الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-قبر الخوَّاض-*: جماليات النص..حفريات الكتابة-قراءة نقدية بقلم: صابر جمعة بابكر **

أسامة الخوّاض
(Osama Elkhawad)

2015 / 1 / 20
الادب والفن


للإبحار في متون نصوص "الخوَّاض" الشعرية، نستبعد كل المزالق التي يحتويها النص، بعيداً عن مفاهيم بعض الحداثيين أنّ في كل قراءة للنص إساءة له.
تحاول هذه الورقة الجوس في ردهات الرؤى و الأخيلة الشعرية لبعض نصوص الديوان، ضامة و بمحبة و بتذوّق ما ينتاش من رحيق و من لهيب، عسى أن تفتح كوَّة للضوء.

الديوان الشعري لأسامة الخوَّاض حافل بالغنائيات والحوارات مع الذات والعالم. اللغة هنا تمثِّل التحدِّي الباذخ في كل نص تنحفر مفرداته ومعانيه ورؤاه.و تتجلّى العبقرية القريضية هنا. إن النص يحتاج بحصافة لمن يستكشف أبعاده وآفاقه الجمالية والتأويلية. ففي قصيدة "المفاليك" يستدعي الشاعر مقولة المتنبي لابن جنِّي: هل تظنّ أنني أنظم الشعر من أجل هؤلاء المفاليك؟ إنما أصنعه من أجلك أنت للنظر فيه و تطّلع على أسراره. و قال أيضاً "ابن جنِّي" أعلم بشعري منّي".

و في بعض النصوص ككوب سلوى مثلاً، و "ما قاله الفضل بن العبَّاس بن أبي لهب في التاسع من يوليو 2011 م"، نرى النفس الانفعالي مما يضفي حيوية على النص. الإيقاع الموسيقي ضاجٌّ، ولكنه متماسك في بنيته وفي اقتصاده التعبيري.
يقول أسامة في نص الفضل بن العباس، وهي إن جاز التعبير، تبرئة للنفس الشاعرة من انفصال الجنوب:

اختلفنا،
اختصمنا،
اقتتلنا،
اشتجرنا،
على الغابة المطريةِ،
والصحراء الكئيبةِ،
ثمّ كنزنا حروب الهويِّةْ
أسأل نفسي:
لماذا تنكَّرت للدم في سمته الافريقي،
لماذا نسيت مناقب جدّاتك المرويَّات والحبشيّات؟
خجلٌ شائنٌ في الشمالْ
فرحٌ بائنٌ في الجنوبْ

وفي قصيدة "حامل القات للسيِّدة"، تبهرنا المهارة في ابتداع نصّ شعري غني بالبوح والتأمُّل، وابتكار مفردات طازجة في جمالياتها، وفي استخدام تراكيبها اللغوية النحوية و البلاغية:

أنا حامل القات للسيِّدةْ
وكاتم أسرار فتنتها،
و"افتهاناتها"،
و"المعجَّن" منشدهاً من ليونة عجوتها،
وزفاف المثنَّى إلى المفرد الصمديِّ،
ونون النسيب،
و نون النساء وما يشتهين،
وتاء المخاطب من ربَّة الصولجان،
وتاء التليدةِ،
خارج أسوار تاء الخجلْ

في النصوص "الخوَّاضية" تستبين تجربة الرحيل المرّ والمنافي، وبصفته الشاعر، وهو أحد المشَّائين العظام في تجربة الدياسبورا السودانية، و غياب المبدعين الأشاوس عن أرض الوطن. يقول الفيلسوف الألماني "هيدغر" أن اللغة مسكن الوجود في مبحث تساؤله عن الحقيقة بوصفها انكشافاً، ومنفتحة على الكينونة . يمكننا أن نضيف ماسكة مفاتيحه و شفراته حتى الانفجار التكنلوجي الهائل في عصر ما بعد الحداثة. يمكن للغة أن تطوّع أداة التكنلوجيا في حقولها الشعرية، وهذا ما اقترحته قصيدة "وحشة إسفيرية":

لا أحد غرَّد،
وما من واحدة أعادت التغريد على صفحتي المهجورة،
وما من رسائل ولو لعابرين على غابة الويب العظيمة،
ملقاة بلطف جمٍّ على قارعة دغلي "الفيسبوكي"

كذلك قصيدة "مشَّاءة الاسفير"، وهي تطويع الأحاسيس الحسّية باستخدام الإنترنت:

طرحتْ عواطفها على مرج الماسنجر،
غلّفت شهواتها بالاستعارة،
وانثنت،
و تدلّكت،
وتدخّنت،
وتكبرتتْ،
وتمكيجت،
فطفت رغائبها الحبيسة،
ثم قالت "هيت لكْ"

أما قصيدة "قبر الخوَّاض"، التي تحمل عنوان الكتاب، فقد جعل لها عتبة للنص، أسماها "العتبة الخوَّاضية" أو المدلول الصوفي الأسطوري في كنية الاسم.
تتكون القصيدة من ثمانية مقاطع، مع استخدام التناص والمقاربة بين عدد من الشعراء الغربيين والعرب في مراثيهم. أيضاً النصّ حافل بالإشارات والتأويلات والرجوع للتراث، بالأخص التراث الأندلسي، وإشارة للمانفستو الشيوعي، والمولد النبوي الشريف، والاتكاءة على قصائد "المجذوب"، ويصبغها بلونية طريفة "ويرتضغ التبغ أنثى، مكبرتة برحيق "البرنجي"، أيضاً استخدام العامية السودانية ككلمات "ونسة" و "مزّة" و "صنفر".

والنصّ يحفل أيضاً بالاستعارات والاقتباسات المسيحية واليهودية، والاستفادة من الحديث النبوي الشريف. كل هذه الأشياء مودعة في ختام القصيدة كهوامش ومفاتيح لقراءة النص، ومرجعية مخلصة لنصّ يتجمّل، لكنّه يستعصي.

* "قبر الخوّاض،"-نصوص شعرية،صدر عن موقع "أمازون" دوت كوم، و هو كتاب من الحجم الصغير يحتوي على 43 صفحة.
** ناقد وقاص سوداني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش


.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان




.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص