الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آفاق ورهان الفاعل الأمازيغي بعد ترسيم الأمازيغية في دستور 2011

الحسين أيت باحسين

2015 / 1 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


تقديم: موضوع الندوة ولعبة أو تمرين "الكلمات المتقاطعة"
إذا تأملنا موضوع هذه الندوة، من حيث المفاهيم التي يتكون منها هذا الموضوع المقترح علينا التحاور فيه؛ فإننا سنجزئه إلى ما يلي: "آفاق"، "رهان"، "الفاعل الأمازيغي" و"ترسيم الأمازيغي". وتفاديا لتقديم عرض يتسم بنوع من "الإرشادات" أو "الوصفات"، فإنني سأتناول هذه المفاهيم في شكل لعبة أو تمرين "الكلمات المتقاطعة"؛ علما أنني لا أتعاطى للعبة "الكلمات المتقاطعة" المعروفة...
فلنتناول هذه المفاهيم المشار إليها أعلاها، ولنبحث عما تعنيه، من آفاق ورهان بالنسبة للفاعل الأمازيغي بعد ترسيم الأمازيغية في دستور 2011 ؟
- "آفاق ورهان" :
كلمة "آفاق" (Horizons) : أتت على صيغة الجمع للتساؤل عن ماهية مشروع مستقبلي للفاعل الأمازيغي بعد ترسيم الأمازيغية في دستور 2011.
كلمة "رهان" (Enjeu) : أتت على صيغة المفرد لكنها تستحضر كلمتين آخرتين هما : "التحدي" (Défi) والمغامرة (Pari) ؛ وبذلك تضعنا هذه الكلمة المفردة "رهان" أمام "مفهوم ثلاثي الاستراتيجية"، على الفاعل الأمازيغي؛ بعد ترسيم الأمازيغية في دستور 2011؛ أن يعي جيدا أبعاد هذا المفهوم الثلاثي الاستراتيجي: "استراتيجية الرهان" التي تعني في طياتها مفهوم "القضية"؛ و"استراتيجية التحدي" التي تعني في طياتها "المواجهة"؛ و"استراتيجية المغامرة" التي تعني في طياتها "غير المضمون".
وبين مفهوم "آفاق" المتسائل عن ماهية المشروع المستقبلي للفاعل الأمازيغي بعد ترسيم الأمازيغية في دستور 2011؛ ومفهوم "الرهان" المتسائل عن ماهية الاستراتيجية التي على الفاعل الأمازيغية اعتمادها بعد ترسيم الأمازيغية في دستور 2011؛ ينبجس مفهوم جديد يعبر في نفس الوقت عن طبيعة استراتيجية الفاعل الأمازيغية بعد 3 سنوات من ترسيم الأمازيغية في دستور 2011 المتسم بنوع من التشردم وعن وضع الأمازيغية بعد 3 سنوات من ترسيمها في دستور 2011 المتسم ب"نصف الحل" المنتمي بدوره لمنطق "أنصاف الحلول"؛ ألا وهو مفهوم "الحلم".

بين الهوية والحلم:
أستأذنكم لفتح قوس بصدد هذا المفهوم (مفهوم الحلم) الذي يعبر اليوم عن وضع استراتيجية الفاعل الأمازيغي وعن وضع القضية الأمازيغية بعد 3 سنوات من ترسيمها في دستور 2011؛ أي عن علاقة هوية الفاعل الأمازيغية وهوية القضية الأمازيغية 3 سنوات بعد ترسيمها في دستور 2011.
بصدد هذه العلاقة يحضرني حوار بين الفيلسوف المسلم ابن رشد ومريده الفيلسوف اليهودي ابن ميمون حول الحلم؛ وذلك بعد أن نفي ابن رشد إلى قرية الياسنة بالأندلس، حيث أغلبية سكانها من اليهود، وبعد ضغط الفقهاء على الحاكم الموحدي لاستبعاد المشتغلين بالفلسفة وعلى رأسهم ابن رشد؛ لكي يجيشوا العامة التي احتاجت إليها السلطة الموحدية آنذاك لإنقاذ حكمها الذي بدت عليه بوادر الانهيار... فبعد أن استعرض ابن رشد تاريخ الحلم في الثقافات التي يمتلك معطياتها آنذاك والمتمثلة خاصة في آراء ابن سيرين وغيره، سأل ابن رشد ابن ميمون، كمريد له وكطالب في حلقته الفلسفية بالأندلس عن مكانة الحلم في ثقافته اليهودية والعبرية، فأجابه: في ثقافتنا: إذا كان الحلم فرديا فهو مجرد حلم؛ وإذا كان الحلم جماعيا فإنه يتحقق.
وهذا المفهوم، بدوره، يؤدي بنا إلى التساؤل عن ماهية "حلم الأمازيغية"، فما هو "حلم الأمازيغية"؟

الأمازيغية وحلم الكتابة والمأسسة:
بداية ينبغي التذكير بأهم الدوافع التي كانت وراء مطلب رد الاعتبار للأمازيغية والاعتراف بها لغة وثقافة وهوية وحضارة؛ تلك الدوافع التي يمكن إجمالها في ما كانت الأمازيغية تعاني منه طيلة تاريخها؛ والتي يمكن ردها إلى شيئين أساسيين:
- الكتابة
- والمأسسة
وليس المقصود بالكتابة فقط مجرد جعل الأمازيغية تنتقل من الطابع الشفوي الذي لازمها عبر قرون وقرون، بل الكتابة بكل ما تعنيه الكتابة في شموليتها: من قبيل التبين مما كُتب عن الأمازيغ من قِبَل خصومهم، وتثمين ما كتبه الأمازيغ عن أنفسهم (ابن خلدون وابن الوراق وغيرهما ممن كانوا ينعتون ب "مجهول")، وغير ذلك مما تستلزمه الكتابة بكل مجالاتها اللغوية والثقافية والهوياتية والحضارية.
أما المأسسة، فقد كانت العقدة الأضعف في التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي للأمازيغية، ما دامت كل الأنظمة السياسية الأمازيغية، في شمال إفريقيا، منذ العصور القديمة (عصور الممالك الأمازيغية، إن لم تكن قبلها) مرورا بالإمبراطورية المرابطية والموحدية والدولة المرينية وغيرها من الأنظمة التي قاومت كل الأطماع السياسية الأجنبية شرقية كانت أو شمالية؛ وذلك لأنها لم يخطر ببالها يوما ما أن تمأسس الأمازيغية، أي أن تجعل الأمازيغية لغة وثقافة وهوية مؤسساتها.
هذا هو، في نظري، الحلم الجوهري للأمازيغية والحلم المتقاسم بين المغاربة وفق منطوق دستور 2011 نفسه ووفق روح خطاب 9 مارس 2011 الذي جعل الأمازيغية في صلب الهوية المغربية الموحدة والمتنوعة الروافد ؛ هذا الحلم الذي يستدعينا لتحديد العلاقة، الكفيلة بتحقق هذا الحلم الجماعي، بين مفهومين آخرين هما "الثقافي" و"السياسي".

العلاقة بين "الثقافي" و"السياسي":
كثيرا ما نسمع هنا أو هناك، ومنذ أكثر من عقدين، بضرورة تجاوز الطرح الثقافي وتبني الممارسة السياسية. هنا أيضا أطرح مجرد نظري الشخصي المتعلق بالعلاقة بين "الثقافي" و"السياسي" أو بين"المطلب الثقافي" و"الممارسة السياسية" بصفة عامة، وعلاقة بالقضية الأمازيغية بصفة خاصة.
فانطلاقا من اقتناع ناتج من تجربة لأزيد من 47 سنة في النضال الأمازيغي داخل إطار جمعوي تعرفونه (الانتماء إلى أول جمعية أمازيغية مغربية تأسست منذ 1967 بالرباط)؛ بل ومما يثبته الواقع والتاريخ أيضا؛ يستحيل تصور الفصل بين "ما هو ثقافي" و"ما هو سياسي" . فمن يستطيع أن يفصل بين"الفكر الأرسطي" و"المشروع السياسي للإسكندر المقدوني" في العصر اليوناني؟ أو بين "دار الحكمة" و"المأمون" في العصر العباسي؟ أو بين "الثورة الثقافية" و"الثورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسة" في عصر الأنوار الأوروبي؟! ولكن الدرس التاريخي و"الدِّييُّونتولوجي" (الأخلاقي المهني) الذي ينبغي أن نستنتجه من هذه التجارب المرتبطة بالعلاقة بين "الثقافي" و"السياسي"، يمكن أن نلخصه في ما يلي: التجارب التاريخية التي نجحت في تدبير علاقة "الثقافي" ب "السياسي" وأبدعت في تدبير هذه العلاقة؛ برهنت على أن هذه العلاقة تضافرية مشروطة بكون: "المثقف له عمق سياسي" و"السياسي له عمق ثقافي" بالمشروع الحضاري لمجتمعهما.
وبذلك يكون على الفاعل الأمازيغي أن يوازن بين الوعي بالجذور الثقافية والتاريخية العريقة للأمازيغية وبين الممارسة السياسية الواعية برهانات وتحديات وآفاق مأسسة الأمازيغية لغة وثقافة وهوية، دون امتطاء مغامرات تبعد السابح عن قاربه في بحر متلاطم الأمواج. وهذين المفهومين يسائلاننا عن نوع الهوية التي تستجيب ل"حلم مأسسة الأمازيغية" ؟

"الهوية الأمازيغية"، أو بصيغة التساؤل: أية آفاق لتجاوز "الهوية المعطاة" إلى "الهوية المبنية"؟ في ضوء دستور فاتح يوليوز 2011

بداية، أريد أن أشير إلى مسألتين مرتبطتين بالموضوع من حيث الجوهر:
الأولى تتمثل في كوني لن أعود إلى كل ما أثير في كتاب: "حول خطاب الهوية بالمغرب" الذي نشرته الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، وهوبمثابة أشغال الندوة الوطنية المنعقدة في إطار "ربيع الرباط للثقافة الأمازيغية" في مارس 2006، وسأكتفي فقط إلى الإشارة إلى مقال من المقالين اللذين شاركت بهما فيه وهو "لمحة / إحالة ببليوغرافية حول موضوع الهوية في علاقته بالأمازيغية لغة وثقافة وحقوقا" باللغات العربية والفرنسية والإسبانية والإنجليزية.
والثانية تتعلق بنقاش مختصر دار بيني وبين أستاذ باحث جامعي ويعمل أيضا مع مؤسسات دولية مختصة في قضايا التنمية. استفسرني، متسائلا: "أريد أن يدلني واحد من المهتمين بالثقافة (وقد يقصد المهتمين بالثقافة الأمازيغية) كيف يمكن اعتبار الثقافة رافعة للتنمية"؟ فأجبته بدون تردد: "لست مختصا في مجال التنمية، ولكن يمكن أن أجيبك أن ما تستدره السياحة الثقافية في كل من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان ومصر والبرتغال من عائدات السياحة الثقافية قد يشكل جزءا كبيرا من الجواب على تساؤلك؛ فأنت تعرف أن السياحة في تلك البلدان ليست مرتبطة بالسباحة والاستجمام والتشمس والسهرات الفندقية. وذلك بالرغم من أن التنوع الثقافي والفني والمعماري وكذا الطبيعي؛ وغيره مما يميز بلدنا من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربيه ومن شواطئه إلى جباله ومن سهوله إلى صحاريه؛ لا يقل ثراء وغنى مما يوجد في بعض تلك البلدان التي تمت الإشارة إليها؛ ولكن الأمر في أمس الحاجة إلى كيفيات التثمين" ... فالتعدد والتنوع، كيفما كان نوعه في مجتمع مّا هو مادة أولية خصبة للتنمية المستدامة وهي خاصية وهوية المجتمعات المتقدمة والمتحضرة اليوم.
فإذا كان مفهوم "الهوية المعطاة" ينطلق من مبدأ أن الهوية جوهر ثابت ومطلق ومفروض فإن مفهوم "الهوية المبنية" يؤكد على أن الهوية هي عملية بناء تتوقف على تخطيط لما ينبغي أن يكون عليه الفرد والمجتمع مستقبلا واستراتيجيا بالنسبة للمجتمع لكي يواجه مختلف التحديات التي تواجهه أو يمكن أن تواجهه.
وإذا كان مفهوم "الشخصية الأمازيغية" يتوخى من خلاله الوقوف على مختلف الصفات التي تشكل خصائص "الشخص الأمازيغي" من خلال دوره ووظيفته وصورته عن نفسه وعند غيره؛ فإن مفهوم "الهوية الأمازيغية" تتوخى الوقوف على خصائص "المجتمع الأمازيغي" عبر لغته وثقافته وتاريخه وحضارته إلى غير ذلك مما يشكل تمثله عن نفسه وصورته عن نفسه وتمثل الغير له وتصور الغير له...
وهنا نكون في قلب الممارسة السياسية وفي إطار موضوع هذه المداخلة وفي سياق ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية وتدبير الجهوية وتحديد ما ينبغي الاستئناس به من تجارب الغير وما ينبغي أن يكون مغربيا مغربيا. وهنا تتبادر إلى وجداني آخر "كلمة متقاطعة" أريد أن تتقاسموها معي، وهي "حلم السنة الأمازيغية"، كآخر "كلمة" في "لعبة الكلمات المتقاطعة" التي تقاسمتها معكم بهذه المناسبة التي تجمعنا.

حلم "السنة الأمازيغية":
وأخيرا أتمنى، بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة 2965، أن يصبح حلم أغلبية المغاربة الذين يحتفلون بهذه المناسبة،الناطقين بالأمازيغية منهم وغير الناطقين بها، حلما يتحقق؛ وذلك بإدراج السنة الأمازيغية في لائحة العطل الرسمية.

الحسين أيت باحسين
باحث في الثقافة الأمازيغية
ندوة: "آفاق ورهان الفاعل الأمازيغي بعد ترسيم الأمازيغية في دستور 2011"؛ المنظمة من طرف "العصبة الامازيغية لحقوق الانسان"، تيزنيت - بويزكارن 10 يناير 2015















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الترسيم بين الوهم والواقع
عبد الله اغونان ( 2015 / 1 / 18 - 22:10 )

الترسيم وهم وخرافة

لاتتعدى كتابة حروف على أبواب بعض المدارس

وماذا بعد؟

لاشيئ الا الادعاءات

لو يترجم لنا الكاتب العنوان والفقرة الأولى ليعرف يقينا أن الترسيم

ماهو الا وهم لذيذ ومخدر

اخر الافلام

.. إيران: أسطول جوي قديم ومتهالك؟.. تفاصيل عن مروحية الرئيس رئي


.. الصور الأخيرة للرئيس الإيراني رئيسي قبل تحطم مروحيته وموته




.. الحرب في غزة: هل من تأثير على قطاع السياحة في مصر؟ • فرانس 2


.. تساؤلات في إيران عن أسباب تحطم مروحية الرئيس من بين 3 مروحيا




.. سيناريوهات وأسباب محتملة في تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟