الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف الديموقراطي بين جورج بوش ..والحجاج بن يوسف الثقفي

فخر الدين فياض
كاتب وصحفي سوري

(Fayad Fakheraldeen)

2005 / 9 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


كاتب وصحفي سوري
في الصراع الدائر بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وبين ما يسمى بالإرهابيين من جهة ثانية، ثمة خاسر غير مرئي، لا يحسب له حساب.. لأنه رفض الانحياز إلى أحد الجهتين، إنه المثقف الديمقراطي الذي يصبو إلى موقع حضاري لوطنه بين بلدان العالم المتحضر.. هذا المثقف بريء من دعوات (الليبراليين) الجدد الذين يرون في الرئيس بوش (مارتن لوثر) جديد يحارب في سبيل العدالة والإيمان والحرية، على العكس فإن هذا المثقف يميز بين الوجه الحضاري للغرب كمجتمعات متحضرة قائمة على التعددية والحريات العامة واحترام الآخر ضمن منظومة أيديولوجية يدخل الشك والتساؤل والنقد والمواطنة في صميم حياتها اليومية بدءاً من سائق التاكسي وصولاً إلى رئاسة الجمهورية، وبين الوجه الآخر للغرب، الوجه الذي تمثله أميركا اليوم، وهو الوجه الاستعماري العسكري القائم على إلغاء الآخر ومصالحه وتاريخه ومستقبله، وهو الوجه الذي استعاد حيويته بعد قرن من اختفائه عن مسرح الأحداث السياسية في العالم.. منذ أفول بريطانيا العظمى إلى اليوم، عادت أميركا لتمارسه على الشعوب الفقيرة والمتخلفة والتي ابتلاها الله بأنظمة استبدادية ذات نهج شمولي.. وليس احتلال أفغانستان والعراق إلا مثلاً على الوجه البشع للغرب بقيادة جورج بوش والمحافظين الجدد في البيت الأبيض، المثقف الديمقراطي في بلداننا شأنه شأن المثقف الديمقراطي في الغرب، هناك استطاع أن يعبىء أضخم مظاهرات الاحتجاج ضد الوجه القبيح للغرب، عندنا لم يستطع أن يعبىء إلا أمثاله.. وعلى الورق ليس إلا، مع جزء يسير من الفضائيات التي ما زالت تسمح لهذا المثقف تحديداً بمساحة معينة ليقول رأيه.. رأي الأمة والوطن الحلم..
هذا المثقف ضد الإرهاب بكل أشكاله، من أية جهة صدر، إن كان (إسلامياً) أو استعمارياً، ويرى أن الإرهاب لا يعرف لوناً ولا ديناً ولا عرقاً، إنه يتعلق بالمطلق غير الإنساني.. المطلق الشائك والمعقد والذي قطع حدود الممكن والمعقول، وانطلق في أفق ظلامي دون أن يترك وراءه خيطاً إنسانياً يمكنه من الرجوع إلى الحاضرة البشرية القائمة على حق الحياة والتعبير والكرامة للذات والآخر بالسوية نفسها.
هذا المثقف يميز بين نوعين من الإرهاب، هناك إرهاب أعمى يضرب دون تبصر، وأهدافه تتعلق بالغيب والآخرة ومفاتيح الجنة وفتاوى الأمراء والقادة الذين لا يعلم إلا الله من أين أتوا بالتكفير وإحلال دم الآخرين، الأبرياء والعزّل، وكيف تصوروا أن القتل يمكن أن يكمن طريقاً لآخرة حسنة.
رفض المثقف الديمقراطي هذا الإرهاب وملأه بالخوف، لأنه المستهدف أولاً، إن لم يكن شخصياً، فإنه مستهدف كمشروع حضاري للأمة، مشروع بناء دولة الديمقراطية والقانون، القائمة على الحداثة والعقلانية والعلمانية ومؤسسات المجتمع المدني.
الوجه الآخر للإرهاب هو المقاومة، وكلمة الإرهاب تطلق على كل من يسعى إلى تحقيق أهدافه بالعنف، والمقاومة التي تواجه احتلالاً عسكرياً بكل آلته التدميرية، لم تجد أمامها إلا الإرهاب والعنف طريقاً لمقاومة الاحتلال، والأمثلة لا تنتهي، بدءاً بمنظمة التحرير الفلسطينية، ومنظمة خلق في إيران، والجيش الإيرلندي، والمقاومة الوطنية اللبنانية على رأسها حزب الله، وفصائل الأرض المحتلة.. وصولاً إلى بعض فصائل المقاومة العراقية.. وغيرها، هذا الوجه المقاوم لا يستطيع المثقف الديمقراطي إلا مؤازرته ودعمه، تماماً مثلما يقف مع الوجه الحضاري للغرب، إنهما وجهان لعملة واحدة، الحضارة في أوروبا هي وليدة الشرعية لكل التحولات الثورية التي اجتاحت القارة البيضاء منذ ثلاثة قرون إلى اليوم، الثورة الشعبية الفرنسية 1798، توحيد بسمارك لألمانيا بالقوة، غاريبالدي (الذي كان يتلقى الرصاص بردائه) في إيطاليا، والبرجوازية العظيمة في بريطانيا.. وغيرها الكثير، ترافق بالطبع مع ثورة أخرى.. فكرية وثقافية وعلمية ضمن مجتمع متحرك صعوداً، ولا أعتقد أنه يمكن لعاقل أن يلوم الفرنسيين على مقاومتهم للاحتلال النازي إبان الحرب الثانية.
إنما بين الإرهاب الأعمى والوجه القبيح للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، يتراجع ويغيب دور هذا المثقف وتضيع من بين يديه كل المنجزات التقدمية التي أمل بها، وراهن على حركة مجتمعية وحراك سياسي ديمقراطي في سبيل بناء دولة الوطن.
انتصار أميركا يعني سحق منجزاته الوطنية، وفتح الأبواب مشرعة للنظام العالمي الجديد، وتحول هذه الأوطان إلى حظيرة خلفية للاقتصاد العالمي.
أما انتصار الإرهاب المتمثل بالحركات الأصولية أو بأنظمة ثيوقراطية شمولية، يعني سحق الغد الديمقراطي القائم على الحريات والتعددية، وعودة إلى لغة التكفير وتهم الزندقة و(الرؤوس التي أينعت) وتقطيع الأوصال وشبح الحجاج بن يوسف الثقفي يمتد بحجم الوطن ليغطي الساحات بالمحاكم العرفية والشرعية و(بشائر أمة الإسلام) التي لم يبق منها الإرهاب الأصولي إلا ظلمة قرون الهزيمة والجهل والضياع..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاستثمار الخليجي في الكرة الأوروبية.. نجاح متفاوت رغم البذ


.. رعب في مدينة الفاشر السودانية مع اشتداد الاشتباكات




.. بعد تصريح روبرت كينيدي عن دودة -أكلت جزءًا- من دماغه وماتت..


.. طائرات تهبط فوق رؤوس المصطافين على شاطئ -ماهو- الكاريبي




.. لساعات العمل تأثير كبير على صحتك | #الصباح_مع_مها