الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد ان سكنت العاصفة

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2015 / 1 / 14
الارهاب, الحرب والسلام



ما زالت تفاعلات العمل الارهابي الذي طال مجلة Charlie Hebdo الباريسية الساخرة الاسبوع الماضي تتطور وتتشعب في جغرافية تأثيرها وفي تنوع الرأي بشأنها. وبدل ان يتوحد الموقف ضد الارهاب من اي جهة كان ومهما كانت غاياته، راح البعض يسوف في تسمية الجهة المسؤولة عن سفك دماء محرري المجلة ويبرر للإرهابيين عملهم الاجرامي على اساس انهم ينتقمون لإساءة دينية، اضافة الى النقد المبالغ به لسياسة المجلة وتصنيف الضحايا من محرريها وفق اصولهم الدينية لوضعهم في خانة الاعداء.
لا شك ان المنفذين للعمل الارهابي ضد مجلة Charlie Hebdo هم من المنتمين الى العصابات المنظمة للإسلام المتشدد، اما الجهة المسؤولة عن التمويل والتخطيط لهذا العمل فهي اما ان تكون القاعدة، على اساس مكالمة تلفونية من احد الارهابيين يعترف فيها بانه ينتمي الى القاعدة اضافة الى اعلان احد رموز القاعدة في اليمن بتبني تلك العملية، وقد اعتبرت وكالات الاستخبارات الغربية الروايتين ضعيفة ولم تمنحها درجة كبيرة من الاهتمام.
اما الاحتمال الثاني والذي بدى اكثر واقعية فهو ان تنظيم "الدولة الاسلامية- داعش"، كما اعلن احد رموزه في مدينة الموصل ( الشيخ ابو سعد الانصاري)هو المسؤول عن العملية الارهابية ضد المجلة الباريسية، لأنه الطرف المعني والمستفيد اكثر من غيره من هذه الجريمة. فعلاوة على ان داعش كان يحتاج الى عملية تخلق تعاطف اسلامي معه يزيد من قدرته على تجنيد المتطوعين "لدولته الاسلامية"، خاصة في ظروف تناقص اعداد مقاتليه، فانه كان معنيا بالانتقام لخليفته ابي بكر البغدادي من المجلة الباريسية التي سخرت من شخصيته في اعدادها الاخيرة، حسب التقرير الذي نشرته "قناة الحرة" التليفزيونية، اثر الحادث مباشرة. ولا يجب ان ننسى بأن هذا العمل الارهابي كان رسالة تحذير الى فرنسا ودول التحالف الذي يقاتل داعش، وقد اعلن عن ذلك صراحة (الشيخ ابو سعد الانصاري) في معرض اعترافه بمسؤولية داعش عن العملية الارهابية، مما حدا ببريطانيا وامريكا الى اتخاذ اجراءات احترازية تحسبا من تنفيذ داعش لتهديده بتوسيع دائرة الاعمال الارهابية لتشمل تلك الدول القائدة للتحالف ضدها.
اما بشأن المجلة الباريسية التي استهدفها الارهاب فإنها مجلة يسارية ساخرة، اغلب قراءها من الشباب الذي يحب الكاريكاتير اللاذع والنكتة الساخرة. ومن المعلوم ان الكتابة الساخرة هي لون من الوان الطيف الثقافي الغربي الذي يخاطب العقل بنكهة متميزة. وقد نشرت هذه المجلة قبل سنتين رسوم كاريكاتيرية مسيئة للإسلام ولشخصية الرسول، مما اثار حفيظة المسلمين وغضبهم وجلب للمجلة شهرة سلبية في العالم الاسلامي.
وقد قيم العلمانيون عموما، الليبراليون منهم واليساريون، تلك المنشورات في حينها على انها خالية من اللياقة والادراك المسؤول لحساسية هذه الموضوعات. فحرية الكلمة لا تعني حرية الشتيمة والاساءة للمعتقدات الدينية. كما ان حرية نقد الشرائع والاديان يجب ان تكون في حدود الحوار العقلي الحضاري وليس بالاستخفاف من رموز دينية كبرى كشخصيات الانبياء والرسل في سياق مسيء للمتدينين. على ان هذا لا يعني على الاطلاق اجازة الارهاب وتبريره، فالرد على ما نشرته المجلة كان يجب ان يكون بطرق اخرى ليس من بينها الارهاب او العنف، وان يكون وفقا للقانون لا بقوة الخارجين عنه.
الارهابيون لم ينتقموا للنبي، بل لابي بكر البغدادي. وهم بفعلتهم تلك التي تتماشى مع منهجهم البربري لم يدافعوا عن الاسلام بل اساءوا اليه. ولكنهم في نفس الوقت تمكنوا من تحقيق بعض اغراضهم بالتأثير على المتدين الاسلامي غير الفطن الذي يصعب عليه التمييز بعد ان اختلطت عليه الرايات. كما انهم استطاعوا بإمكانياتهم الاعلامية المخادعة التشويش على الجبهة المناهضة للإرهاب وتضييعها في تفاصيل ثانوية للحدث.
فللتأكيد على ان المجلة الباريسية الساخرة لا تستحق التضامن مع مأساتها راح البعض من المحسوبين على اليسار الى تصنيف المجلة على انها ليست يسارية تماما، فهي في نهجها الفكري والسياسي تنتمي الى الاشتراكية الديمقراطية وهذا يجعلها في خانة الاعلام الرأسمالي حسب رأيهم، وهي بالتالي لا تستحق من اليساريين "الجذريين" اهتماما كبيرا. وهذا بحد ذاته يعري حقيقة انتماء اليسار "الجذري" لجبهة مناهضة الارهاب.
وما هو اكثر سخرية وفجاجة، ان البعض الاخر من كتاب التعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي، وجد من بين ضحايا المجلة اربعة من اليهود، والادق من اصول يهودية، فراح يبني على "قفشته" تخمينات وافكار تربط بين نهج المجلة والصهيونية العالمية.
ولا يتسع المجال هنا لجرد جميع الافكار المريضة التي انبرت للحدث ولا خوض حوار بشأنها، ولكنه لابد من التأكيد على ان الادانة الشديدة للعمل الارهابي الاجرامي الذي راح ضحيته كتاب ورسامين من محرري مجلة Charlie Hebdo ، برمزيته التي يرتفع فيها السيف بوجه القلم، ومع الحرص على وحدة الجبهة المناهضة للإرهاب، فان ذلك لا يعفي من تعرية النفاق الغربي الذي تمثل في تصدر قادة غربيين اضافة لرئيس وزراء اسرائيل والرئيس الاوكراني بوروشينكو لمسيرة شعبية مناوئة للإرهاب الذي تعرضت له المجلة الباريسية.
واتفق في هذا الصدد مع ما قاله الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف تعبيرا عن رأيه بتلك المسيرة : "نحن نرحب بالإدانة الجماعية للإرهاب من قبل قادة العالم في باريس، لكن ما هو الإرهاب الذي قاموا بإدانته؟ هل هو الإرهاب في جميع أنحاء العالم أم في فرنسا فقط؟ لماذا لم ينظم الرؤساء والملوك ورؤساء الوزراء المسيرة احتجاجا على مقتل مئات الآلاف من الأفغان والسوريين والمصريين والليبيين واليمنيين والعراقيين؟ وسكتوا عند تفجير دار الحكومة في غروزني واحتجاز الرهائن في مدرسة بيسلان...".
فالموقف من الارهاب لا يتجزأ، ولن يكون الا مزيفا ومنافقا ما دام انتقائيا وليس راسخا في صلب المنظومة الاخلاقية والفكرية للفرد والمجتمع....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه