الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكشف عن طبيعة التناقض بين الدولة ورأس المال في مصر

شادي عمر الشربيني

2015 / 1 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


كلنا نعرف أن تصفية سيطرة رأس المال على الحكم كان أحد أهداف ثورة يوليو الأساسية... و بالفعل فقد مضت الثورة بخطوات واسعة وعميقة لتصفية هذه السيطرة، نتج عنها أن أصبح القطاع العام، المملوك للشعب، يمثل العمود الفقري والقاطرة الرئيسية والأولى للاقتصاد في مصر، قطاع عام لا يهدف إلى الربح بقدر تحقيق أهداف خطط التنمية واشباع الحاجات الأساسية بل والكمالية أيضا لكل فئات و قطعات الشعب المصري، الفقير منهم قبل المقتدر، قطاع عام يهدف إلى تصنيع مصر و توطين التكنولوجيا و تحويل مصر إلى بلد صناعي متقدم، قادر على اللحاق بالعصر إن لم يكن قيادته في نقطة ما، قادر على جعل مصر بلد يعتمد على الذات، أقل احتياجا للخارج، مما يسهم في استقلال القرار الوطني و تحريره من القيود الخارجية...
لكن منذ سبعينيات القرن الماضي بدء الانقلاب على هذا التوجه، وتحت يافطة الانفتاح، بدء عودة نفوذ رأسمال والرأسماليين، بل إن الدولة سعت سعيا لصنع رجال أعمال ورأسماليين ومنحهم الامتيازات والأراضي والموارد وأموال البنوك، في عملية فساد وإفساد منظم ومستمر طال كل قطاعات الاقتصاد المصري، بل والمجتمع المصري أيضاً، ونشأ تحالف عميق بين الدولة المصرية ورجال الأعمال والرأسماليين الجدد، كانت تقوده بالأساس الأجهزة الأمنية...
كان من الواضح أن هذا التحالف، مع أنه مبني على تمكين فئة رجال الأعمال والمستثمرين، إلا أن يد الدولة كانت هي اليد العليا فيه، وأستمر هذا الوضع حتى نهاية التسعينيات، حتى بدئت الرأسمالية الجديدة ورجالها يتمردون على هذا الوضع، يريدون أن تكون لهم اليد العليا في هذا التحالف، أن تخضع لهم الدولة بالكامل، ولا تكون فقط أداة لمدهم بالامتيازات والإمكانات التي من المحتمل عند نقطة ما أن تسحبها منهم إذا حدث تغيير غير محسوب في السلطة، أو أرادت الدولة الضغط عليهم تنفيذا لأغراض أو أهداف ما...
هذا التمرد ظهر بالأساس عبر مشروع التوريث، فمشروع تصعيد وتمكين جمال مبارك، لم يكن مشروع حسني مبارك نفسه، بقدر ما هو مشروع الرأسمالية الجديدة للاستيلاء الكامل على الدولة والسيطرة على كل مقدرتها، لتغيير طبيعة التحالف لتصبح اليد العليا فيه لهذه الطبقة المالكة الرأسمالية لا الدولة... هذا المشروع سقط في ١-;---;--١-;---;-- فبراير ٢-;---;--٠-;---;--١-;---;--١-;---;--، لكن الهدف مازال قائم ويتم السعي إلى تحقيقه عبر وسائل وطرق أخرى، منها مثلا السيطرة على مجلس الشعب القادم...
فقد بدأ أصحاب المليارات في عمليات شراء واسعة تتم الآن في الشارع الانتخابي لعدد من العناصر المتوقع فوزها، سواء كانت منتمية إلي الحزب الوطني، أو كانت مستقلة وبعيدة عن الأحزاب.
لقد وصلت عمليات الشراء، إلي مليون جنيه علي الرأس الواحد في البداية ومليون آخر للدعاية والمليون الثالث يدفع للمرشح في حالة الفوز.
وقد رصدت الأجهزة الرقابية العديد من هذه الحالات، الأمر الذي دفع رئيس أحد اكبر الأحزاب إلي القول " إن هناك عملية اصطياد وقنص لعناصرنا في المحافظات لحساب أصحاب الأموال الذين لديهم أجندة إما سياسية مرتبطة بطموحهم السياسي وإما لحساب قوي خارجية.."
إن أحد هذه الشخصيات من أصحاب المليارات، الذي أطلق أمواله في العديد من المحافظات، قال في جلسة علنية: "ماذا يريد الجيش؟، لقد تولوا رئاسة الجمهورية ونحن يجب أن نسيطر علي مجلس الشعب حتي نستطيع أن نشكل الحكومة"!! وعندما تحدث بصيغة أنا، كان يتحدث بمنطق العائلة وليس بمنطق الحزبية أو الحياة السياسية.
إن الدولة المصرية بحد ذاتها أصبحت هدفًا للرأسمالية الجديدة، والسعي لاختراقها أصبح هو البوابة التي من شأنها تعطيل أداء الدولة وشل حركتها إن رأت تلك الرأسمالية أن الدولة بدأت في التحرك عكس ما تريد، فالبرلمان القادم، والسلطات التي حصل عليها في الدستور الجديد، يمكن أن تعرقل أي تحركات للدولة لا ترضى عنها تلك الرأسمالية.
إن مجلس النواب القادم هو صاحب القرار الفصل في تشكيل الحكومة أو سحب الثقة منها، أو تعطيل اختيارات الرئيس، وهو أيضا يستطيع سحب الثقة من رئيس الجمهورية، ويستطيع أيضا إذا ما امتلك الآخرون "الثلث المعطل" أن لا يتم الموافقة علي القوانين التي صدرت قبيل تشكيل البرلمان ومنها قانون الانتخابات الرئاسية والذي لو حدث سيكون مجلس النواب مطالبًا بأجراء انتخابات رئاسية مبكرة..
من هنا يمكن فهم طبيعة التجاذب وأحيانا الصراع المكتوم بين الدولة ورأس المال، الطرفان متفقان تماما على مشروع الرسملة والخصخصة واستمرار التحالف والزواج الكاثوليكي بينهم، لكن الخلاف على طبيعة هذا التحالف ولمن تكون اليد العليا فيه، الدولة تحاول إبقاءه داخل الأطر القديمة، بحيث تستمر اليد العليا لها، ولكن التيكونات الرأسمالية ترى أن هذه الأطر فات أوانها وأصبحت تضيق عليهم، ويسعون إلى نسفها والتحرر منها وتغيير طبيعة التحالف بحيث تكون السيطرة واليد عليا لهم. إنهم لن يرضوا إلا بتجريد الدولة من أي أسباب للقوة والتدخل.
لقد حذر الكثير من خبراء الانتخابات من خطورة المال السياسي، إلا أن الحكومة لا تزال تقف صامتة أمام هذه التجاوزات والاختراقات التي أصبحت ملء السمع والبصر، تُحكي على المقاهي وفي المنتديات.
وحتى الآن تبدوا الدولة أنها الطرف الأضعف في هذا الاشتباك، بل وإنها تمشي في طريق تقديم التنازل تلو التنازل لعل آلهة السوق ترضى، لكنهم لن يرضوا إلا بالتمكين الكامل، على طريقة الجماعة، وهذه هي طبائع الأمور والحصاد الطبيعي للطريق الذي مشت فيه السلطة والدولة المصريّة منذ سبعينيات القرن الماضي، ومازالت فيه ماضية مثل قطيع الماشية الذي يساق إلى سلخانات الذبح والسلخ والتقطيع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة اليوم: ساعات حاسمة لانقاذ مفاوضات الهدنة بين اسرائيل وحم


.. العالم الليلة | تفاصيل عن المنطقة التي طالبت إسرائيل بإخلائه




.. نتنياهو: إسرائيل ستواصل عملية رفح مع مواصلة محادثات التبادل


.. تفاعلكم | فوبيا المكالمات الهاتفية.. أجدد أمراض العصر




.. وزير إسرائيلي يدعو إلى احتلال رفح فورا ردا على ألاعيب حماس