الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ستأتي العواصفُ تباعاً

صبري هاشم

2015 / 1 / 15
الادب والفن


ستأتي العواصف تباعاً
***
حلَّ المساء
وأنا مازلتُ ـ منذُ الصبحِ ـ
أَنْسِجُ للعاصفةِ ثوباً مِن لقاحِ الزّهرِ
وبأنفاسِ الهيامِ أُطرِّزُ أكمامَهُ
فَعَنِّي لا تبتعدي قليلاً أو كثيراً
هي قالتْ : أُريدُه واسعاً ، فضفاضاً يَكْفي لإخفاءِ الخلاخِلِ
وبِسِحْرِهِ مِن اختطافِ وجهِ الدُّنا أتمكّنُ
أُريدُهُ جَذّاباً كي أُجَرّدَ البحرَ مِن أمواجهِ
لا تبتعدي
فالريحُ ثوباً تطلبُ
والليلُ يأتي وأنا بنشوةِ الثوبِ أَنْسَحِرُ
وعندَ بابيَ ستبكي عواصفُ
مرّةً تتوسّلُني ومرّةً إليَّ تضرّعُ
قبلَ أنْ أُلبِسَها ثوباً به تَطيرُ وتعصفُ
***
" ... قالَ النَّجمُ مِن بين يديكَ سقَطَتْ بِيْدٌ ..."
" ... إنْ أَضعتَ الطّريقَ إلى المَجَرّةِ فاتَخِذْ مِن رائحةِ القوافلِ دليلاً
واتْرُكْ الحاديَ يَغطُّ في حزنٍ شفيف ..."
" ... إياكَ أنْ تتبعَ الأثرَ ..."
***
وأنا في مدينةِ الخَيالِ أَتشتتُ
على مقربةٍ مِن بابيَ مُدنٌ تَحْتَربُ
وكتائبُ اجتَثَها صفيرُ الطيرِ
وجيادٌ أنيقاتٌ حطّتْ على دربِها الغوايةُ
نحو أسرّةِ الوقيعةِ تدفعُها وتُرشدُ
كي تُعيدَ لَلشطآنِ أسرارَها
على مقربةٍ مِن بابيَ
صَخَبٌ همجيٌّ بلباسِ هُجُوعٍ كان يتسيّدُ
ثمَّ باتَ يَتَكَبّرُ وظلَّ يرفلُ
***
وأنا في مدينةٍ للخيالِ أتَشَهدُ :
سرّحَ الرّبابنةُ البحْرَ والبحّارةَ
ولاذوا بصمتِ الموانيء
( هكذا احترَقت سفينةُ ابنِ ماجد في ميناء التواهي بعدنَ ... كان ذلك في عام الغدْرِ الميلادي 1986
جابتْ البِحَارَ وانشغلتْ مراراً بأحزانِ البَصْريين
كانت تُرى قادمةً
كلّما انفعلَ الموجُ على وجهِ شطِّ العربِ )
***
" ... إنْ زرتهُ قضيتُ وقتيَ وحيداً ... "
" ... يذهبُ لاصطياد الليل .. ودائماً إلى شباكِهِ يستدرجُ الظلامَ ... "
" ... ثم يقسرُني على الولوجِ إليهِ ... "
***
مللتُ ارتيادَ الفصول
وشمَّ النسيمِ في شَعْرِ الخميلة
مللتُ مِن ذِكْرِ أسماءِ الشهورِ
ولُعبة الأيامِ حين تدورُ
وتلك المدينةُ مدينتي الأولى
انتزعتْ مِن فوقِ الجدارِ بقيةً مِن ظلاليَ
وأسلمتْها لوحشةِ الطريقِ
تلك مدينتي الأولى
تابعتْ وشماً لقدميَّ
ترَكَتْهُ الأعوامُ على رصيفِ النّسيانِ
رعتْهُ حتى شبَّ عنِ الطّوقِ
فاختارَ ضياعَهُ : تلك المدينةُ لم تَعُدْ لي منزلاً
***
"... أيتها الرّياحُ التي سهرتْ على الأنينِ وأرّقَتْنا
لا توصدي أبوابَ النهايةِ ... "
" ... أيتها العاصفةُ لا تَلبسي ثوباً مِن نسجِ يديّ ..."
" ... سوفُ يَهجرُكِ عاريةً وإليَّ يعودُ ..."
***
وأنا هُنا على أرصفةِ مدينةٍ مُتَخَيّلةٍ أتسكّعُ
أنشرُ خياميَ بوجهِ الضّياعِ
وعلى بابيَ
تجفُّ خجلاً نسوةٌ مِن السَبْيِّ
وقبيلَ الولوجِ إلى داريَ
تلتفُّ احتِشاماً
فيما السماءُ تعبثُ بأجنحةِ الرّحيلِ
فلا تَبتَعدي عنّي قليلاً أو كثيراً
***
" ... هنا تَستعيدُ الحروبُ زهوَها ... "
" ... تتبرّجُ للحظةِ التي تأتي محملةً بقرعِ الطبولِ ..."
" ... فلا تُدخلْ حرباً مِن بابٍ حتى لو جاءتْ ضيفاً ..."
" ... فالغدرُ عادةُ الحروبِ ... "
***
وأنا في مدينةِ الحُلُمِ
سأحملُ إليها بحراً مِن أشواقٍ
فأيّ الألوانِ منها تُريدُ ؟
خرجتُ مِن صمتِ الحنينِ أشكو وحدتي
وقلتُ أُناديها علّها تسمعُ النداءَ
وتَستَجيبُ
سأخرجُ اليومَ
أَبحثُ عن بحرٍ يَليق بها
وإلى مدينتي الأولى
سأجلبُ بحراً بلونِ عينيها
فالمدينةُ مُختلّةُ التوازنِ
بلا موجٍ أو زرقةٍ
***
حلَّ المساء
وأنا مازلتُ أَنسجُ للعاصفةِ ثوباً
فلا تبتعدي عنّي
فالعاصفةُ ربما أخطأتِ السّبيلَ

12 ـ 01 ـ 2015 برلين/ الشارتيه
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا


.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس




.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش