحياة الأفضل، على دروب الاستقرار والازدهار والتقدم الاجتماعي، والصمود والنصر في مواجهة تحديات التنمية والانتعاش الاقتصادي، وفي الخلاص من المؤامرات والاستفزازات والحصارات والمشاريع العدوانية الإمبريالية، التي تستهدف النيل من إرادة وسيادة واستقلالية الثورة الكوبية، التي تمكنت بشعبها البطل وحزبها الطليعي والمقدام وقيادتها المناضلة، في الثبات والتواصل والتمسك بالأهداف، وتطلعات وقيم الثورة الكوبية، المتصادمة بالضرورة مع الرأسمالية المتوحشة، بكل تعبيراتها وممارساتها العدوانية في الهيمنة والسيطرة وشنّ الحروب.
ورغم السنين الطويلة التي مضت على استشهاد القائد تشي غيفارا الذي يعتبر اسطورة فائقة، لدى الأحرار وبخاصة في أميركا اللاتينية الهِمَ المشاعر النبيلة المقاوِمة، يبقى ما هو حقيقي، النموذج الإنساني الأممي للثائر المقاوم العابر للحدود الذي جسَّده غيفارا في تجربته الشخصية الواقعية، وسيظل تشي غيفارا مثالاً مفعماً بالحيوية، جديراً بالتقدير والإحترام، وبخاصة، في عصر عولمة العالم، وسعي الولايات المتحدة للهيمنة عليه، وتفتيته
وإذ نستحضر في ذكرى انتصار الثورة الكوبيه تشي جيفارا ، فإنما نستحضر معه التأكيدَ على معاني الكفاح الإنساني المشترك، ونرد التحية لكوبا التي انتصرت دائما لحقوق الشعب الفلسطيني ولشعوب امتنا العربية .
لنكن واقعيين، ولنسر بأرجلنا على الأرض، وبدون أفكار مدوخة ومغلوطة تاريخيا، علينا الانخراط في نضالات عصرنا، حسنا لم نعد في سنوات التسعينات، لأن الوضع ببلدان أمريكا اللاتينية تغير، علينا نبذ الذهنية الدفاعية لتلك السنوات الكئيبة والرديئة التي أعقبت سقوط جدار برلين واندحار الساندينيين بنيكاراغوا.
أن كوبا تنتصر اليوم بفضل وحدتها وصلابة قيادتها الني اصرت على النضال حتى النهاية رغم الاثمان الباهظة التي قدمت، وان تحرير الاسرى الخمسة من السجون الامريكية هو دلالة كبيرة على هزيمة السياسة الامريكية، وبالتالي طالما ان الحصار لم ينته بشكل كامل فان نضال كوبا سيتواصل حتى انهاء الحصار ورفعه بشكل كامل.
وامام كل ذلك فان الحديث عن كوبا يقودنا الى كيفية انطلاقة ثورتها قبل أكثر من ستة وخمسون عاما عندما قرر أهل هذه الجزيرة الصغيرة الفقيرة أن يحصلوا على حريتهم من الدكتاتور ، الذي تدعمه الولايات المتحدة في منطقة هي الأقرب إليها ، حيث كانت كوبا عبارة عن ماخور كبير لتقديم المتعة لأصحاب المال الأمريكان و كان سكانه يموتون من الجوع و المرض و الأمية ، فقرر الشعب الكوبي الفقير أن يحصل على حريته و أن لا يفرط بها أبدا فاندلعت الثورة الكوبية و طردت الدكتاتور و بدأت بتطبيق برنامج القضاء على الأمية و المرض و الجهل، ولم يخف هذا الشعب لأنه يقارع القوة العظمى في العالم و أنه على مرمى حجر منها ، ولم يضطرب هذا الشعب عندما شاهد تلك الدولة العظمى ، الاتحاد السوفيتي ، تنهار تحت الضغط الأمريكي ، بل أعلن أنه سيستمر في اختيار طريقته في الحياة ولا يقبل أن يملي عليه أحد ما يجب أن يفعله ، وفي التسعينات عندما كان كل الشعوب في العالم ، ينتظرون ساعة إعلان سقوط الجزيرة ، كان للشعب الكوبي رأي آخر فأعاد بناء اقتصاده ومدارسه و مصانعه و حافظ على قراره المستقل و لم يكفه أنه صمد في وجه الوحش الأمريكي، بل أثبت أن مقاومة هذا الوحش الضاري أقل كلفة من الناحية البشرية فوفيات الأطفال معدومة ، و الشعب الكوبي كله متعلم ، وليس هناك أمي واحد في كوبا ، وعدد الأطفال في الفصول الدراسية يبلغ ثمانية عشر طالباً وهو الأقل في العالم ، و في كوبا كل فصل دراسي مجهز بفيديو لاستخدامه في العملية التعليمية وفي كل مدرسة طبق لاقط لالتقاط المحطات التلفزيونية التعليمية ، وقد قيّمت اليونسكو الطلاب الكوبيين على أنهم الأفضل مستوى عالمياً في الرياضيات واللغات ، وفي كوبا أفضل رعاية صحية يحصل عليها الفرد في العالم ، وكل ما سبق بشهادة المنظمات الدولية ، قامت كوبا بكل ذلك رغم الحصار ومحاولات الاجتياح و التخريب السياسي و العسكري الأمريكية ، ورغم أنها ليست دولة نفطية ولا غنية الموارد، كل ذلك لأنها امتلكت إرادة المقاومة و ثقة بني البشر بإرادتهم و انهم قادرون على بناء عالم آخر يقدس الحياة البشرية .
إن رسوخ الثورة الكوبية كالبنيان، وصلابة مواقفها المبدئية وإرادتها الصلبة في التمسك بالحقوق الوطنية، ومبادئ الثورة والعدالة، هو ما أتاح بالمجال التأثيرات في إحداث وحدوث التغيرات في أميركا الجنوبية في كل من فنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا، وإلى مزيد من التطورات الدراماتيكية الثورية لتصبح أميركا اللاتينية ملكا لشعوبها وقواها وأحزابها وحركاتها الاجتماعية اليسارية والتقدمية.
إن كوبا وثورتها المحبوبة والمثيرة للإعجاب إلى حد كبير، لا يمكنهما ولا يلزمهما التخلي عن الحركات الاجتماعية ببلدان أمريكا اللاتينية ولا الإعراض عن التجارب السياسية الأكثر جذرية باسم اتفاقات وتعايش دبلوماسية مع الحكومات التي يزعم أنها لا تعتدي على كوبا.
إن التضامن الأمثل مع شرف الثورة الكارايبية التي تحتفي حاليا بذكراها السادسة والخمسين، ومع شعبها البطل الذي ظل صامدا بوجه العدوان الامبريالي، يكون اكثر فعالية وأكثر صوابا والأكثر واقعية، يتمثل في مواصلة المواجهة مع الرأسمال، والتنظيم والاستعداد لتسريع وتيرة النضالات، والتحلي بروح النضال الهجومي ، ومحاربة الامبريالية ، وخاصة ان كوبا تحولت الى القلعة الاشتراكية وقاعدة الارتكاز الثورية الأولى في العالم حيث شيدها رفيق درب "غيفارا " كاسترو وأولى انجازاته الثورية قال لاخوف على كوبا فهي نموذجا لكل الثوريين بل بوصلة ومنارة ثورية لا تنطفئ.
أما الوجه المتعلّق بكوبا وشعبها ونظامها السياسي الصامد رغم الحصار والعقوبات في تلك الجزيرة الصغيرة الحالمة الواقعة بين فلوريدا وفنزويلا، فقد أشرق بواحدة من أنصع صفحات التاريخ الحديث صمودا وتنمية وانتصارا لقيم السيادة والكرامة، كما سطّر أحد قادة ثورته، أرنستو تشي غيفارا، تاريخاً خالدا في المقاومة والنضال ضدّ الهيمنة الاستعمارية وطغيان القوى المستكبرة، لقد برهن أحد عشر مليون كوبي بقيادة قائدهم الفذ، فيديل كاسترو، واليوم، راؤول كاسترو، أن إرداة الشعب لا تقهر وأنّ التمسّك بالحقّ والكرامة يهزمان أعتى الامبراطوريات وأغناها وأكثرها قدرة على استخدام كلّ أنواع الأسلحة الفتّاكة. فهل يتعلّم البعض في عالمنا العربي أن المقاومة هي الطريق الوحيد، وأنّ العمالة والخيانة والتبعية، وإن اصطبغت بشعارات إسلامية أو ديمقراطية، وكلّ ما ينجم عنها أنها كالزبد يذهب جفاء، وأن التمسّك بالأرض والشعب والدولة وكرامتها وسيادتها هو الذي يمكث في الأرض وهو الذي يصنع التاريخ.
نحن على يقين أن العمال والفلاحين والطلاب والنساء وأنصار حماية البيئة ومناضلي حرب الغوار والمكافحين وكل من يناضل ببلدان أمريكا اللاتينية من أجل إرساء الاشتراكية سيواصلون حمل النجمة المتوهجة للثورة الكوبية في قلوبهم، مع فرح ونموذج شعبها.
اننا ونحن نقف امام الذكرى السادسة والخمسين لانتصار الثورة الكوبيه نؤكد ان شعبها البطل الذي ظل صامدا بوجه العدوان الامبريالي بقيادة ، التضامن الأكثر فعالية والأولى والأكثر صوابا والأكثر واقعية، يتمثل في مواصلة المواجهة مع الرأسمال، والتنظيم والاستعداد لتسريع وتيرة النضالات، والتحلي بروح النضال الهجومي لسنوات العشرينات وسنوات الستينات، ومحاربة الامبريالية، أينما توجد.
وفي هذه اللحظات نؤكد ان كوبا ما زالت تقف الى جانب النضال الفلسطيني، وتواصل دعمها للشعب الفلسطيني حتى قيام دولته المستقلة كملة السيادة وعاصمتها القدس ، بينما المتخاذلون من أبناء أمتنا العريقة ، الغنية بمواردها النفطية والمعدنية و البشرية ، ذات الجغرافيا الهائلة مساحة وموقعاً وذات الديموغرافيا الضخمة والتي تملك كل المؤهلات لتكون أمة عظمى في هذا العالم يلحون علينا صباح مساء بضرورة العودة الى المفاوضات والموافقة على تسويات مذلة ، فهم ضد خيار المقاومة للشعب الفلسطيني لأن ميزان القوى غير متكافيء ، ويريدون للشعوب العربية ان تستسلم للمشاريع الامبريالية والاستعمارية والارهابيه التكفيرية ، لكن نقول لهم اننا نواجه المؤامرة بصدور عامرة بالايمان ونأخذوا من اقول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مقولة ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ونأخذ من ثورة كوبا الصغيرة الفقيرة المحاصرة منذ أكثر من ستة وخمسون عاما مقاومة ووحدة وصمود بمواجهة ما رسمته سياستها الإمبريالية، فهي من وقفت مع شعب فلسطين في المحافل الدولية، وانتصرت للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، ورفضت العدوان الإجرامي على سوريا، واكدت دعمها لكل المقاومين في كل مكان من عالمنا، وفي المقدمة المقاومة في فلسطين، ولبنان، كما وقفت الى جانب سورية في مقاومتها للمؤامرة الكونية والارهابية التكفيرية ، والإرهابيين المرتزقة الذين اتوا من كل قارات العالم، وبرعاية أمريكية، ومال عربي ، فاليوم تنتصر لكوبا، وشعب كوبا، وهو انتصار لكل الشعوب التي عانت، أو ما تزال تعاني، من أشكال الاستعمار العنصري مثلما هو حال الشعب الفلسطيني، آخر الشعوب الخاضعة للاستعمار بشكله العنصري الصارخ.
ختاما : لا بد من القول ان الجمهورية الشعبية الفتية، وزعيمها التاريخي فيديل كاسترو، وعن رفيقه الخالد جيفارا وعن كل القادة الشجعان الذين قادوا المسيرة. واليوم راؤول كاسترو الذي تحمل راية المواصلة والبناء من شقيقه فيديل عام 2008، بقيادة هذا الشعب الصامد في وجه العدوان والمؤامرات التي لم تتوقف يوما ضد كوبا التي صمدت وانتصرت، لأنها عرفت شروط الانتصار ، وها نحن نؤكد على اهمية الانقسام الكارثي وتعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على المشروع الوطني وحماية منظمة التحرير الفلسطينية الكيان السياسي والمعنوي والممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وتفعيل مؤسساتها على قاعدة شراكة وطنية حقيقية والتمسك بخيار المقاومة بكافة اشكالها النضالية بمواجهة الاحتلال ، وبهذه الوحدة والموقف سينتصر شعبنا العربي الفلسطيني كما انتصرت كوبا .
كاتب سياسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القصف الإسرائيلي يجبر سكان أحياء شرق رفح على النزوح نحو وسط


.. عرض عسكري في العاصمة الروسية موسكو بمناسبة يوم النصر على ألم




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بعد عودة وفد التفاوض الإسرائ


.. مستوطنون يغلقون طريقا بالحجارة لمنع مرور شاحنات المساعدات إل




.. مراسل الجزيرة: جيش الاحتلال يواصل السيطرة على معبر رفح لليوم