الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غرْب المتوسّط .. زَمَن الزّعْبعْ * / مشهد روائي

سمير دربالي

2015 / 1 / 19
الادب والفن


فجأة توقفت الحافلةُ الصّفراء .. فارتفعت أعناقُنا تستطلع المكان الجديد ..بعد رحلة طويلة عرفْنا بعضَ فصولها في مركز "الروتيكس" ب"باردو" ..-

أهبط ..أهبط ..تحرّك ..سي البهيم..

دُفعنا من الباب الخلفي ..فارتطمت أرجلنا بالأرض و تعثر بعضها بأخرى .. ..وجدنا أنفسنا أمام سور كبير عال ..وقفنا مشدوهين ..وشْوش أحدُ الطلبة في أذن صاحبه " ثكْنة العوينة ".. فُتح بابٌ من مصراعين ..فلاحت أمامنا ملابسُ زرقاء تعلوها عُيون .. وأياد تمسك سياطا .. صفّان من سرْول بشريّ ينتهيان عند مدخل بناية بيضاء مهيبة من دوريْن ..كان علينا أن نمرّ بينهما كيْ نصل الى باب البناية هناك بعيدا ..وأن نتعدى امتحان" الدّخلة" او" التشريفة" بأقل الأضرار ..وضعتُ محفظتي فوق رأسي وركضت ..ركض الجميع ..وكانت السّياط تنهال على رؤوسنا وظهورنا وأيدينا وأرجلنا ..فيمتد وجعها الى كل ذرّة في الأجساد الخدرة ..ليوقظها من سكرة الصّدمة ..وتعالت الصرخاتُ متكسّرة ًمتشابكة كصدى وقع أصابع هاوية على آلة ابيانو .. ..حتى انتهينا إلى داخل البناية ..بهوٌ فسيحٌ وأبوابُ مكاتب رُصّفت على جوانبها بضعة كراس خشبية ..وعلى اليمين سلالمُ قادتنا الى الدّوْر الأول ..جُمّعنا في قاعة فسيحة ..الوجوهُ شاحبة ٌتعبة ٌٌ ..والكل ينظرُ الى الكلّ في بهتة مَنْ فقدَ توازنه وعقلَه ..وجوهنا الى الحائط ونحن ننتظر القادم الأسوأ ..حادثة اختفاء صديقي "زيدان" فجأة..وخبر اعتقاله الذي يهمس به البعض ...و قصص رجيم معتوق ،ما تزال حاضرة في ذهني ..تشغله وتشلّه عن التفكير .. مصير قاتم ينتظرني ..ينتظر الجميع ..

يقطع الصمتَ بوليسٌ قذرٌ:

:شكون فلان بن فلان الفلاني ..

.. يرفع أحدُنا يدَه ..يتعثّر الصّوتُُ في حلْقه ..تخرج حشرجةٌ : ..نَا ..

أنت فلان ..ولد (..) -

يمسكه من طوْقه ..ويدفعه أمامه ..ويغيبان في ممرّ ضيّق خافت الضّوء ..بعد دقائق تتعالى صرخاتٌ تهزّ البناية بأكملها ..وبكاءٌ مرّ ... فتتخدّر الحواس وتغيب في ما يشبه الموت السّريريّ ..يقطع الصّمتََ نفسُ الصّراخ ونواحٌ ذكوريّ ..تمرّ ساعة .. ساعتان ..ثلاث ..والبكاء يعلو ثم يخبُو ..بعدها يُدفع به اليْنا وقد اُنتُزِع سروالُه إلى أسفل رجليه ..يُقادُ من عضْوه التناسلي بخيْط يُمْسك طرفَه بوليسٌ آخرُ فاجر ..يشُد الخيط متعمّدا ..فيركضُ الطالبُ نحوَه ..فتقيّدُ حركتَه تلك الملابسُ المكومّةُ فوق قدَمْيه ..فتتعثّر خطواتُه ....يسقط ُ..ينهضُ ..يسأله باسْتهتار :-

مْنين شادك أنا توّه؟ ..

يصمتُ الطّالب ُ..فيصرخ في وجهه :

تكلّم مْنينْ شادّك أنا توّة .. ؟

شادْني منْ .. ..!

-مْنينْ بالضّبط ...؟

منْ راس (..)

ويغرق ذلك البوليس في ضحك هستيريّ ...ضحكِ من أسكتَ صوتاً في أعماقه ظلّ يذكّره بأنه فاشل ..ضحك من انتصرَ على خيْباته الماضية ....ثم يدفع به إلى القاعة..فيتهاوى جسده بيننا كمنطاد أُفرِغَ من ريحٍ ..يكتم بكاءَه ويغالبُ شعورا بالانكسار فتخنقُه غصّةٌ ..تلتقطها الأسماع فتزيدها ضياعا ورهابا ..

الشمسُ مالتْ إلى الغروب ..الضّوء بدأ ينحسرُ ..يتسللُ شيئا فشيئا خارج فجوات النّوافذ ومن تحت فتحات الأبْواب المُوصَدة .. لونٌ رصاصيّ يمتدّ .....يصيرُ فجأة عتمَة ..ووحْشة تتسرّب إلى القلوب وإحساس بالضياع ..ولا ذاكرة ..

وحدَه مشهدُ "حياة" -وهي تصرُخ وتبكي مُمسكة بطرف "الجاكيت " الجلديّ اللّعين تحاول سحْبي الى الخلْف ..فيما كانت يدان غليظتان تدفعاني إلى مركز البوليس في مدْخل الكلّية ..- ظلّ عالقًا في ذهْني...وخيالات كثيرة . . . ..
------------------------------------------
الزعبع :زين العابدين بن علي *








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس


.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام




.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد