الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منزلنا الريفي (72)

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2015 / 1 / 16
الادب والفن


شظايا واقع بئيس

عاد لتوه من الثانوية، تجرع كمية ماء، تردد على المرحاض، أبى أن يتبول. راحت الأسئلة تنسكب كسيل جارف : لماذا أنا أنا ؟ أ كنت أنا سأكون أنا هو أنا لو كنت عدما ؟؟ قبل أن يتوجه نحو المرحاض طرح هذه الأسئلة على صديقه توفيق، لكن هذا الأخير رفع حاجبيه مستنكرا. لم يكترث للامبالاته، وانطلق صوب المرحاض والأسئلة تكبر كالركام، فلا أحد يستطيع إيقافها، حتى البول توقف عن الانسكاب كأن المرحاض فضاء لطرح الأسئلة وليس مجالا للتغوط والتبول .
****
اليوم ! هذا المساء الذي يمسي، الذي يخطو نحو الأفول، نحو الأفق غير المنظور . وقف أحمد أمام شعب من التلاميذ، وطرح عليهم سؤالا في إطار فرض مدرسي : اطرح سؤالا في أية قضية من قضايا العالم العربي ( الأسرة، الدين، السياسة، الجنس، الفقر..)، وأجب عنه جوابا مدعوما بحجج مقنعة ، انتهى من الأسئلة، الشعب لم يفهم شيئا في سوق الفكر، لا يحمل فوق جثته رأس إنسان الذي خاطبه كانط ذات يوم، وقال له : أيها الإنسان أجرؤ على استخدام عقلك الخاص! "، إن الرأس الذي خاطبه أحمد هو رأس حمار وحشي يرتدي سروال جينز ممزق، مع رأس مشوك يشبه قنفذ، لم يتأمل في السؤال وشرارته التي تعبر أحزمة الفقر، وأكواخ البؤس حيث جاء منها هذا الشعب البائس، إنه يفكر في الحروز الرابضة في جيبه، وكيفية النفاذ إليها، مع العلم أنها لن تنفعه في شيء . لم يقرأ السؤال الذي يجوب كوخه القذر، لم يفكر فيه، ليست لديه القدرة على الربط والتركيب، له القدرة على الإسقاط الأجوف، وعلى الشحن والملء دون أدنى تفكير، يا له من شعب مهجوس بالموت والنوم .
****
يجلس أحمد على طاولة مهترئة، يلفها الغبار، تحاذي جدارا مكتوبة عليه عبارة : كلشي ولاد القحاب من أ تال زاد "، يحس بالتقزز، ينحدر بعينيه نحو الأسفل، فيتبدى أمامه ركام من الأزبال والأوساخ، تنفس بعمق، ودفع الأوراق جانبا، وراح يدندن :
- بئيس أنت أيها التلميذ، لو سألنا نقطة المني التي انفلتت نحو البويضة، لراحت نادمة على وجودك، قتلوك ولكن أنت المسؤول عن قتلك، جعلوا منك قنفذا وأردت ذلك، جعلوا منك بقرة مجترة وأردت ذلك !!! أين أنت من ورقتك التي كنت أمسك، لم أفهم شيئا، خليط من الركام والحطام في صورة يطفو فيها والدك الميت وأمك المتسولة وعقلك الغائب، وشطحاتك البربرية، وسؤالي الذي يفرقع الواقع المعتم : أين أنت من أنا ؟ وأين أنا من أنت ؟
****
خرج من المرحاض، لكنه لم يعد، اتكأ على فراشه وورحل بعيدا. تراءى له السائل المنوي الذي عبر مهبل أمه ذات صيف، ظهرت أمامه نقطة المني التي هي هو . كما تراءى له جنين يقاوم سموما سكبت حول مسامات جلده !! بدأ يسأل :
- لماذا قاومت الموت والاحتضار على عتبة حياتي، بينما أنت أيها التلميذ الملطخ بأوحال البؤس والتنويم لم تستطع فك شفرة الموت العالقة فوق رأسك المشوك وسروالك الممزق !!؟؟ مزقوك وبت عاريا ممسوخا، احذر العلك الذي في فمك !! رائحته نتنة، وكلامك الرابض في فمك جارح لا يختلف عن تهديدات رجال الدين .
****
تساءل أحمد :
- ماذا لو لم أوجد وكنت عدما، أكنت أجد هذا الشعب الممسوخ في حضرة العدم ؟؟ أكنت سأكون أنا هو أنا ؟؟ لماذا هذا الوجود المبتور (الفاقد للسؤال) يلبس لباس العدم دون أن يكون عدما أو وجودا ؟؟؟ لماذا يا ترى ؟؟
فكر أحمد :
- في العدم لن أر شعبا قذرا ممسوخا، مغسول الدماغ، لن أعاين نفاقا نذلا، لن أر شرا ولا خيرا، لن أومن بقيامة أو عذاب، ولا تهديدا أو وعيدا، ولن أقف في حضرة إله في طقس مجبول بالخنوع والرغبة في نيل بركات وحسنات كعجوز تجلس على عتبة مسجد !!! لماذا فرضوا علينا وجودا ممسوخا ؟ فرضوه على شعب ملطخ بالبؤس والفقر والتنويم والقتل والتمويت ؟؟ يا شعبي الممسوخ، فلنتوجه إلى السماء، ونحاكم قدرنا اللعين، هناك يربض شبح مخيف، لن يستطع كانط أن يواجهه، عقلنا هو الذي يستطيع أن يواجهه . أيقظوه، أيقظوه . لعل شعبي المغبون يولد مع موسم الربيع والنور !!!

عبد الله عنتار/ 15 يناير 2014 / المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصير شمة يحتفل باليوبيل الفضي لتأسيس بيت العود العربي في الق


.. فنانة شهيرة تتمنى خروج جنازتها من المسرح القومي




.. بايدن عن أدائه الضعيف بالمناظرة: كنت أشعر بالإرهاق من السفر


.. قضية دفع ترامب أموالا لممثلة أفلام إباحية: تأجيل الحكم حتى 1




.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر