الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- خربشات -

أحمد فيصل البكل

2015 / 1 / 23
الادب والفن


لم أكن في حاجة لأن أرهف سمعي حتى يتناهى ذلك الصوت إلى أذني ، إذ أنه كان جليّا واضحا كل الوضوح للقاصي والداني ، خلته في بادىء الأمر شجارا بشريا مألوفا ليس من الغرابة في شيء ، غير أن ما بدا لم يكن كذلك ، كل ما بدا هو رجل أوروبي حسن الهندام على وجهه سيماء الجدية يعاتب كلبا لست أعرف نوعه ، كان يعنّفه بنبرة لا يعوزها الصدق ما إنفكت تعلو وتعلو ، ولم يكن من الكلب إلّا أن طأطأ رأسه الصغير من فوره وكأنه يعترف بخطأ ما . من جانبي لم أُدهش ، فالأمر نفسه تكرّر معي حين كان يحدّثني أحدهم عن سيارته الخاصة قائلا : جدّدت اليوم رخصة سعاد ! وبإمكانك أن تعرف الكثير عن ذلك الشخص بمجرّد النظر إلى سعاد وجسمها الخارجي ، ستجد صورة للمطرب الفلاني أو كلمة من الأغنية العلانية ، وهذا ما سيحدث أيضا بمجرد أن تلج منزله ، بنظرة واحدة ستعرف على الأرجح ميوله ومزاجه ، بل وستعرف أفكاره ومعتقداته ! وتجد البعض يحتفظون بقلم ما لعقود دون غيره . إننا لا نطيق العيش بين جدران صمّاء لا تبالي بنا ، لا نطيق حيادها ، لا نحتمل العيش بين موضوعات ، بين أشياء ، نأبى إلّا أن نحيا بين أشخاص وإن كانوا بغير لحم ودم وألسنة ، من هنا يكون الكلب رفيقا من الرفاق ، وتكون السيارة صديقة حميمة ، وتكون منازلنا ألسنة ناطقة معرّفة بنا وبإهتماماتنا دون أن ننبس بحرف . بألفاظ الفلسفة الجدباء الثقيلة على المسامع نحن نشخصن ونؤنسن كل ما حولنا ، نرفض أن تكون الأشياء موجودة في ذاتها ، وإنما هي موجودة بنا ولنا ولأجلنا ، إنها تنبع منّا وتصب فينا ، والمسيحية تقول إن سنّة الإنحلال دخلت إلى هذا العالم بسبب الخطيّة ، فالنجوم المتفجّرة ( Supernovas ) لابد أنها تنفجر بسبب الخطية ! ولست أفهم كيف يمكن أن يحدث ذلك إذا كانت النجوم تنفجر وكل شيء يعرف الأفول قبل ظهور الإنسان بمليارات السنون ! والإغريق القدماء اعتقدوا أن الشمس والقمر والنجوم كانوا هم أسلافهم في عصر ما ! وكل فعله عابرة من أفعالنا لا تعكس نظرتنا لأنفسنا فحسب ، وإنما تشي بنظرتنا للكون والوجود برمته ، فكما يدلّنا متحفا طبيعيا مغلقا على رؤية لكون مغلق مكتفِ بنفسه ، يدلّنا الرقص المعاصر في حركته العفوية اللا قاصدة المجارية لنغمات الترانس والبوب على رؤية لوجود غير هادف تحتفي بالجسد على حساب الوعي ، وينم كذلك صالونا متخما بالأثاث عن شخصية تحيا خارج نفسها مقدسة لعالم الموضوعات . ليست اختياراتنا في الانتخابات البرلمانية هي التي تعكس قناعاتنا وإنما أقل القليل يخبر بذلك ، فنحن لا نخلق آلهتنا على صورتنا فحسب كما قال الفيلسوف كزينوفان ، وإنما لا نعني في الغالب ما نقول ، فلابد أن الفيزيائي حين يقول الله حي يعني رجل القوانين الكوني ، ولابد أن البيولوجي يعني إن قال الله حي أنه يحيا حياة عضوية قائمة على الكربون ، ولابد أن الصوفي الذي يقول الله حي يعني أنه حاضر منذ الأزل حيث لا مكان ولا زمان ممتد إلى الأبد حيث لا شيء إلا هو ، ولابد أن التاجر الذي يقطن ناصية شارعي يعني حين يقولها أن الله حي في محله فقط لا في المتاجر الأخرى !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا