الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وعند كوبا .. بلسم ٌ للجراح

عبد الجبار السعودي

2005 / 9 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


وعندَ كوبـــــــــا .. بلسمٌ للجراح !
جبـــــاه ٌ سمر رسمتها شمس بحر الكاريبي ، وإبتسامات و روح عذبة مرحة .. لسكان سواحل الجزر التي تنتشر في كل بقاع أمريكا اللاتينية ، و همة ٌ إنسانية مخلصة و نزيهة لا تشوبها شائبة .. ومعرفة علمية كبيرة .. ومهارة نادرة في التعامل مع أحاسيس بني البشر ، وحبٌ عارم للمهنة التي تتعامل مع الأجساد بشكل يفوق التصور !
هذه وغيرها من التي عرفناها ولم نعرفها ، كانت هي ملامح وصفات من زارنـــا وعاشرنا ولامس جراحنـــا وأرواحنا من الأطباء والكوادر الصحية الكوبية التي قدِمت ْ الى بلادنا في سبعينيات القرن المنصرم في مهمة إحتاجها الوطن آنذاك ، وحتى أصبح هؤلاء الأصدقاء يومها مثار إعجاب ومحبة كل من زاملهم وجالسهم ، وكل من تعافى على تلك أياديهم الرحومة من علة ٍ أو داء هزّ الجسد والروح معاً !
خبرناهم لسنوات معدودات ، حينما كان الوطن في ( فورة ٍ) نفطية مجهولة المصير ، وهم القادمون من بلاد ٍ لا تحيط بها إلا المياه ، ولا تملك من الثروات إلا ( الصفر ) نسبة لما نملكه نحن في أرض الرافدين وما تحيط بنا من بلدان !
حقول من قصب السكر ، ومزارع عامرة بأوراق التبغ النضرة التي يتفنن الكوبيون في صناعة أرقى ( سيجاراً ) في العالم منها ! ومعاهد واسعة للعلوم والمعرفة والرياضة والأدب والفنون تنتشر في كل زاوية من أرض الجزيرة التي لا يبعدها عن عدوها الرأسمالي الأول الذي حاصرها وما يزال ، سوى المائة ميل أو أقل ، و سياحة فتية في سواحلها الذهبية التي تعشقها حِسانًُ العالم .. وأساطيل من زوارق لصيد الأسماك ، هو كل ما تمتلكه كوبا ، و رغم الـــ ( غوانتانامو ) الجاثمة على صدرها منذ عشرات السنين .
كوبـــــا ، التي أنجبت رموزاً وطنية تحدث عنها العالم بفخر وما يزال ، و أغنت البشرية بما تنتجه سنوياً من طاقات بشرية متعلمة في مختلف الإختصاصات .. رغم الحصار المتعدد الأشكال الذي تعانيه منذ أكثر من أربعين عاماً ، مضافاً اليه أعتى المؤمرات وأشرسها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وأعوانها في أمريكا اللاتينية ، لا زالت تلك البلاد وليومنا هذا شامخة بحق و مكابرة بأبناءها ، نساءً و رجالاً و فتية وصبايــــا .. يدفعهم حبهم و عشقهم للوطن لا غير ، لأن يكونوا في مقدمة البلدان في كل المحافل العلمية والرياضية وغيرها .. لا برائحة التبغ المعتق الذي يتلذذ به الرأسماليون والدكتاتوريون وعشاق النشوة ، ولا بجمال البحار التي تحيط بهم من كل صوب وحدر .. ولا بأرواح القديسين وتماثيلهم المنتشرة هنا وهناك ، بل بما تربوا عليه من مفاهيم وأفكار وطنية للمناضلين الذين قادوهم فعلاً ، لا قولاً ، وبدون شعارات جوفاء وبكاء و نواح على ما مضى ، نحو الرقي والتقدم العلميين ورغم الفقر والعوز الذي يلف أرض الجزيرة وما حولها من حصار!
كوبــــا الحرية والمعرفة ، هذه تعلن ولمرتين وعلى الملأ ، وكما هي عادتها في ( نخوتها ) النضالية والأنسانية التي سارت عليها ولا تزال ، تعلن لعدوها الذي يحاصرها ويتآمر عليها ، وخلال أسبوع من فاجعة الإعصار المدمر المسمى ( كاترينا ) الذي ذهب ضحيته الآلاف من الضحايا في ولايات الجنوب الأميركية ، تعلن عن إستعدادها المباشر والفوري لإرسال طاقم طبي من 1100 ( ألف ومائة ) طبيب وبكامل معداتهم الطبية وبمختلف الإختصاصات .. للمساهمة في عمليات الإسعافات والإنقاذ الطبية لمنكوبي الإعصار والفيضانات !
وبغض النظر عن ردود أفعال الولايات المتحدة الإمريكية والتي إتسمت بالصمت لحد الآن تجاه هذا العرض الإنساني في تقديم المساعدة ، فإننا نقف أمام معاني مثل هذه المبادرة لبلد فقير مثل كوبا التي تزخر بمثل هذه الإمكانات العلمية وخصوصاً في مجال الطب وغيره ، فقد أصبح القطاع الطبي الجامعي في كوبا يشكل مفخرة لتلك الجزيرة الصغيرة النائية والقريبة من قلوب كل عشاق الحرية ، إذ تخرّج من الجامعات الوطنية أكثر من عشرين ألف طبيب أرسلوا في مهمات إنسانية الى أكثر من ستين بلداً نامياً في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية على مرور السنوات المنصرمة ، ويدرسُ حالياً أكثر من عشرة آلاف طالب من 28 دولة ،الطب في كوبا في إثنتين وعشرين كلية طبية ، حيث يتلقون تعليمهم و يقيمون و يُدربون على نفقة الدولة ! ويبلغ عدد الأطباء العاملين في كوبا وحتى عام 2002 أكثر من 67 ( سبع وستون ألف ) طبيب ، منهم أكثر من 45 ألف أخصائي ، أي ما يعني أنه يوجد طبيب واحد لكل 167 مواطن وهي أعلى نسبة من الأطباء في العالم ! فيما تبلغ هذه النسبة في أغنى البلدان وأكثرها تقدماً طبيب واحد لكل 358 مواطن في الولايات المتحدة الأمريكية و 437 في كندا و 330 في فرنسا و 268 في ألمانيا و 610 في المملكة المتحدة !
هذه بعض من تجربة شعب لا يتجاوز عدد سكانه 11 مليون نسمة ، أنتج وينتج كل يوم ثماراً علمية وإقتصادية ورياضية وإجتماعية رائعة تضاف الى إرثه النضالي الكبير وتجربته في التخطيط العلمي المتطور وإعتماده على طاقات شعبه وكفاءة أبناءه دون تمييز يذكر .. و وسط مؤامرات دولية لاتزال حتى يومنا هذا تتربص به وبكل ما تحقق !
مفخرة كوبــــا ، هي درس ثمين لجميع شعوب العالم ومنها شعوب بلداننا العربية التي لا تزال تستورد الغذاء والعلوم والحكماء وتئن تحت وطأة المرض والتخلف الإجتماعي والإقتصادي وتبحث عن البلســـــم المفقود الذي يضمّد الجراح .. دون أن تجده !

بصرة – أهــوار في 8 أيلـول 2005
[email protected]










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية