الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موازنات الدول النفطية.. وهبوط أسعار النفط

فهمي الكتوت

2015 / 1 / 17
الادارة و الاقتصاد


يقول ديك تشيني: "من يملك نفط الشرق الأوسط، يُسيطر على اقتصاد العالم".. وما يجري في الوطن العربي من حروب أهلية وطائفية ومذهبية، وما تبعها من حرب أسعار النفط، بتدخُّل سافر من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ما هو إلا تعبير دقيق لما قاله تشيني.. فقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حربَ الأسعار التي تخوضها السعودية بالنيابة لفرض الشروط على كلٍّ من: روسيا، وإيران، وفنزويلا، بعدما أشعلتْ نيران الحروب الداخلية في عدد من الأقطار العربية.
أؤكد مجدَّدا أنَّ الأسباب المعلنة من المملكة العربية السعودية "إخراج شركات إنتاج النفط الصخري في أمريكا من سوق النفط" غير دقيق، بدليل أنَّ تكلفة إنتاج النفط الصخري في أمريكا يتراوح ما بين 75-85 دولارًا للبرميل وفقا لمستشار البنك الدولي لشؤون النفط والطاقة البروفيسور ممدوح سلامة، في حين يعلن وزير النفط السعودي ورئيس "أوبك" علي النعيمي أنه لن نُخفِّض إنتاج النفط حتى لو وصل برميل النفط إلى 20 دولارًا.
ألحقت حربُ الأسعار خسائر فادحة بالدول المنتجة. وبالتدقيق في الموازنات التقديرية لبعض الدول العربية النفطية للعام الجديد 2015، يتَّضح أنها تُعاني من عجز كبير؛ بسبب هبوط أسعار النفط أكثر من 50% من الأسعار الفعلية التي كانت سائدة عالميا خلال الأعوام الأربعة الماضية؛ فقد اعتمدتْ مُوازنات هذه الدول على صناديق الفوائض المالية الاحتياطية والقروض لتمويل عجز موازنتها، وسأتناول ثلاث نماذج لموازنات أقطار عربية نفطية مُختلفة من حيث الحجم وعدد السكان وحصص الإنتاج والتصدير النفطي، والجامع المشترك بينها الاعتماد الكبير على صادرات النفط في إيراداتها، وعُجوزات موازناتها التقديرية لعام 2015، وزيادة الإنفاق العام مُقارنة مع موازنات العام الماضي 2014.
إذا كان تراجع إيرادات هذه الدول النفطية ناجمًا عن انهيار أسعار النفط، فإنَّ زيادة نفقاتها مردُّه سببان: الأول نوع من التحدي، والظهور أمام المجتمعات المحلية بأن حُكوماتهم تستطيع استيعاب الأزمات وتجاوزها؛ ظنًّا منهم أنَّ انخفاض أسعار النفط لم يستمر طويلا، وأن سياسة عض الأصابع ستنتهي قريبا بصراخ أحد طرفي الصراع من شدة الألم. أما السبب الثاني، فهو عدم الرغبة في اللجوء إلى سياسات التقشف مبكرا، في ظل مناخات سياسية غير مواتية في المنطقة العربية.
النموذجُ الأول: المملكة العربية السعودية؛ وهي أكبر دولة نفطية في المنطقة العربية، أعلنت عن أكبر موازنة في تاريخها حسب وصف الإعلام السعودي، قيمتها 860 مليار ريال سعودي (229.3 مليار دولار)، بعجز قدره 145 مليار ريال، وقدَّمت مُوازنتها على فرضية سعر برميل النفط بحدود 62 دولارًا للبرميل، وهي تعتمد على حوالي 90% من إيراداتها على النفط، علما بأن أسعار النفط تراجعت إلى ما دون 50 دولارًا لغاية الآن.
النموذج الثاني: الجزائر؛ التي قدَّمت مُوازنة قيمتها 88 مليار يورو، وبزيادة نسبتها 15.7% عن مُوازنة 2014، وبعجز قدره 41 مليار يورو، وبنسبة 87%؛ حيث قدرت إيراداتها بـ47 مليار يورو. ومن المنتظر أن يمول صندوق ضبط الإيرادات حوالي 83% من عجز الموازنة، والباقي من خلال الاقتراض.
أما النموذج الثالث: سلطنة عُمان؛ التي أقرَّت موازنة بقيمة 14.1 مليار ريال عماني حوالي (36.62 مليار دولار)، بزيادة نسبتها حوالي 4.5% عن الموازنة التقديرية للعام الماضي 2014، وبعجز قدره 2.5 مليار ريال عماني، وسيتم تمويل العجز بإصدار سندات حكومية إسلامية طويلة الأمد؛ وفقا للمصادر الرسمية. وقدرت إيراداتها بحوالي 11.6 مليار 79% منها إيرادات نفطية.
وبالتدقيق في أبواب الإنفاق، يتَّضح أنَّ الجزء الأعظم من النفقات العامة نفقات جارية. أما النفقات الرأسمالية الاستثمارية، فهي إما تتجه نحو زيادة الاستثمار في القطاعات النفطية، أو في مجال تطوير البنية الأساسية؛ ومن ضمنها: الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية والنقل والخدمات العامة، وتتميز البلدان الخليجية الغنية بالنفط بإنشاء الأبراج والمجمعات الضخمة، وردم البحار وإقامة الجزر، والأنفاق الترفي غير المبرر، لكنها لم توفر الغذاء والدواء من إنتاجها المحلي، ودون اهتمام كاف ببناء قاعدة إنتاجية لتنويع مصادر دخلها. ويقول مستشار البنك الدولي لشؤون النفط والطاقة البروفيسور ممدوح سلامة: إنَّ دول مجلس التعاون الخليجي تستهلك 6 ملايين برميل نفط يوميا، وتصدر 14 مليونا وإذا استمر الاستهلاك الحالي في السعودية على سبيل المثال، فلم تجد ما تصدره من النفط عام 2025 وفق دراسة قدمها للبنك الدولي.
... إنَّ تداعيات معركة أسعار النفط تشير بوضوح إلى ضرورة استثمار موارد النفط في تحويل اقتصادات البلدان النفطية من اقتصادات ريعية إلى اقتصادات إنتاجية قبل فوات الأوان، فما زال هناك مخزون من النفط، وما زال النفط مطلوبا على الرغم من انخفاض أسعاره. لكن هذا لن يستمر إلى الأبد. ومن حق الأجيال القادمة الاستفادة من هذه الثروة والعيش في ظل دولة متقدِّمة. خاصة وأن المراكز الرأسمالية تسعى لتوفير بدائل عن النفط من الطاقة الشمسية وغيرها مع تقدم العلم، ودخول الجيل الثالث من التكنولوجيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاقتصاد أولاً ثم السياسة .. مفتاح زيارة الرئيس الصيني الى ب


.. أسعار الذهب اليوم الأحد 05 مايو 2024




.. رئيس مجلس النواب الأميركي: سنطرح إلغاء الإعفاءات الضريبية عن


.. ملايين السياح في الشوارع ومحطات القطار .. هكذا بدا -الأسبوع




.. لماذا امتدت الأزمة الاقتصادية من الاقتصاد الكلي الإسرائيلي ب