الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الأشياء الصغيرة التي تتوه في الزحام...

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2015 / 1 / 20
سيرة ذاتية


افتقدنا العديد من الأشياء الصغيرة، التي تاهت منا في وسط زحام الحياة؛ أشياء في الحياة العامة، وأخرى في التليفزيون، وثالثة في المجال الثقافي، ورابعة في... وخامسة في...، وبعيدًا عن الأعداد والأرقام والتصنيفات والفئات، تبقى الحقيقة الراسخة هي أننا فقدنا العديد من الأشياء الصغيرة وسط الزحام.
من بين الأشياء البسيطة الصغيرة التي افتقدتها على المستوى الشخصي مسلسل السابعة والربع مساءً على القناة الأولى من التليفزيون المصري، والذي كانت مشاهدته من التقاليد الراسخة للأسر المصرية العادية. كما افتقدت أيضًا برامج حديث الروح قبل نشرة التاسعة مساءً على القناة الأولى، وجولة الكاميرا وما يطلبه الأطفال على القناة الثانية، وغيرها من البرامج ذات التوقيتات اليومية أو الأسبوعية المحددة.
ويشهد مجال الرياضة بخاصة كرة القدم العديد من الأشياء التي افتقدتها كذلك، ومن بينها شعبية لقاءات كرة القدم في الدوري المصري بين الأهلي والزمالك وكذلك لقاءات كل من الزمالك والأهلي مع المصري البورسعيدي في مدينة بورسعيد، والتي كانت تتسم بالندية والسخونة، وغالبًا ما كانت تنتهي في غير صالح قطبي الكرة المصرية الأهلي والزمالك، على عكس لقاءات الفريقين مع المصري في ستاد القاهرة، والتي كان الفريق البورسعيدي يبدو فيها لا حول له ولا قوة. كذلك افتقدت اللقاءات الأفريقية للمنتخب القومي لكرة القدم، والتي كانت تجري في استاد القاهرة، وقت أن كان مفتوحًا بسعته الكاملة البالغة 120 ألف متفرج.
من بين الأمور التي أفتقدها أيضًا عربات البطاطا والدوم والتفاح الصغير البلدي الأخضر وحمص الشام التي كانت تقف أمام المدارس في انتظار خروج الطلبة والطالبات، ولا زلت أذكر صوت البائع وهو ينادي على ثمار نبات الست المستحية الذي نعرفه في مصر باسم "الحرنكش"، ولا زلت أذكر أنه كان يجعل حرف النون يرن في حلقه قبل أن ينتقل إلى الكاف...!
هناك أيضًا مشروع ثقافي كان سائدًا في مصر والعالم العربي بعنوان "روايات مصرية للجيب". هذا المشروع ضاع في غياهب الطرقات الثقافية. أفتقد أيضًا التقارير المستقلة التي كانت جريدة الأهرام القاهرية تنشرها عن الأحداث العالمية، والتي كانت بالفعل تحظى ببعض الاستقلالية قبل أن تنهار هذه السمة تمامًا، وتصبح الجريدة ككل لا تصلح حتى للف الأطعمة خشية أن تتسخ الأطعمة بالسموم الثقافية التي تملأ ثنايا جريدة كانت في يوم ما بين الرواد في المصداقية في العالم.
ليقل المرء ما يشاء عن الأسباب وراء ضياع مثل هذه الأشياء؛ ليقل إنها أموال الخليج التي كانت وراء الانتشار السرطاني للفضائيات المختلفة والتي امتلأت بمسلسلات لا طعم لها ولا لون إلا ما
 -;---;--
رحم ربي. قل إنه الابتذال الذي أصبح هو العنوان الرئيسي لغالبية المنتجات الثقافية في مصر والعالم العربي.
قل إنها الرأسمالية العالمية التي أدت إلى تشفير لقاءات كرة القدم؛ بحيث بات المصري لا يستطيع أن يرى على تليفزيون بلاده لقاء كرة قدم بين فريقين من بلاده، والسبب هو أن اللقاء يجري في بطولة أفريقية تحتكر شبكة تليفزيونية حق بث لقاءاتها بشكل حصري...!
قل إنه الطمع الذي أودى بحياة مشروع "روايات مصرية للجيب" التي كانت تحمل شعارًا ينطبق عليها بالفعل وهو "نحن نخرج لك أحسن الكتب". انتهى المشروع بسبب الصراعات على الملكية الفكرية، والأموال الخليجية التي لُوِّحَ بها للمؤلفين؛ فتصارعوا مع المؤسسة العربية الحديثة صاحبة المشروع، فراح المشروع وبهتت القصص، وتكلل الانهيار بوفاة صاحب المؤسسة نفسها الناشر حمدي مصطفى رحمه الله تعالى.
سمه الابتذال أو سلطة رأس المال أو الخصخصة أو أي شيء يخطر ببالك، لكن الحقيقة الراسخة هي أن أشياء صغيرة راحت من حياتنا... أشياء صغيرة عجزنا عن الحفاظ عليها، وندعي في الوقت نفسه أننا راغبون في إصلاح الوطن... الوطن هو هذه الأشياء الصغيرة التي عجزنا عن الحفاظ عليها.
إذن، لنحافظ على الصغير، قبل أن يضيع الكبير، هذا إذا انتبهنا لضياعه. لنتمسك بالصغير، كي نحافظ على الكبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ما بعد الحرب.. ترقب لإمكانية تطبيق دعوة نشر قوات دولية ف


.. الشحنة الأولى من المساعدات الإنسانية تصل إلى غزة عبر الميناء




.. مظاهرة في العاصمة الأردنية عمان دعما للمقاومة الفلسطينية في


.. إعلام إسرائيلي: الغارة الجوية على جنين استهدفت خلية كانت تعت




.. ”كاذبون“.. متظاهرة تقاطع الوفد الإسرائيلي بالعدل الدولية في