الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا مانع لدى الملا أوباما أن يضرب فرنسا فى طريقه إلينا

محمد السعدنى

2015 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لم تكد تفرغ الأخبار من نشر مقالى الأسبوعى على موقعها الإلكترونى مساء الثلاثاء الماضى حتى فاجأتنا جريمة الإرهاب على "شارلى إبدو" الفرنسية، وتوالت معها أسئلة واستفسارات المواقع الإخبارية ووكالات الأنباء التى ربطت بعضها فى ذكاء لافت بين ماقلته وتوقعته فى المقال وبين ما كان من أحداث فرنسا. ذلك أننى أشرت فى المقال المذكور أن العالم العربى ومنطقة الشرق الأوسط بصدد سياسات أمريكية جديدة تستعيدها من خزانة تاريخها الإمبريالى لتمكنها من تحقيق أهدافها فى رسم خرائط جديدة للمنطقة وإعادة هندسة القوى الفاعلة فيها إحياءً لمشروعها التخريبى الذى كانت قد بدأته مع "الإخوان" الذين مكنتهم من حكم مصر ليكونوا رأس جسر لتنفيذ مخطط تقسيم المنطقة وإنهاء القضية الفلسطينية تماماً والعمل على أن تظل المنطقة أسيرة للصراعات والحروب الطائفية والمذهبية بتقسيم دولها إلى كنتونات صغيرة متناحرة وبما يحمى أمن إسرائيل ويضمن تفوقها كقوى إقليمية وحيدة فى المنطقة ويحقق لأمريكا السيطرة النهائية على العالم العربى بثرواته وقدراته وأفكاره وتياراته، ويضمن لها أيضاً قطع الطريق على القوى الدولية الكبرى الناهضة فى النظام العالمى ومايمكن أن تشكله فى الأمد القريب من منافسة الولايات المتحدة على النفوذ الدولى ومعادلة القطبية الأحادية التى تمثلها أمريكا، وأعنى هنا تحديداً الصين وروسيا، خصوصاً بعد التقارب المصرى معهما والذى يمكن أن يغير من المعادلات الجيواستراتيجية ويؤذن بنظام عالمى جديد يستعيد الثنائية القطبية ويحجم من الإنفراد الأمريكى بالمنطقة والعالم، ويستعيد معادلات التوازن العسكرى والاقتصادى لمصر كقوة فاعلة فى إقليم الشرق الأوسط ويحد من التفوق الإسرائيلى.
لم تنس الولايات المتحدة الأمريكية مشروعها للشرق الأوسط الكبير الذى بدأته بالفعل بتقسيم العراق والسودان وتدمير سوريا وتسليم ليبيا واليمن لتنظيمات الإرهاب المتلحف بالإسلام زوراً وعدواناً، ولم تتنازل عنه بعد صفعة 30 يونيو التى دخلت بها مصر مباشرة إلى عمق المخطط وطوقت احتمالاته وعطلت تنفيذه وعصفت بأهدافه ومؤامراته، وحافظت على مصر متماسكة بإبعاد شبح الحرب الأهلية ومحاولات استهداف الجيش المصرى الذى بقى وحيداً فى المنطقة يقاوم المخططات الأمريكية، بل عمل أيضاً على الاتجاه شرقاً لتضييق فجوة التفوق الإسرائيلى عليه بتنويع مصادر السلاح مع روسيا والصين. ولم تستسلم أمريكا كعادتها لتحركات ذلك الوافد الجديد على قصر العروبة التى اتسمت بالدهاء والتخطيط الاستراتيجى القادر على المبادرة ولعب أوراقه باقتدار وتميز وبكل الزخم الشعبى المؤيد له وبكل التضامن الواعى والداعم من الخليج العربى الذى يتحسب لاحتمال أن يأتى التقارب الأمريكى مع المشروع الإيرانى التوسعى فى المنطقة على حسابه، وبدا التحالف الأمريكى الأوروبى معادياً لـ 30 يونيو ومصراً على إدماج قوى الشر الإخوانى فى الحياة السياسية المصرية، الأمر الذى قوبل برفض قاطع من مصر، وهنا اضطرت أمريكا وحلفائها تكتيكياً لتغيير سياستها المتصادمة واعتماد سياستها القديمة الجديدة التى حادثتك عنها فى المقالات السابقة، وأعنى "سياسات الاحتواء"، فتوقف الغرب عن معاداته الصريحة لثورة يونيو وتلبس "ماسك" المتقبل لها ولرئيسها لعل ذلك يمكنه من تحقيق مالم يستطعه بالعداء والكبرياء والإملاء. وهنا نبهت إلى أننا أمام محاولات جديدة لإعادة هندسة المنطقة و"لخبطة" حساباتها واستراتيجياتها بتهدئة القوى المناوئة لمصر فى قطر وتركيا، وإعلان الإخوان رغبتهم فى التصالح والإندماج، وتسليم طائرات الأباتشى، إذ عندما تسلم حتى ولو شكلياً، قوة عظمى قاهرة كالولايات المتحدة بما تحاول أن تفرضه عليها مصر ودول الخليج، فاعلم أن الأمر ليس بهذه البساطة وإنما وراءه سر علنا اكتشفناه ونبهنا إليه.
ولم يتأخر العم سام فى الإفصاح عن مخططاته، وكاد المريب يقول خذونى، فبدأ بمناوشة روسيا ومحاولة وضعها فى "خانة اليك" مستخدماً تدخلات حلف الأطلنطى والاقتراب بصواريخه من حدود روسيا والتحرش بها بزريعة المشكلة الأوكرانية، وفرض العقوبات عليها وضرب سعر البترول للتأثير ليس فقط على الخزانة الروسية وإنما أيضاً مدخولات الخليج العربى وتأخير مشاريعهما التضامنية فى الشرق الأوسط وبما يحاول تركيع مصر التى يخطط لأن تجد ظهرها عارياً من الدعمين الروسى والخليجى ولاتجد أمامها سوى الاستسلام لما تراه أمريكا وتحالفها الغربى. ولم يكن توسع "داعش" فى العراق وسوريا والحوثيون فى اليمن سوى تهديد محتمل للحدود السعودية والخليج الذى يضعها تحت رحمة محرك قوى الشر العالمية حتى تتوقف عن دعمها للمشروع المصرى-العربى الهادف للاستقلال الوطنى والحفاظ على تماسك المنطقة العربية وتنمية قدراتها وعدم انفراط عقد دولها ومكوناتها.
وتذكروا معى ماكتبه المؤرخ والدبلوماسي"جورج كينان" عن سياسة الاحتواء ضد الاتحاد السوفيتى في 1947، في مقال شهير له بمجلة "الشؤون الخارجية الأمريكية" والتى أسست لمفاهيم الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية، وهى مايحاولون وضعنا الآن تحت طائلة مخالبها المخاتلة، إذ يقول: "علينا أن نعمل جميعاً من أجل عالم لا يسوده أحد" ويقصد أحد غيرنا نحن الأمريكيون"، ولئن خسر الاتحاد السوفيتى معركته وتفتت بفعل سياسات الاحتواء والحرب الناعمة من وراء ستار، فعلينا أن نتعلم الدرس ونتحسب لاحتمالاته، فليس الذكى من يتعلم من أخطائه، ولكن الذكى من يتعلم من أخطاء الآخرين.
ذلك يقودنا مباشرة لجريمة الخسة والإرهاب فى فرنسا التى يجب تحديد موقفنا إزائها بالإدانة والاستنكار، وعدم التخلى عن مسئوليتنا كعرب ومسلمين عن أسبابها، إذ نحن مسئولون فى دفاعنا عن هويتنا العربية والاسلامية بإدانة القتل والإجرام باسم الإسلام، الذى ينبغى أن نجيش قوانا ومؤسساتنا الدينية والتعليمية والثقافية فى كل عالمنا العربى للقيام بثورة فكرية تنويرية على ظلام الأفكار وتسيد التطرف فى تفسير الثوابت الدينية على غير حقيقتها، وأن نقوم بفضح وتعرية وحصار منابع التطرف والإرهاب فى كتب التراث العتيق التى هى من صنع بشر غالوا فى التعسف ولى الحقائق تحقيقاً لمصالح وليس دفاعاً عن مبادئ. إنها معركتنا وليس علينا انتظار أحد للقيام بها، فالشاهد أن السيد أوباما يلعب ورقة دعم منظمات الإرهاب ويستخدمها زريعة لمحاصرة وتركيع الدول العربية والاسلامية، بل وتحميل مسلمى الغرب عبء الإرهاب الذين هم بالفعل من ضحاياه. إنها مسئوليتنا فالتأتى بيدنا لابيد عمرو، ورغم مايمكن أن يتقول به البعض من المحللين بأن فرنسا فى هذه الحادثة الإرهابية المشينة، إنما تدفع ثمناً لمواقفها التى بدت إلى حد كبير مستقلة بتصويتها فى مجلس الأمن مع إنهاء الاحتلال الاسرائيلى، وإصرارها على غير رغبة أمريكا بعدم تقسيم ليبيا وضرباتها الموجعة للإرهاب فى مالى وموقفها المتشدد حيال "داعش" حصان طروادة الأمريكى الجديد لمناوشة ومخاتلة العالم العربى. إتفق أو اختلف مع هذا الطرح، لكن كن على ثقة بأننا أمام حرب جديدة لايمانع فيها السيد الأمريكى الذى يتلبس عمامة داعش أو بن لادن أو الملا عمر ويحاول صنع 11 سبتمبر جديد يقلب به خرائط العالم كما فعل بوش الصغير، ولا مانع لدى الملا أوباما أن يضرب فرنسا فى طريقه إلينا. ولعل هذا موضوع مقال آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يغير نتانياهو موقفه من مقترح وقف إطلاق النار في غزة؟ • فر


.. قراءة عسكرية.. اشتباكات بين المقاومة وقوات الاحتلال




.. ما آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة؟


.. أمريكا.. طلاب جامعة كولومبيا يعيدون مخيمات الحراك المناصر لغ




.. شبكات| غضب يمني لخاطر بائع البلس المتجول