الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انهم يقرعون طبول الحرب الاهلية

كاظم محمد

2005 / 9 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بالعودة الى الوراء ، ولأكثر من عقد من الزمان وبالتحديد منذ عام 1991 ، والمراقب لأحداث هذه السنوات واستراتيجية الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ، يرصد الاهداف السياسة والعسكرية والاقتصادية لفاشية الامبريالية الامريكية ، والتي عرتها وكشفتها حربهم الاستعمارية وغزوهم للعراق ، وكذب وزيف إدعاءتهم لمسببات هذه الحرب .

كان احتلال العراق في نيسان 2003 ولايزال جزء من اعادة ترتيب النظام العالمي الذي تهيمن عليه امريكا ، إن لم يكن في مركزه لخطورة وحساسية المصالح الامريكية والغربية عمومآ في هذه المنطقة ، لذلك اصبح نجاح تحكم الولايات المتحدة بعراق ما بعد الاحتلال سياسيآ واقتصاديآ ، مرتكزآ لمشروع اقليمي واسع يستهدف بالدرجة الاساسية منابع النفط وتأمين الخارطة السياسية والامنية لأسرائيل ومن ثم امركة اسلامية المنطقة ( ودمقرطة ) نظمها القائمة ، بدعم من اللبراليون الجدد والفئات والشرائح الاجتماعية التي تشابكت مصالحها الاقتصادية مع الشركات الغربية عبر انشطة اقتصادية مختلفة ومتنوعة ، لذلك تسعى الولايات المتحدة بكل السبل للفوز بهذا التحكم السياسي والاقتصادي لعراق ما بعد الاحتلال .

لقد دأبت الولايات المتحدة وبريطانيا ، ومنذ استحداث مناطق الحظر الجوي في شمال العراق وجنوبه 1991 ، على اعلان الحرص الزائف على وحدة العراق ارضآ وشعبآ ، وبعد ان تم الغزو والاحتلال ، جسدت هذه الدول استراتيجيتها غير المعلنة بتفكيك العراق وتقسيمه عبر حلقات من المخططات وجملة من الاجراءات السياسية والعسكرية ، حيث عملت الولايات المتحدة على قنونة احتلالها بقرار اممي بعد ان عجزت على كسب شرعية حربها وغزوها للعراق ، وبدأت (بعملية سياسية) مستندة الى قوتها العسكرية واجهزتها ودوائرها ، وعلى ( الممهد الوطني ) الذي اعدته وحملته معها على دباباتها الى داخل العراق ، في الوقت الذي حاول المحتل انتزاع الدعم الاقليمي والدولي لتثبيت اركان توابعه في السلطة السياسية التابعة خاصة بعد ( انتخابات المهزلة ) ، كانت المقاومة الوطنية الباسلة قد اتسعت وبدات تكبد المحتل الخسائر المنظورة ، وغدت ارض العراق ولازالت جحيمآ للمحتلين ومريديهم ، واصبح المأزق الامريكي اكثر وضوحا سياسيا وعسكريا .

ان تعمق المأزق الامريكي ارتبط بتصاعد المقاومة المسلحة والرفض الشعبي العام للاحتلال ، لذلك اصبح دوام الاحتلال وبأقل الخسائر الممكنة عسكريا وسياسيا ، واستمرار سيطرته واستغلاله لموارد العراق ومحاولة انجاح مشروعه الاقليمي ، عبر نجاحه في العراق ، يتطلب عراقآ مفككآ ومقسمآ تتنازعه طوائف وعرقيات ، تقنونه وتشرعنه قوانين المحتل واجراءاته السياسية وتدسترهُ بقانون اساسي (الدستور) ، تسوقه عربيا ودوليا من خلال (شرعيتها الدولية) ، وذلك في جهد لتكريس عمليتها السياسية وانجاحها ، وبنفس الوقت لتثبت وترسيخ قوى واحزاب الاحتلال سلطويا وسياسيا ، وبالتالي اعادة انتاج الاحتلال وعرقنته .

ان المواجهة المستمرة بين التطلعات الشعبية في عراق محرر ديمقراطي موحد ذو سيادة وبين مشروع الاحتلال وتوابعه ، اربكت وافشلت العديد من حلقات هذا المخطط وساهمت في تأزم حالة المحتل السياسية والعسكرية ، وعرت وكشفت زيف إدعاءات احزاب الاحتلال في انتماءها الوطني وحرصها على بناء نظامها الديمقراطي ، والذي اثبتت التطورات الاخيرة ، بأنه حالة من الاستحواذ واقتسام الغنائم بين هذه القوى التي تفتقد لهويتها الوطنية .
لازالت الولايات المتحدة تسعى وتعمل على جبهاتٍ عديدة سياسية وعسكرية للدفع بمشروعها المتعثر الى امام ، وما تقوم به دوائر الاحتلال ومرتزقته وتوابعه من احزاب الارتداد وميليشياتها من تكريس للطائفية والعرقية ، سياسيآ وقانونيآ واجتماعيآ ، وايجاد الشرخ النفسي والعاطفي في عراقية المواطن وانتماءه ، ليهز مفهوم الانتماء وليختصر بالطائفة والعرق والمنطقة ، وللوصول به حالة التخندق والتأهب النفسي والاقتتال ، ماهو الا البديل المطلوب امريكيا واسرائيليا لتحقيق متطلبات الاهداف السياسية للمحتل ، بفرض التقسيم بقوة السلاح ، بعد ان تعثرمشروع المحاصصة والتقسيم الدستوري والذي يعتبر حجر الزاوية في عمليتهم السياسية .
لذلك فأن العزف اليومي لسمفونية التخندق وعلى مختلف الاوتار من قبل الاحتلال ومرتزقته ومريديه من العراقيين والمكلفين بالمهمات القذرة ، من قتل واغتيال وسيارات مفخخة والهجرة الاجبارية من مناطق بعينها ، احدث الشرخ المطلوب وهيأ لخطاب سياسي وديني طائفي رجعي ، استعار من قاموس المذهبية والطائفية اسوأ عبارات الكراهية والاستعداء ومن قاموس السياسة اتعس مصطلحات التضليل والاستغباء ، مترافقآ ومدعمآ بماكنة اعلامية واقلام صفراء واصوات نابحة ، مهمتها التضليل والتأليب وشحن النفوس ، ومقرونة بسياساتٍ يومية لحكومة الاحتلال في ايصال عقل المواطن الى حالة من الاستلاب والشلل ، عبرفقدان ابسط انواع الخدمات الانسانية من ماء وكهرباء ، اضافة الى القتل والارهاب السلطوي وفقدان الامن والامان .

ان القوى الدينية الطائفية والتي تشابك مشروعها الطائفي بالفدرلة والاقلمة وتكوين الامارات والمشايخ ، مع مشروع المحتل في التفكيك والتقسيم ، تدرك بأن لا أُفقُ لمطامحها ولاحياة لمشروعها بدون قنونة ودسترة التفكيك والتقسيم للوطن العراقي ، خاصة وانها بدات تلمس انحسارها وتاثيرها السياسي والاجتماعي ، والذي اخذ بعدآ ينذر بفقدانها لسلطاتها المكتسبة بقوة الاحتلال وتزوير ارادة الشعب واستخدام الدين والمذهب كغطاء .

ان هذه القوى وخاصة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية وقوات بدر وحزب الدعوة ، بدأت بتصعيد لهجة خطابها الطائفي ، بأدعاء مظلومية الشيعة ، وراح خطبائهم في المساجد والحسينيات يعبأون بهذا الاتجاه ، واصبحوا اكثر صراحة ووقاحة في اتهام طائفة ومناطق بأكملها بالأرهاب والصدامية ، واخذت نغمة لغتهم السياسية والدينية تبطن التهديد والوعيد ، انهم يقرعون طبول الاقتتال ، في الوقت الذي تجري على الارض وتطبق سياسات واجراءات فصلية وتقسيمية ، من محاولات تفريغ مناطق من سكانها الى اقامة الحواجز الثابتة عند مداخل ومخارج بعض المناطق في بغداد وحولها، اضافة الى القتل الجماعي عبر اعتقالات الجملة الليلية كما حدث في مناطق المدائن والحرية في بغداد .

ان سياسة القتل والارهاب وتعميق الشقاق وخلق حالة من العزل والتخندق الطائفي والمناطقي ، هي التي تخدم مصالح هذه الجماعات واسيادهم في خلق اماراتهم وولاياتهم ، لذلك اصبحت التحركات الشعبية الاخيرة التي عمت مختلف مدن العراق والتي اطرت للمطالب الجماهيرية السياسية والمطلبية ، اصبحت هذه التحركات والحشود وخاصة في مناطق الوسط والجنوب ، تؤرقهم واسيادهم ، حيث اتسعت لتشمل مدن في الشمال والغرب في تعبيرعن مطلب شعبي موحد تجاه الاحتلال وافرازاته السياسية والاجتماعية ، بما فيها سلطات المافية السياسية في المحافظات.

أنهم يدركون جيدآ أن تطور النضال الشعبي ومداه ، المترافق مع المقاومة المسلحة الباسلة ضد عساكر المحتل وادواته يمثل تهديدآ شاملآ لمشروعهم الاستعماري التقسيمي ولحلقته الجديدة ( الدستور) .
لذلك فأن ادارة الاحتلال المتعاونين معه يسعون جاهدين لقطع الطريق امام التعبئة الشعبية والنضالات الجماهيرية السياسية في التظاهر والاعتصام والرفض لمشروع دسترة التقسيم والغاء هوية العراق العربية والاسلامية ، واضعاف واعاقة انضاج الشروط الضرورية للهبة الجماهيرية ومقدماتها .
ان التظاهرات والحشود الشعبية والتي تخرج حتى في المناسبات الدينية ، صارت مصدر قلقٍ ورعبٍ للأحتلال والمتعاونين معه ، حيث كشفت حقيقة القوى الطائفية المتعاونة مع الاحتلال ووزنها الاجتماعي ، وبينت الامكانية لأسقاط ما تخطط له في الفدرلة والتقسيم (وتأهيل العراقيين) لحرب الطوائف والاعراق .

ان ما حدث على جسر الأئمة في بغداد لهو جريمة بكل المقاييس ، تدخل في سياق سياسات ومخططات الاحتلال والمتعاونين معه في محاولة لتعميق الشرخ الاجتماعي والطائفي والمناطقي عبر الغور عميقآ في الجرح العراقي ، بأغراق شوارعنا بالدماء والاشلاء ، حيث لم يتورعوا بقتل المئات من الحشود التي تخيفهم ويخيفهم تجمعها ، ليصلوا الى اهدافهم .
لقد ارادوها الشرارة التي تشعل الاقتتال والحرب ، خاصة في الحد الفاصل بين منطقتين سنية وشيعية على جانبي هذا الجسر ، جسر الإماميين ، وفشلوا في سعيهم واستُحضرت في لحظات الشدة روح الوطن الواحد والشعب الواحد .
ان جريمة جسر الأئمة جاءت مترافقة مع معركة تمرير دستورهم وما رسم فيه من فدرلة وتقسيم ، ومتزامنة مع الخطاب الطائفي والسياسي الذي يقرع طبول الحرب الاهلية ومع حملة عسكرية شرسة ضد مدن غرب وشمال العراق ، لتؤشر إلى سعي المحتل واتباعه لأغراق العراق بدم ابناءه وصولآ للتقسيم .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -