الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرجل ال-يباشر-.. قصة قصيرة

مختار سعد شحاته

2015 / 1 / 24
الادب والفن


الرجل الـ"يُباشرُ"
_______________________________________________________
- 1-
بسيطة هى أحلامه هذا الرجل "اليُباشرُ"، تلك البساطة التى تنساب قوارب صيدهم بها فوق صفحة البحيرة، لا ريث ولا عجل، هادئة كهدوء الأسماك القانعات بوقوعها فى شباك الصيادين، فتبيت ليلتها تنتظر مصيرها المحتوم صباحًا- بقناعة لا ينفيها ارتعاشاتها الأخيرة حين تخلصها أياديهم من مكانها فى الشباك. هكذا يطبع كل الأيام بهذا الطبع المليح من اللا تعقيد الذى تشتهر به بعوض البردى التى تلسع فى صمت كصمت الأسماك فى قعر الصحون الأرضية التى اجتهدت فى حفرها لتحمل بويضاتها وسلالتها للأبد.
-"متى يحين اليوم ويزوجه، فيدخل مع عروسه الفرح إلى بيته على مهل مثلما دخل يوم زواجه منذ عقود، متى يأتى هذا اليوم الفَرِح؟"
- 2-
فى نفس الدرب من بساطته المعتادة جاءت "الكهارب" كما يسميها هذا العلجوم صاحب "الفِراشة"، أضواء لا رقيقة ولا معقدة، ولا تمت للبساطة أو الذوق بلون، أو يمتد منها طرف سلك كهربائى نحو فن الإضاءة، يقف هذا الرجل "اليُباشرُ" على غير العادة، عيناه لا تعرف الرسو مثل "فلوكة" استعصت على الماء؛ فتقلبت كما السمك الذى يشويه فى العصارى فوق صفيحة السُخام فوق موقد الكيروسين المميز لفلوكته، ينظر نحو هؤلاء الضيوف الذين توافدوا تباعًا كأنهم مقذوف مدفع طفل فى يوم عيد، يتتابعون فى حضورهم تتابع حبات المسابح فى أيديهم، ملابسهم تحمل من ألوان مراكبهم وقوارب صيدهم مثلما تحمل من روائحها، ينتشون بروائحهم حين يتحلقون فى دوائر البيرة الرديئة رخيصة الثمن، يفتعلون الانشراح بمذاقها المقزز، فى تمايل مع موجات من سحابات دخان "حشيشتهم" تلك التى سكنت "صواريخ" السجائر الفقيرة؛ فتاقت للخلاص، وبعيدًا يقف منتشيًا بكونه فى استقبال الجموع السعيدة من هؤلاء الصيادين الذى عطلوا يوم صيدهم لأجل هذا الفرح.
-" ألا يستحق فرح الليلة أن تتعطل رحلات صيدهم ليلة أو ليلتين؟".
-3-
فى صغره كلما كان يشاهد عمه الكبير يمارس فعل " المُباشرة " فى كل مسراتهم وأحزانهم، فما تمنى غير هذا الحظ العظيم، متى يحين اليوم فيكون الرجل "اليُباشر"؟ يأمر فيُطاع، يأتمرون بنظرة منه، ينصاعون لإشاراته، هُنا هذا، وهنا ذاك، كل شىء ينتمى إلى حكمته التى تتشكل فى قراراته التى لا يمكن لها إلا أن يطاوعها كل قدر أينما قُدِر، هكذا يقتضى حظ الرجال ممن نصبتهم حكمتهم أو نفوذهم؛ فتوجوا فوق كرسى هذا الرجل"اليُباشر" كل الأمور، لا مجال لحلم غير هذا، ولا متسع لغيره من الأحلام، " متى يكلف بهذا التشريف فيصير الرجل"اليُباشر" ؟ ينام ويصحو؛ فلا يشغله سوى آليات التأهل للمنصب.
-" فمتى تجىء أقداره تحمل مسئولية المُباشرة بقلب وثاب ثابت ؟ ".
-4-
اكتمل الحضور؛ فاصطفوا يمارسون طقوس مجاملة ساذجة، يمكن أن يلخصها المؤرخ لتواريخ الفَرْحِ فى البلدة فى تمايلهم الرجيم بفعل البيرة والمخدر الرخيص، يكتفى بأن يهُز رأسه، ويرسم ابتسامة متكلفة؛ اصطناعها جلي، وهم يتفهمون حجم المسئولية التى توَّجته سيد الموقف، فانبلجت حدقتا عينيه فملأتها تلك الكهارب المتراصة بشكل ما، لا يخلو من سريالية سذاجة قُحة، نافسها هذا المتقصع الذى يصرخ وسط ضجيج آلات موسيقية صاخبة كأنها تصارعه، فيجتهد الجميع خلفهم فى لفت الانتباه لمن ينصتون بفعل العادة فى هذه المواقف، فقد يفلحون أن ينتزعوا صيحة " الله"، أو تبجيل ليلتهم الفانتازية بصرخة النشوة " آآآآه"، لكنهم يفشلون فى إقناعهم بكونهم ينتمون إلى عالم الطرب بطريق ما.
-" وأنا رمشى ما داق النوم..".
-5-
وحده ينتشى بحق، تتراقص جنبات بنائه الإنسانيّ الداخلى بحق، تنساب إلى روحه موسيقى النغم بحق، وحده الذى تطغى على ملامحه فرحة عجيبة، تفلح أن تسرق الاندهاشات فى تحلقات الحضور، " الفرح بينط من عنيه بابنه وعروسته". لكنهم لا يعرفون، لا سعادة تضاهى يومه، لا جنة يمكنها أن تعادل لحظته فى تلك الليلة حين جلس الجميع إلا قليل، كلهم يستمعون ويفعلون ما يؤمرون ولا يعصون الرجل ما أمرهم، ولرضاه يطمحون. هو فى عِليين من الانشراح؛ فاليوم يلمح شخصه فى شاشات الفيديو التى تملأ جنبات المكان، ترصد حركاته وإشاراته بالتحية نحو الجميع، يلازمه مصور الفيديو كظله الظليل، فاللحظة فارقة، اليوم يعلن فى صراحة أن سعادته بفرح ابنه أحقر بكثير متى لاحت فرحته الداخلية بكونه قد صار الرجل"اليُباشر".
-" عمى من يُباشر الفرح". قال صبى فى الحضور يطمح أن يعتلى كرسيه يومًا ما.
- تمت –

* القصة منشورة بكتاب "كُتاب العاصمة السرية.. من وحي إبداعات النزلة"، دار كلمة للنشر والتوزيع 2013
* إشارة : الألف واللام " الـ " تدخل على الفعل الماضى وتسمى "أل " الجنسية، وتحل محل الاسم الموصول، وشاهد 1لك فى الشعر العربى " ما أنت بالحكم الــتُرضى حكومته" أى ما انت بالحكم الذى تُرضى حكومته.

مختار سعد شحاته
Bo Mima
روائي.
مصر/ الإسكندرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت


.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو




.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??


.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده




.. أون سيت - فيلم عصابة الماكس يحقق 18 مليون جنيه | لقاء مع نجو