الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة في متناول الجمهور : انتعاش أم انكماش

تفروت لحسن

2015 / 1 / 17
الادب والفن


الفلسفة في متناول الجمهور : انتعاش أم انكماش
قراءة في التجربة الفرنسية

تــفـــروت لحسن


اعتاد نظار الفلسفة نسبتها إلى الخاصة، إلى ذوي الفطرة الفائقة. فالعامة لا ينبغي لها أن تلج العوالم الفلسفية، عليها أن تتوقف عند الظاهر. يل من الواجب على الفيلسوف، بلغته ومفاهيمه وقضاياه، أن يخاطب ذوي الاختصاص الفلسفي وأن يتجنب إخراج الحكمة للجمهور. وإذا كانت الفلسفة اتهمت وتتهم دوما بالغموض من طرف الجمهور/العامة، فلأن تناولها يبقى مقصورا على الخاصة.
إذا كان هذا التصور قد وسم الإنتاج العربي – الإسلامي، بحيث نجد ابن باجة في " تدبير المتوحد " يدعو الفيلسوف – النابت إلى هجران العامة التي تتحكم فيها الأغراض البهيمية ومصاحبة ذوي السير ما أمكنه. هذا الموقف سيعبر عنه ابن طفيل في قصته " حي ابن يقظان "، حيث أن حيا لما سيخالط مجتمع العامة لأول مرة سيجد أنه غريب وسيقرر العودة ألي جزيرته. ولا يختلف الأمر عند ابن رشد في " فصل المقال فيما بين الشريعة من الاتصال "، إذ أنه خصص التأويل الديني والنظر الفلسفي للخاصة ملحا على ضرورة بقاء العامة عند مستوى الظاهر.
توجه الخطاب الفلسفي إلى نخبة أو فئة محدودة تقليد قديم في الدرس الفلسفي، فالكتابة الفلسفية مهما تنوعت أشكالها وتعددت ألوانها كانت تتوجه إلى قارئ متخصص، وحتى تناول المباحث الفلسفية كان حكرا على الفلاسفة أو على الأقل ذوي الاهتمام الفلسفي كاالشراح والنساخ والمؤرخين...وقد نتج عن هذا الموقف رواج الفلسفة في فضاءات مخصوصة كالمجالس، مما نتج عنه ازدراء جمهور العامة للفلسفة أو على الأقل نعتها بعدم الجدوى وبعدم الفائدة، إن لم تكن لغوا بعيدا عن همومهم اليومية.
وإذا كان هذا الحكم السبق والذي استبد بتاريخ الفلسفة لأزمنة طويلة قد أضر بالفلسفة بسبب الخلفيات السياسية أو العقدية أو الايديولوجية التي تحكمه، فإننا نلاحظ اليوم انعطافا جديدا للفلسفة في علاقتها مع الجمهور.
الفلسفة اليوم في الغرب أصبحت تؤثث الفضاء العمومي، أصبحت ملكا مشاعا للجميع حتى بالنسبة للأطفال. إنها نزلت من برجها لتهتم بهنا والان، نزلت من طابعها النظري المجرد لتصبح فنا لتدبير الحياة اليومية، فلسفة في خدمة الحياة النامية. فكيف أمكن للفلسفة اليوم أن تصبح في متناول الجمهور؟ وما هي مبررات إقبال العامة على الخطاب الفلسفي في نسخته الجديدة ؟ وماهي أثار هذا الإقبال على الفلسفة، هل هو انتعاش أم انكماش ؟
مقاربتنا لهذه التساؤلات سوف تستند إلى واقع التجربة الفرنسية في مجال نشر الفلسفة وتعميمها وجعلها في متناول الجمهور العريض.
يلاحظ المتتبع للشأن الثقافي عامة والفلسفي خاصة في المجال التداولي الفرنسي أن الفلسفة بدأت تتقلص في فضاءات الدرس الجامعي لتتوجه نحو الجمهور الواسع ولتتناول مباحث جديدة ظلت غريبة عن التناول الفلسفي التقليدي والمؤسساتي. فظاهرة المقاهي الفلسفية إضافة إلى الصحافة الفلسفية وولوج الفلسفة إلى الإعلام التلفزي وارتفاع عدد مبيعات المنشورات الفلسفية المبسطة يشهد على دمقرطة الفلسفة تسهيل ولوجها للعموم مهما اختلفت أصولهم الاجتماعية وتباينت مراتبهم الثقافية.
فعوضا عن" فلسفة الخاصة "، أصبحنا أمام " فلسفة شعبية " واضحة وسهلة في التناول، خفيفة في مضامينها ومناهجها.
إذا أمكن إرجاع ظاهرة تعميم الفلسفة في شكلها الشعبي إلى طبيعة التطور الذي عرفته المجتمع الغربي، حيث أن هيمنة المادي جعلت الإنسان العادي يبحث عن معنى وجودي يجسد تمثلاته وتوجهاته، إنه يبحث عن عزاءاته في الفلسفة، فإن هذا التفسير غير كاف لفهم الظاهرة. فلابد من وضع الموضوع في سياقه العام.
انتشار الفلسفة بين الجمهور، الذي يحمل كشهادة ميلاده سنوات الثمانينات، هو إعلان عن طلاق بين الفلسفة العالمة المنتسبة إلى المؤسسة وبين الفلسفة الشعبية والتلقائية. فإذا كانت العامة تعيب على الفلاسفة لغتهم الغامضة وإصلاحاتهم المبهمة في تناولهم لمباحثهم الفلسفية المجردة، فإن الفلسفة المبسطة مشروع يظن العوام أنهم وجدوا فيه ضالتهم.
إشكالية ولوج غير المتخصصين لعالم الفلسفة ظهر مع عصر الأنوار وبروز " الفلسفة الشعبية ". فالفيلسوف ديدرو كان من دعاة توسيع قاعدة قراء الفلسفة. فالهدف من تعميم الفلسفة، بالنسبة له، هو إصلاح اللغة الفلسفية باعتماد نماذج من التعبير الفلسفي المبسط يمكن الإنسان العامي من استيعابها، ثم اقترابها من الجمهور بطرحها لمواضيع من اهتماماته بشكل يمكن الفلسفة من التحرر من الحكم المأثور الذي يدعي بأن الفلسفة لا تصلح لأي شيء.
هذا المشروع الذي بدأ التأسيس له مع عصر الأنوار تم تطويره اليوم بأسماء جديدة مثل الفلسفة الشعبية، فلسفة الجمهور، الفلسفة المبسطة، الفلسفة الواضحة... وحتى رواده يسمون ب" الفلاسفة الجدد "الذي انتشر صيتهم في فرنسا منذ 1980 بفضل تناول الإعلام عامة والتلفزة خاصة لتعميم الفلسفة ومشاركة هؤلاء الفلاسفة في برامج معدة لهذا الغرض، برنامج apostrophe مثلا.
رغم أهمية الإعلام في نشر الفلسفة الشعبية، فإن هناك عناصر أخرى ساهمت في ذلك. فالمقاهي الفلسفية التي أسسها Mac Sautet منذ 1992 ساهمت بفعالية في نجاح الظاهرة.
لكن، هل توسيع قاعدة نشر الفلسفة يمنحها الصحة أم يجعلها خطابا مبتذلا ؟











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل