الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الابداع الشعري إشكالي: الشاعرة العراقية عليا محمد علي أنموذحا 1-2

اشبيليا الجبوري

2015 / 1 / 24
الادب والفن


شكل مفهوم الابداع الشعري أحد الإشكالات ذات الأهمية في كتابة القصيدة الحديثة، رغم الرفض الذي تعرض له في السابق؛ أقصد مع متسربلين العتمة. فألشاعرة في قصيدتها الاخيرة: "جوريـّة" (والمنشورة على موقع الحوار المتمدن بتاريخ 22.01.2015-محور الادب والف) نجد تأمل ابداعي من العالم المغلق باللون إلى الكون اللامتناهي في الوردة"، تطرق إلى فكرة الابداع الشعري بالقصيدة، كإن الوردة "جورية" لم تنظمها كقصيدة فقط وليست فكرة حديثة ومنعدمة في الفلسفات القديمة والوسطوية، بل غور عميق من التأمل معترفة، بالدور الذي لعبه الفراعنة في زهرة "اللوتس"، والهندية في" القرنفل" وبلاد الرافدين في " الآس" ناهايك ما أتت به شاعرتنا من أتون مخضب بألوان قدسية بُعدية في تأمل لا نهائي، وتنفست في قصيدتهاأنفاس تستوجب تحريك لمجموعة من العقائد والأفكار، والبخور، والامواج المتناغمة، والتي تم تغليفها بغطاء احتفالي، كما نجد عند المتن، من قبيل قولها " في أقصى الحزن/ من قصي خلوتك الموجعة/ تنهض كما يليق بك النهوض/ فاتحا للشمس الشرقية/ شباكك المغلق/ ..إن هذه اللانهائية هي تأملات صوفية تحمل صوفية صفة الإيمان للمبدع الشعري، لذا نجد القصيدة مجموعة رموز وملاحظات تتكرر، كما عند البراهمة الهنود، وهي تحلق باستنتاجات التأمل، لتلك للـ"جورية"، التي نقلت هذا العالم ومعها العبق من المقاصد الغائية المتعالية، أو ما قد نصطلح عليه بإنقاذ الظواهر الروحية من غمدها، الى منطلق واسع لرؤى كونية واسعة وبنظرة حالمة أشتملت مع ذاتها في مخيلة مخاض روحي للكتابة في سمة واضحة من سمات الابداع الشعري الحديث.

متعثرٌ بضبابية اللون الفاتح
تثير بعض ذاكرتك .. أرجوانة !

كل ما يهمنا نحن هو كيفية أبراز الشاعرة لتعاملها مع هذا الحدث التاملي !! ما هي صفات الشي، وكيف تتنامى فيها الاشارات وهي تتعرج بلغة نابضة، في الخيال الابداعي الفلسفي على أسس إبيستمولوجية، التي جعلت الشاعرة تقول بفكرة اللامتناهي الجمالي، وتعدد عوالم الابداع اللفظي، في مكنونات شفافة تظهر صوفية الشيء بذاته وكأنها تؤسس لعلم فلك جديد ,باحثة عن اجرام سماوية جديدة تؤسس فلكا حاثا تناظريا، ذو أهمية نابضة وبأبحاث مفردة بطريقة تفتق أحشاء ذلك الكائن الجميل الذي يدعى الشعر الحر، وهنا يبدو طيف تناغم روحي مع ذاتها يتلخص بصور شعرية دافئة يتلاحق أنتقالها في االلون الثلاثي، لنصفها الموشوري ومن الاخر كما في متعثر بضبابية اللون الفاتح...، إنها تهيم بأستكشاف تدرج اللون بأقدمية منظومة الالوان بذاتها، وتصف مدارات التعثر في كواكب حول شمسها، مبتعدة عن التفسير الفيثاغوري القديم، رغم اعتمادها عليه في التعدد بدرجات التلون. مثيرة ما تنص عليها، الى لملمة جميع الكواكب اللونية، وهي تدور في مدارات الذاكرة حول الشمس، فتكون الشمس في إحدى بؤرتي هذا المدار للمدارالأخر. وحتى ذلك الوقت تنسج رحيقا بـ(تثير بعض ذاكرتك) كأن الكل يعتقد أن مدارات الكواكب للالوان دائرية! وتمثل الشمس للالوان احتمالات بؤرة من بؤراتها و لكل تلك المدارات الـ(أرجوانة) . كما تنص على ذلك مسافة الكواكب اللونية الى الشمس، التي تلعب القصيدة بمسندها الموسوم بـ(جوريّة) دورا في سرعة ماتعثر...وماتثير، اي ان شاعرتنا تتعامل بابداعها الشعري مع الكواكب في الكتابة بطور رمزي ناعم الملمس، وبسرعة الومضة تدور دوران أكبر الكواكب عند أقترابها من الشمس الـ(جورية)، وبسرعة أبطأ عند (البُعد)((بعدها)) عنها، كما في الصورة الشعرية، ادناه:

توقظ فيك نعاساً مُبهماً لاتعرف ألوانه
وبعض رغبة !

تحدد الشاعرة هنا النسبية الابداعية بين تجاذب الكواكب المختلفة حين توقظ فيك نعاسا مبهما لاتعرف ألوانه؟؟ توقظ بعضها بالقياس إلى بعدها عن الشمس الجورية عند المقابل لها. وهذه الصورة التربيعية الابعاد لمدة دوران الكواكب الذات، حول الشمس(الجورية)، تتناسب طرديا مع نصف طول الذاكرة، للمحور الأكبر (نعاسا مبهما) و(لاتعرف الوانه) لمدار الكوكب بذاتها لذاتها لـ(بعض رغبة) . بقولها بفكرة الرمز للارض كحاضنة فيها تدور حول الشمس الجورية، مع فكرة في غاية الجرأة أنذاك للذاكرة؛ لأن الجورية كالارض هي المركز الذي يدور حوله كل شيء، ومن ثم فالشك فيها هو شك في قدرة الحلم، واختفاء الأفلاك الثابتة والحدود المعروفة، بعد أن تتضح أن كون الرغبة في الأخر لانهائية. لكن كظمٍ مرتبط بذاتها كفلك أثبت تدرجه اللوني بتدرج عكسي في (مبهما). فحتى الشاعرة إن لم تكن الجورية كأرض هي محور الكون لـ(الارجوانة)، فهناك نظام وتناغم في كينونتها كلها، وربما هنا كينونة أضفت عليها الشاعرة حسّاً نوعياً من المعقولية على منظومة التأمل. التأمل لديها هو أغراق اللون بنسيج مزدوج، ليس فيه سقف للعالم الملموس، (حيث ان نجومها غير موجودة على سطحٍ واحد في القصيدة , وكأنها احدثت انفجاراً في مكامن المكان فلم يعد المكان هو المكان، و لا الزمان هو الزمان حينما منحته دفعا تراكميا من الرغبة وكذلك حين سيمتد ويتسع في:

كمن يشتهي لبعض الوقت
مظلة لحزنه الماطر
أي مظلة .. لايهم !

أن علاقة كينونتها في كم يشتهي لبعض الوقت...سقفا تأمليا لفلسفة سابقة تنتقد كينونة الجورية بعوالم محيطها، بمحدودية عالم الاخر في (مظلة لحزنه الماطر)، وخاصة عند تفلسف ما سبقه من (حزنه)، والذي أشارت له الشاعرة، أي الى (حزنه الماطر), بلام (ناصبة) فهذا الأخير أبان لها، ان المظلة عالم محدود تحده الأفلاك الثابتة يشتهي اليقظة الحالمة، مما نجد الشاعرة تتبصر بالاخر فلسفيا كفجر تعتصر به أحداثيات ابداعها بالمشاكسة التنقيبية، في قولها بمدد رملي بكل لانهائية العالم كما في (اي مظلة...لايهم)، فمن بين كل تلك الرموز التحليلية المخفية والظاهرة في التأويل، نجد الرمز يحيا في الصورة الذهنية وبدفاع عن فكرة اللامنتهى في عالم دورة الزمن في (..بعض الوقت) معترفة بتعددية العوالم، وبالتالي تكتشف نجوم جديدة في هذا العالم الجديد المتصف باللامحدودية في (مظلة حزنه). في تصورية الكتابه للمقطع المذكور أعلاه، إن كينونة الشاعرة، لا تحتبس، ولا تتشارك بحماس في لانهائية الكينونة عند الاخر فحسب، بل تعزز النفس الرغابة لدي الاخر، في تقويله بأن اللانهائي قوة حالمة. فعلى عكسها، تتشاكس الصورة بين الحلم والتأمل، وهنا الفكر الابداعي لدى الشاعرة، يحمل في طياته سر الخوف الحرفي في الابداع، والمتمثل في رفض أي تقيد، وبالتالي أي مركز للجمود، ولتعددية المراكز، والقول بمكان معين، مشترط عقائدي، اكثر مما هو ابداعي بالتحرر والحركة. الكينونة لدى الشاعرة هنا تتصف بالتحرر، حين تشخص الرمز وبذات الوقت تنتقد النظام العقائدي كـ(المظلة)، لأن فهم العالم ليس عن طريق اللجوء إلى الايحاء و دافع للأيحاء به، ولكن عن طريق الاستدلال الرمزي الاشاراتي.

تقايض بالنسيان كل ماتملك
فلا تنسى
متنهّداً هواجس تاريخك
وتمردّك المتمّرد عليك
وثرثرة كطعم الخطيئة
مستباحة الأرض
تلقيها كي تنسى .. فتتناسى

تعترف الشاعرة بانتهاكات الذاكرة، التي تعرضت لها مدارات أفلاك الأخر بما حدث له وتجدد من مستجدات، ليس فقط مع كونيته المجردة، وإنما الشاعرة تثق بالفلك العام للاخر، ومن ثم ضرورة الحصول على علاج remède لطبيعة نظم افلاك الاخر معها. فأستخدام الشاعرة لكينونة ترافق أنفاس وسائط مستدامة من طرف فلسفتها الضمنية السابقة على تأويل نفسها اليها بالاشارات، محاولة السفر خارج حدود العالم في اتساع الفضاء اللانهائي في تقايض بالنسيان كل ما تملك. لعل وعسى كونية الأشارة، و وفقا لهذه الافتراضات، تتعامل مع معطيات جديرة بملاحظة الظواهر السامية، مثل تلك الصورة الافتراضية المتعلقة بنسبية الحركات الذاتية، أو الاعتراف بوجود الأشياء التي إما أن تكون غير متوقعة مع هذه المظاهر التي من شأنها أن تكون أسؤ، أو تكون غير قادرة على الظهور. مما يعني القول أن هذه المظاهر لا تنسى أن كياناتها الابداعية تتكشف تلسكوبياً ان صح التعبير، بحيث يتم الحصول على معطيات جديرة بالملاحظة تتعلق بالاشارات الى كونية عالمها الابداعي المتميز، فبهذا الاكتشاف نؤكد كينونية حيوية أبداعها الشعري، وعلى وجود كوكب ابتكاري مبدع يحوم في افلاكها خارج منظومتنا الروتينية المألوفة من اتساع لصورتها الشعرية المتجسده في نظامها الشامخ في الكتابة. فالعالم الابداعي لشاعرتنا يسبح في فلك حسي يدور برحى هواجس الابداع، وبأنتقاءه حسب هذه المعطيات، ولا يمكن أن يقبل أي شيء يتعارض مع قواعد بصرياتها الحسية. هنا كإشارة الى( وتمردك المتمرد عليك)، الذي استساغت شاعرتنا، ان تتجه بمسار الاهتمام بظاهرة انكسار الضوء (وثرثرة كطعم الخطيئة). لكن مرة أخرى يمكن القول بالاتجاه ذاته، كما يمكننا القول إن افلاك ألقيم اللونية للـ( جورية) على اليقين certitude، متجها نحو منطقة النجوم الثابتة الغارقة في الانتظار، حين تشدد بـ(فلا تنسى) التي كانت تعني لها تحد للعالم، وهذا غير صحيح لربما، على الرغم مما تذهب اليه بالتصنيف الاشاراتي في معين يرى الخطيئة (مستباحة الارض)، أن هذا العالم الأدنى للاخرلا يختلف مع شمسها من حيث مظهر جوهرها الانساني (تلقيها كي تنسى...فتتناسى)، وما تحوم حولها من بعض الشذرات الثابتة وهي/هو (متنهدا هواجس تاريخك)، مما يعني القول إن هذا المكان (هو الجسد للقصيدة)، لا يختلف عن الأماكن الأخرى في التمرد (وتمردك المتمرد عليه)، لكنها كانها تتصارع مع البرد المحشو في الصفات، ليصبح لنا أن نتحدث عن سماوات بدل سماء واحدة، كما تطوف به شاعرتنا بأبداع. وكما يبدو لنا من خلال تحليل كيانية القصيدة للمعطيات الفلكية للالوان للـ(جورية)، أنما نغوص في القصيدة في عالمها، بتحليل يسمح لنا بالتأكيد على خصوصية ونوعية هذا العالم الابداعي، ونحن نتلمس بأمتثالية تناظرية متمثلة في القول بأن الطيف اللوني تجاوز الثابت، حين تواجد بنفسه متساويا على نفس المسافة بالنسبة لنا: Les étoiles fixes se trouvent à égale distance de nous.، عما عليه عند الشاعرة العراقية المبدعة في تركيبها الابداعي، فإن الاستنتاج هنا، هو أن المكان الذي كنا نحتفظ به إنهار منها، فأصبحنا أمام أماكن لا متناهية، ومفاجـأة، كما في:

وفجأة ...
تستفيق من أغماءة العقود
من لعنة هروبك سباتاً
من سراب أكتفائك وخداعه
وفحيح غربتك الأفعى
الملتفّة على غصن قامتك القامة

يتبع (2)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشاعرة عليا الفاضلة، أ.د . محمود صالح الكروي
اشبيليا الجبوري ( 2015 / 1 / 25 - 23:52 )
للمبدعين سجادتهم البيضاء بالكتابة، وما لأقلامنا الا الانحناء وقوفا كأقواس النصر... بشموخ...دمتم.

اخر الافلام

.. بلا قيود يستضيف الروائية والأديبة المصرية ميرال الطحاوي


.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت- الشاعر صلاح فايز - الأحد




.. عوام في بحر الكلام - محمد صلاح فايز عن بداية حياة والدة الشا


.. عوام في بحر الكلام - علاقة اولاد الشاعر صلاح فايز بأغاني وال




.. عوام في بحر الكلام - أغنية أنقذت شاب من الانتحار.. شوف أغاني