الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-باب جانبي في كابينة والدي-

مختار سعد شحاته

2015 / 1 / 24
الادب والفن


جاءت تدنو من خلوته في الجانب الغربي من مدينتها التي ترمينه بالفقد. توافق في "الكابينة" المجاورة زوجان يرقصان على نغمات أغنية موسيقى تانجو لرقصة "آل باتشينو" في فيلم "عطر إمرأة"، كانت النغمات تتحلل من تحفظها مثلما تحلل الزوجان في الجوار، وغافلًا عن مقدمها تابعهما، ولا شيء في خلوته لحظتها سوى اللحن والحركات التي سيجتهد هذا الزوج في تقليدها؛ ليبهر رفيقته بالكابينة المجاورة. تقدمت قدمه اليسرى في رشاقة، فترادفت قدمها اليمنى إلى الخلف، ويسمحان للشبق أن يتمدد في المسافة التي اتسعت، وسرعان ما ضاقت حين عالجت قدمه اليمنى خطوته التالية، وتمهلت ريثما ترتفع الرغبة في الرجل من أخمص قدميها المترادفتين وحتى نهديها النافرين، وباندفاع يسير نحو الأمام والأعلى.
يتحرك غافلا عن تقدمها نحو كابينته من بابها الجانبي، ولم يدرك السرّ بعد عن حكمة والده أن يجعل للكابينة باب جانبي، ولا يفهم ابتسامته حتى كان يزين هذا الباب بهمة ونشاط، غير مكترث بعجب الجميع.
- "هذا باب الهوى، سيمر منه، دخولا لا خروجًا"
- "الباب جانبي غير بحري"
- "مساكين.. غدًا تتذوقون طزاجته متى فتحته"
- "يا بابا؟!!"
- "شغل لنا صوت محمد رفعت من سورة مريم، واستمتع بالتجلي"

تتلاشي نقرات كعبها بارتفاع الإيقاع الصادر عن تانجو الكابينة المجاورة، حتى أن صوت حبات المسبحة التي تعودت أن تحملها كانت تضيع في محيط التلاشي، فتدنو من الكابينة، ولا أثر يدل على مرورها غير الهواء الذي حركته بتلوى جسدها المرمر حين دغدته بتقصعاتها، وتفرح لفرح النسيم الذي تمكن في العبور أسفل "الإيشارب" الذي غطى شعرها بلا عناية، فهسهست الثعابين في شعرها فسرت النشوة ترعشها، فقلصت المسافة ما بين نهديها حين ربعت يديها فوق حلمتيها المنتصبتين بفعل النسيم، وحثت الخُطوات نحو الخلوة.
تبعثرت رنات الضحك مختلطة بايقاعات تانجو الجيران، وعلى استحياء ارتفع صوت الشيخ بالتجلي، ولصدفة غير مسموح بها أدبيًا، كان الجار يثبت كعب قدمه اليمنى في أرضية الكابينة، ويجبر الراقصة معه على الدوران بزاوية أكثر حدة، فتسمح لشفرات جسده أن تكشط من ثديها ما فاض، ومن "سوتها" ما طاب ونضج من ثمار الشبق، ويتابعان غافلين –مثله- عن تقدمها نحو الكابينة التي خصصها لخلوته بعد وفاة والده.

أرادت أن تعلمه عن رقصتها وكلام سيدها "جلال الدين الرومي"، وأن يحفظ مثلها بعض الأوراد بإيقاعها "المولَويّ" الهاديء، وكان يأخذ بيدها نحو عالم حكمة "سقراط" وتعاليم "نيتشه"، وفي النهاية قررا الولوج إلى رقصة خاصة أسمياها "مولوية الحكمة"، واخترعا لها من الإيقاعات ما يناسب حالتهما المتعاكسة.
- "الروح والجسد ضدان"
- "لكنهما يحيان ببعضهما"
- "حالتان مختلفتان"
- "لكنهما يكونان كيانًا واحدًا لا ينفصل"

ظلا يرقصان وتتعثر خطواتهما ما بين متعة الدوران ومزيج الحكمة التي راحا يصبانها على إيقاع الرقصة، ويبتسمان مغمضين، وحبات المسبحة في يدها تدق لحن سقوط الحبات الواحدة تلو الأخرى بإيقاع ثابت وخلاب.
يعود نحو الباب المواجهة للبحر، ويتراخى عن تنفيذ أمر دماغي بالنظر نحو كابية الجيران، حين سيطرت إيقاعات التانجو على المساحة التي استقبلت موج البحر أمام الكبائن بسطوتها، فارتمت حبات الرمل بشوق طاغ في دفقات الماء، واستسلمت في رحلة عودتها إلى قاع البحر البعيد الساكن. صوت التانجو وحده كان آخر ما تسمعه حبات الرمل، وغاب عنها متعة الإنصات إلى إيقاع خطوها المتسارع نحو كابينته، وصوت حبات المسبحة في يدها التي تسارعت حين كانت تعبر الممر الرخامي نحو باب الكابينة الجانبي.
كان متحللا من كل الأصوات والملابس، يحاول أن يقبض فكرة راودته مرات ومرات، ولا يغشى سمعه سوى صوت الشيخ المتناغم مع اهتزازات ثريا عتيقة وصغيرة، علقها والده يوم اشتراها من محل "الأنتيكا" في شارع جانبي قريبًا من محطة الرمل.
- "تسّاقط عليك رطبًا جنيًا"

تركت لمقبض الباب أن يتعرف على "إيشاربها"، وراحت بهدوء تُشعل الشموع في كل الكابينة، وتطلق من روائح أعواد البخور التي أحضرتها بعضها بعناية واختيار فائق، وراحت ترجو خشب الأرضية ألا يئن، فالكابينة تعرف عن فتنة أصابع قدمها حين تدوسه كل مرة، فتنخر الرغبة في جنبات الكابينة، وتهديها نحو الرجل الغافل عن دخولها، وتزيد أن تتكتم صوت ملابسها حين بدأت ترميها في عجل، لتعبر صورتها العارية تمامًا في كأسه الذي أعدّه منذ لحظات، وغفل عنه مع فكرته وتجلي الشيخ.
- "وقري عينا"..

ألقت بجسدها العاري فوق جسده، فلم يجفل، واكتفى بابتسامته مغمض العينين، ورحبت شعيرات جسده بزغبها المتسلسل في باحات خلفيتها المستديرة مثل رحى من رخام أملس، وبدأت تسلسلات الانتصاب في الجسدين، بينما راحت شراشف مأذنة مسبحتها تمسح في خشوع يدها اليسرى المفرودة فوق صدره والضاغطة بمحبة، حتى ارتخت حين انزلقت نحو صغيره، وراحت تسقيه من رضاب شفتيها، وتهدهده بلسانها العابث، خوفًا أن يبكي في حضرة شهدها، وزامت حين ضغط شعرها -الذي تحرر- وكاد يجذبها نحوه.
- "إممممممممم.. إممممممم"
- "إني نذرت للرحمن صومًا"

يكاد يبكي صغيره، فتهدهده وترجوه، وترتفع بجذعها فتتعامد مأذنة المسبحة في تأرجح فوق حجابه الحاجز، ثم تتراخى حباتها فوق جذعه في فوضى سريعة، تتلاشى على الفور حين يطلب إليها:
- "شغلي لنا موسيقى.. لا يجوز البكاء الآن"

لا تسمعه، وتتابع سحب مسبحتها، فتتراقص الحبات، قبل أن تطوق عنقها بها، فتتوسط المأذنة المسافة بين حلمتيها المنتصبتين بلونهما الأحمر المستثار، والذي استقبل كهرمان المأذنة الأخضر بحبور وشوق، وتقطف ثمرة صغيره، فتقشرها بسبابتها وإبهامها، وتفلته إلى كوخ سعادتها، حيث ترضى له بالبكاء، ويطيب له.
- "أحب حين تبكي، وسورة مريم يتجلى بها الشيخ"

ظل لون الكهرمان غير مستقر في منبت نهديها، وارتضى ظل المأذنة أن يخبو منعكسًا أعلى طفله الباكي الذي اختفى في جوف كوخ السعادة، وبينما كانت يداه تحاول أن تزامن إيقاعهما مع إيقاع حبات المسبحة الناتج عن اهتزازهما، لم يكن هناك صوت لإيقاع التانجو في الكابينة المجاورة، ولم تنتبه مثله للنسيم الذي تسلل من الباب الجانبي وراح يداعب شحمة أذنه اليمنى بدلال، فابتسم، وراح يبكي صغيره في حبور.

مختار سعد شحاته
Bo Mima
روائي
مصر/ الإسكندرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت


.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو




.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??


.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده




.. أون سيت - فيلم عصابة الماكس يحقق 18 مليون جنيه | لقاء مع نجو